&مما لا شك فيه ان تنفيذ اتفاق جنيف النووي، سيعكس نفسه على الداخل الإيراني بمكوناته المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، سلباً وإيجاباً. وفي حال قاد هذا الاتفاق الى حالة انفراج كبير وتطبيع للعلاقات الايرانية- الأميركية، إضافة إلى تطبيع العلاقات الإيرانية-الأوروبية، فإن مرحلة من الانفتاح ستشهدها إيران، ستحمل في طياتها تغيرات في المشهد الداخلي الايراني، قد تكون راديكالية أو تقترب من منزلة بيريسترويكا إيرانية. ربما تخلخلها حالة من اللاستقرار وتعقد معادلات الصراع أو التنافس بين أجنحة السلطة من جهة أولى، ومن جهة أخرى بين السلطة والمعارضة ممثلة بشكل رئيس في ما سمي قوى "الثورة الخضراء" وتحالفاتها الداخلية والخارجية المحتملة.

وكان مجلس الشورى أو البرلمان المحطة الأولى للتفاعلات الداخلية للاتفاق المذكور. إذ أنه وبعد نقاشات صاخبة بين النواب، وصلت إلى حدود التهديد بقتل علي أكبر صالحي رئيس وكالة الطاقة الذرية الايرانية ووزير الخارجية محمد جواد ظريف، صادق البرلمان الإيراني مؤخراً على الاتفاق النووي الموقع مع القوى الكبرى في 14 تموز الماضي، ما يمهد الطريق أمام بدء تطبيقه واحتمال رفع العقوبات عن إيران. بحلول نهاية السنة او كانون الثاني 2016 على ابعد تقدير. وهذا ما سيتيح فرصة كبيرة لإنعاش الاقتصاد الإيراني.

وأعقب مصادقة البرلمان تأييد لجنة صيانة الدستور أيدت مشروع "التطبيق الحكومي المشروط للاتفاق النووي"، والذي صوت عليه نواب البرلمان وصكت قانوناً يفرض أن تنسحب الحكومة من الاتفاق وتستأنف نشاطها النووي بحال ثبت نقض الأطراف المقابلة لإيران لتعهداتها، بموجب الاتفاق ذاته أو بحال إعادة فرضهم للعقوبات على البلاد، كما يمنع تفتيش المواقع العسكرية الإيرانية إلا بحالات استثنائية، وبموافقة اللجنة العليا للأمن القومي.

وكان أمراً لافتاً، أن النتائج الرقمية لتصويت أعضاء البرلمان كانت على النحو التالي: تأييد غالبية 161 صوتاً ومعارضة 59 فيما امتنع 13 آخرون عن التصويت، و17 لم يشاركوا في التصويت، وتغيب 40 نائباً عن جلسة التصويت لمجلس يبلغ عدد أعضائه 290 نائباً. وهذا يعني أن نحو 70 نائباً يشكلون قوة غامضة التوجه أو تتريث في موقفها استعداداً للانتخابات النيابية المرتقبة في شباط (فبراير) 2016. أم أنهم سيشكلون بوابة للتغلغل الأميركي في إيران "الجديدة" ما بعد تنفيذ جنيف النووي، وعلى نحو خاص بعد إزالة شعار الموت لأميركا من شوارع طهران ومن جدران مبنى السفارة الأميركية؟.

&ولعل التحذير المتكرر لمرشد الجمهورية الإسلامية في إيران علي خامنئي، من توغل واختراق "أعداء الثورة" للبلاد سياسياً وثقافياً. يضع إشارات استفهام حول مستقبل العلاقات بين أجنحة الحكم في إيران. ويبدو أن "المرشد" يعول على مؤسسة "الحرس الثوري" وطالها ب"تعزيز وتقوية الروح الثورية و التحرك المستدام باتجاه تحقيق التطلعات الوطنية". ووصفه "الحرس الثوري" الايراني»، ب"نعمة إلهية کبيرة، وهو يحمي بوعي وبصيرة الثورة الاسلامية في القضايا الداخلية والخارجية".

وفي اتجاه آخر، وجه خامنئي، انتقاداً ضمنياً للسياسة الخارجية الساذجة التي تنتهجها حكومة الرئيس حسن روحاني، من خلال قوله:" تفاوض أميركا مع إيران يعني تغلغلاً، والأعداء يحاولون تغيير عقلية مسؤولينا وشعبنا، في ما يتعلق بالثورة ومصالحنا القومية".&

وايده في موقفه، رئيس مجلس صيانة الدستور أحمد جنتي بقوله: "بعضهم يحاول تقديم الولايات المتحدة باعتبارها منقذاً. وهي لم تكن ربما لتحقّق في حربٍ، ما حقّقته من خلال الاتفاق النووي".

&ورأى خامنئي أن "الشباب هم المستهدفون أساساً، وعليهم أن يكونوا متيقظين تماماً»، ولكنه نفى قلقه على ومن هذه الفئة الكبيرة من المجتمع الإيراني. رغم أن آخر التقارير تفيد إن ثلثي سكان إيران البالغ عددهم في إيران 78 مليونا ولدوا بعد الثورة الإسلامية. ولم يتربوا على أفكار آية الله الخميني، و يتعامل 30 بالمئة منهم مع شبكة الإنترنت بشكل يومي طبقا لإحصاءات مركز الإحصاء الإيراني.

&والجدير ذكره، أنه وقبل ثمانية عشر عاما، دعم الشباب الإيراني المرشح الرئاسي محمد خاتمي أملا منهم في اقتناص المزيد من الحريات. وشكلوا بعد ذلك العمود الفقري لما بات يعرف فيما بعد بـ”حركة الإصلاحيين” التي واجهت مقاومة شرسة من قبل المحافظين التقليديين. وتجلت هذه المقامة في حملة القمع الدامية التي تبعت احتجاجات عام 2009 على فوز الرئيس السابق نجاد بولاية رئاسية جديدة.

وإضافة إلى الشباب، هناك الشعوب غير الفارسية التي تشكل نحو 70 بالمئة من سكان الدولة، وهي شعوب الأحواز وآذربيجان الجنوبية وتركمنستان الجنوبية وبلوشستان الشرقية التي تتطلع إلى التحرير والاستقلال. وتمثلها بعض قوى المعارضة الإيرانية من أبرزها جبهة الشعوب غير الفارسية التي تأسست عام 2005، وتعد الجبهة الديمقراطية الشعبيّة الأحوازية عضواً مؤسساً فيها عن الجانب الأحوازي، حيث يقدر عدد شعب الأحواز بأكثر من 10 ملايين نسمة، بينما يمثل حزب استقلال آذربيجان الجنوبية القومية الأذرية التي يقول ممثلوها أن منطقتهم محتلة من قبل الدولة الإيرانية، والتي يبلغ عددها 30 مليون نسمة، كما يمثل الإتحاد الوطني لتركمنستان الجنوبية شعب إقليم تركمنستان والبالغ تعداده نحو 5 ملايين نسمة، ويمثل إقليم بلوشستان الشرقية 5 ملايين نسمة الحزب الديمقراطي البلوشي، ويبلغ تعداد شعب بلوشستان الغربية 5 ملايين نسمة. وكذلك الشعب الكردي في كردستان الشرقية ب8 ملايين نسمة.

&وثمة امتدادات للمجلس الوطني الإيراني الأميركي NIAC”"، الذي يمثل الإيرانيين المقيمين في الولايات المتحدة الأميركية- الذين يقدر عددهم بأكثر من 3 ملايين نسمة منهم 50% على الأقل ولدوا بها وتصل ثروات الإيرانيين المقيمين في الولايات المتحدة إلى 400 مليار دولار- داخل إيران. والمكون من قوى سياسية واقتصادية واجتماعية مرتبطة أو غير مرتبطة بالسلطة.

ويرأس اللوبي الإيراني في الولايات المتحدة، الذي يعمل منذ عهد رفسنجاني تعاظم دوره في عهد خاتمي وخف بعض الشيء في عهد أحمدي نجاد، استعاد دوره مجددا بعد وصول روحاني إلى السلطة عام في يونيو 2013. تريتا بارسي، وهو باحث إيراني يحمل الجنسية السويدية ويقيم في واشنطن رئيس المجلس الوطني الإيراني الأميركي NIAC”"، ومؤلف الكتاب الشهير "التحالف الغادر: التعاملات السرية بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة الأميركية". وكان قد التقى للمرة الاولى في مارس 2006، وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف الذي كان يعمل مبعوثا دائما لبلاده في الأمم المتحدة بنيويورك. ومرر ظريف إلى بارسي وثيقة "المساومة الكبرى" التي اقترحها الإيرانيون على الأميركيين إبان حرب العراق في عام 2003.

&ومما لا بد من ذكره، أن السياسي الإيراني حسن ديوليسلام كان قد نشر تقريراً في أبريل/نيسان 2007 بعنوان "مافيا نفط إيران تخترق الكونغرس الأميركي ". أشار فيه إلى العلاقة التي تجمع سياماك نامازي - الذي كان صديقا وشريكا لبارسي لأكثر من عقد من الزمان- مع بيجان خاجيهبور وألبريتشت فريستشينشلاجير، الذين يسيطرون على شركة عطيه باهار في طهران المعروفة شراكتها المباشرة مع الحكومة الإيرانية. وشركة خاجيهبور قهيشم الأيرانيه للطاقه التي لها علاقة عمل مشترك مع الحكومة الإيرانية عبر شركة قهيش الحكومية ولها شراكه مع هاتامي يازد الشخصية المشهورة في مافيا النفط الإيرانية الذي ترأس سابقا ثلاثة بنوك رئيسيه في إيران تخضع للعقوبات الأميركية.

وفق هذه المعطيات والمؤشرات الأولية المتزامنة مع تحذيرات خامنئي، يبدو أن ثمة ما يمكن تسميته "لوبي" أميركي أو تياراً سياسياً صاعداً، أخذ بعض الدروس من البيريسترويكا الغورباتشوفية، يسعى في المستقبل المنظور إلى قيادة "إيران الجديدة".

&