سؤال اللحظة يفرض نفسه بقوة وإلحاح:

ألم تكن واشنطن تعلم بنية موسكو في الدفاع عن الرئيس السوري ونظامه الحاكم عندما منحتها فرصة التواجد الميداني في سوريا؟؟ سؤال يتردد تحت تأثير..&

التصريجات والإدانات التى تتوالي من داخل عواصم صنع القرار علي مستوي العالم..&

و تأثير لأاخبار التى تتناقلها وكالات الأنباء ليل نهار..&

و تضارب التحليلات التى تتصدي للعمليات العسكرية الروسية في سوريا..

وتبادل الإتهام بين روسيا وبعض دول الإتحاد الأوربي حول مستقبل الحل السياسي..&

وسعي كلا الطرفين إلي أستقطاب قوي اقليمية للوقوف في صفه.

في يقيني، كانت واشنطن وغيرها من عواصم الغرب تعرف أن موسكو تسعي لتقوية ذراعها التى مدتها عبر البحر الأسود إلي شرق البحر المتوسط منذ أيام الرئيس السوري السابق حافظ الأسد.. وكانت تعرف أنها لم تعد تبحث لها عن قواعد ومرتكزات بالقرب من المياه الدافئة فقط، بل تخطط لمنازعة الولايات المتحدة مكانتها التى إهتزت كثيراً علي يد إدارة أوباما في منطقة الشرق الأوسط والجوار الملاصق لها..&

وفي يقيني أيضاً أن روسيا عندما إتخذت قراراً سياديا بتعديل عقيدتها " البحرية العسكرية " في منتصف يولية الماضي، لم تُخف ذلك عن أحد ولم تعنلها بينها وبين نفسها.. بل أعلنت علي الملأ أن " التوسع الذي يسعي إليه حلف شمال الاطلنطي بالقرب من حدودها ليس مقبولاً علي أي مستوي " وأكدت – وفق ما جاء في وثيقة الكرملين ( 48 صفحة ) في هذا الشأن - انها " ستحافظ بقوة علي وجودها الدائم في المحيط الأطلسي، وستُعزز مواقعها الإستراتيجية في كل من البحر الأسود والبحر المتوسط من أجل دعم السلام والإستقرار ".

وفي حين بقية واشنطن إسيرة أوهامها رافضة الإعتراف بتراجع مكانتها بين حلفائها في الشرق الأوسط، وتحصنت باريس وراء متاريس حقها المتميز في توجيه دفة الحلول السياسية في الشام، وأعلنت لندن انها توافق علي فترة انتقالية من ثلاث سنوات ينتهي بعدها دور االرئيس بشار الأسد نهائياً من الساحة السياسية السورية!! سارع رئيس وزارء اسرائيل بزيارة موسكو وحظي بتنسيق ثتائي يضمن " عدم تصادم المصالح المشتركة بينهما " بسبب العمليات العسكرية الروسية في سماء سوريا المتداخلة مع سماء أراضي الشعب الفلسطيني التى تحتلها دولته خاصة في الضفة الغربية..&

أكد بوتين منذ البداية:

- أنه يدافع عن نظام الرئيس السوري، فهل كانت واشنطن وغيرها يتصورون أن قواته ستقف علي الحياد حيال قوي المعارضة المسلحة التى تتازعه السلطة وتوالي إحتلال المحافظات السورية تلو الأخري، وتكتفي بمحاربة الأرهاب؟؟..&

- وأنه سيوجه ضرباته إلي تنظيم داعش وإلي الإرهاب بكل أشكاله، فلماذا التخوف الأمريكي من التنسيق مع قياداته حول عدم التصادم عسكريا؟؟ وحول قصف مراكز تسليح هذا المرض السرطاني وقطع سبل إمدادات قواته المقاتلة؟؟..&

- أن محصلة العمليات الحربية التى قامت قوات التحالف الذي تقوده أمريكا منذ أكثر من عام ونصف ضد هذا التنظيم لم تٌؤثر فيه ولم تُقلل من حجم الاخطار التى تتعرض لها شعوب المنطقة وفي مقدمتها الشعب السوري..&

- وأنه لم يبادر إلي الإستجابة لطلب الحكومة السورية لمساعدتها في هزيمة الإرهاب، كحليف أساسي في الشرق الأوسط ولكن أيضا في ضوء التقارير التى كشفت النقاب عن أن المئات من أبناء الشيشان أصبحوا يحاربون في صفوف داعش، وذلك لقطع الطريق عليهم إذا خططوا لعمليات إرهابية في مناطقهم الأصلية أو في داخل أرضي روسيا الاتحادية!!..&

السؤال المحوري:

الا يتطابق هذا الهدف مع كافة المخططات التى وضعتها واشنطن وعواصم أوربا منذ بعضة أشهر لمحاربة اللإرهاب؟؟ وتستعد من خلالها لأصطياد العائدين من أبنائها بعد إنتهاء الصراع في سوريا والعراق لتمنعهم من القيام بعمليات إرهابية داخل مجتمعاتهم؟

كل ذلك وأكثر كان معلوماً لواشنطن ولعدد من العواصم الأوربية المؤثرة.

لماذ إذاً نسمع من مسئولين غربيين أن بلادهم تطالب من موسكو بوقف ضرب المعارضة السورية فوراً.. ويصرون علي ضرورة التوصل في أقرب وقت ممكن إلي حل سلمي للمعضلة السورية.. ويؤكدون أن ضرب الطيران الروسي لأهداف تنظيم داعش سيُحول سوريا إلي مصدر إلهام للجهاديين ويوفر لهم البيئة الصالحة لتجنيد مزيد من المتطرفين..&

ولماذا عبر جون كيري، ضمن مؤتمره الصجفي في مدريد الإثنين 19 اكتوبر، عن حرص واشنطن علي تجنب " التدمير الشامل والكامل لسوريا "؟؟ ولماذا طالب بضرورة تجنيب المنطقة مرحلة أخري من التصعيد " التي قد تتسبب في حدوث موجات أخري من الهجرة من شأنه أن تهدد إستقرار وأمن العديد من الدول الأوربية بسبب تدني إمكانيات إستيعابها مادياً ومعنوياً "؟

كلهم متفقون علي رحيل الرئيس السوري، ولكن بدرجات متفاوته..&

الرحيل الفوري..&

- تعارضه موسكو لأنه سيتيح الفرصة للعناصر شديدة التطرف أن تتولي المسئولية بما يعزز فرص إتساع رقعة الأرهاب وتنامي مستويات التطرف داخل سوريا وفي إطار البلدان المحيطة بها، خاصة تلك التى تمثل بيئات قادرة علي توليد مزيد من التنظيمات المهددة للسلام والإستقرار..&

- وتراه بعض القوي الاقليمية نذيراً بتقسيم الوطن السوري إلي كيانات مذهبية وفئوية متحاربة من أجل إفناء بعضها البعض، مما يهدد بإستمرار حالة الحرب الأهلية سنوات طويلة قادمة ويهدد بتمددها إلي دول الجوار..&

البقاء في السلطة..&

- تعارضه واشنطن وحلفائها لأنهم يعتبرون بشار الأسد نموذج الديكتاتور الذي أجهض ثورة الشعب السوري وتسبب في مقتل أكثر من مائتي الف من أبنائه ودفع أكثر من أربعة ملايين منهم إلي الهجرة خارج ارض وطنهم الذي لهم فيه حقوق تاريخية مثل غيرهم..&

- ويعارضونه لأنه تسبب في فتح الباب للتنظيمات التى كانت محدودة العدد في أفغانستان لكي تنتشر وتتوالد، حتى تمكن إحداها من أن يعلن " خلافته المزعومة " من فوق الأراضي التي يحتلها بين شمالي سوريا والعراق..&

- ويعارضونه لأنه لا يساعد علي الحل السياسي ويرفض الحلول الوسط ويفتح الطريق لمزيد من إسالة دماء الأبرياء.&

البقاء لفترة إنتقالية محدودة الأجل:

هذا العرض اقترحه رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون منذ اسبوعين، من منطلق الجمع بين أحسن ما في النقيضين ( الرحيل الفوري والبقاء ) وذلك لمدة ثلاث سنوات يتم خلالها التوصل إلي حل سلمي يتيح الفرصة للأستقرار الذي سينجم عنه أن يترسخ، ومن ثم تتمكن القوي السياسية " الوسطية " المعارضة من التوافق فيما بينها علي أسس تسيير مرحلة ما بعد الانتقالية تحت إشراف دولي بشكل أو بأخر..&

هذا العرض يحقق المطلب الاساسي الذي تتمسك به موسكو أي الإبقاء علي بشار الأسد حتي يسلم السلطة إلي نظام يبقي علي تماسك الوطني السوري، خاصة بعد أن أكد وزير خارجية أمريكا وبعض نظرائه في أوربا أكثر من مرة حرصهم علي هذا الهدف.

ويحقق مطلب أن لا يكون للرئيس السوري أي مستقبل سياسي في سوريا كما تصر كل من واشنطن وباريس، بعد فترة انتقالية تحقق لهما المشاركة في صنع الإستقرار والأمان ليس في سوريا فقط وانما أيضاً في دول الجوار خاصة لبنان الذي أصبح يشكل اهمية قصوي لدي بوتين دفعته لأن يعلن أنه يعمل علي ايجاد حل لما يعانيه من فارغ سياسي طال أمده..&

يبدو لي..&

ان واشنطن وعدد من العواصم الغربية والعربية تعكف علي دراسة هذا العرض وما فيه من سلبيات وايجابيات..&

لذلك أتوقع أن نسمع قريباً من يعلن عن تأييده له بعد توافر مجموعة من الضمانات الحيوية علي كافة المستويات التى يتبادلون الرأي حولها في غرف مغلقة..&

لأن:

- روسيا لا تتحمل البقاء طويلاً في الساحة الشامية علي المستويين الإقتصادي والعسكري بلا نهاية قريبة، وعليها ان تنتهي من تعقيدات الملف السوري في فترة محددة التوقيت لكي تتفرغ لغيره من القضايا.

- ولأن امريكا مُقبلة علي فترة إنكباب داخلي بسبب إنتخاباتها الرئاسية، من الأفضل لإدارة أباما أن تنهيها بأقل عدد من الملفات الشرق أوسطية شديدة سخونة تقدمه لرئيس الأمريكي الذي سيعلن عنه في الأسبوع الأول من نوفمبر 2016.
&

[email protected]&

&