لاشك أن مراهنة النظام الإيراني على سوريا وحكم بشار الأسد مراهنة استراتيجية. ولم يكن الكلام على عواهنه عند ما قال أحد الملالي القربيين بخامنئي أن سوريا هي المحافظة الخامسة والثلاثين لإيران وأنها في عين نظام ولاية الفقيه أهم من محافظة خوزستان التي مركز النفط وركيزة الإقتصاد الإيراني. كما صرّح عدد من كبار قادة هذا النظام بأن حدود إيران الملالي وصلت إلى البحر الأبيض المتوسط من جهة وإلى باب المندب من جهة أخرى، وأن ولاية الفقيه تحكم أربع عواصم عربية (بغداد- دمشق- بيروت- صنعاء) وعلى وشك السيطرة على الخامسة منها (المنامة) وقالوا بكل صلافة أنه بعد ذلك ستكون السعودية أيضا في متناول اليد.

لكن يبدو أن الرياح لاتجري دائما كما تشتهي السفن، حيث أن مرحلة سقوط هذه الأوهام بدأت من أول يوم وقف الإئتلاف العربي وعاصفة الحزم في وجه سياسة التوسع وتأجيج الحروب الطائفية من قبل هذا النظام. منذ ذلك الوقت بدأت من جهة فترة التراجع والهزيمة والفشل في العراق وفي سوريا وقبلها في اليمن بطبيعة الحال. ففي العراق بدأت المظاهرات في المحافظات التي يقطنها الشيعة ضد ولاية الفقيه وأذياله في الحكومة العراقية، وفي سوريا منذ ذلك الوقت بدأت مرحلة الانحسارات. ولم ننس أن نظام الملالي أعلن أنه سيقضي على المعارضة المسلحة في محافظة درعا ولمّح أن قاسم سليماني أيضا ذهب إلى تلك المنطقة، لكنه لم يستطع من تحقيق تقدم بل بالعكس بدأت القوات التابعة له يلقون مصرعهم، حيث يفيد تقرير داخلي للنظام أن في معركة واحدة فقط خسر النظام أكثر من مائة من عناصره.

كما أن قوات المعارضة المسلحة من جيش الفتح تقدموا في منطقة إدلب وجسر الشغور واستطاعت من السيطرة على مناطق استراتيجية. والنظام الإيراني أيضاً أعلن أنه جاء بقوات الحرس، وهذه المرة أيضاً بقيادة قاسم سليماني بهدف استعادة ما خسره بشار الأسد لكن لم يستطع من إحراز أي تقدم. وفي منطقة الزبداني مع أن حزب الله أعلن عدة مرات بأن قواته تقدمت وعلى وشك إلحاق الهزيمة بقوات المعارضة المسلحة، لكن في نهاية المطاف جلس ممثلو نظام ولاية الفقيه مع ممثلين من جماعة معارضة سورية (احرار الشام) للحديث عن وقف اطلاق النار. ومجرّد هذه المفاوضات لا تعني سوى اعتراف النظام الإيراني بالفشل.

هذه الأحداث وغضب الشعب الإيراني وخوف النظام من تحويل هذا الغضب إلى انتفاضة عارمة دفعت خامنئي ونظامه بالتراجع عن كل ما أعلنوه سابقاً والجلوس مع «الشيطان الأكبر» وحلفائه على مائدة المفاوضات، وفي آخر مرحلة من هذه المفاوضات تراجع الولي الفقيه عن الخطوط الحمر التي رسمها وأعلنها مرات ومرات. وبذلك أصبح الاتفاق النووي منعطفا في تعامل النظام وفي تعامل الأخرين أيضاً مع هذا النظام.

وبعد هذه الإتفاقية لأن خامنئي خاف من فقد بريق ولايته خاصة في ما يتعلق بالسيطرة على الدول الأخرى أعلن أنه لن يتوانى عن مساعدة بشار الأسد وحزب الله وغيرهما. وفي هذا الخطاب تحدث ولأول مرة عن البحرين أيضاً. إنه بذلك أثبت عزمه على مواصلة سياساته العدوانية وتصعيد هذه السياسة، كما أراد بذلك إزالة الشك والتردد الذي انتاب أصدقاءه من أمثال بشار الأسد وحسن نصرالله والحوثيين و...في هذا المجال.

وهنا نشاهد أن روحاني ووزير خارجيته ومن يعمل معه أيضاً يؤكدون على السياسة نفسها. حيث أعلن روحاني في أميركا أن «الجميع يريدون بقاء بشار الأسد» وقال من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة: "مثلما ساعدنا في إرساء الديمقراطية في العراق وأفغانستان نحن مستعدون للمساعدة في تحقيق الديمقراطية في سوريا وايضا اليمن». وهذا معناه أن ليس هناك خلاف بين خامنئي وروحاني في ما يتعلق الأمر بالسياسة التوسعية وتأجيج الحروب الطائفية.

لكن الحقيقة هي أن النظام لم يعد باستطاعته الحفاظ على السيطرة السابقة بسبب مسلسل الأحداث الأخيرة، وهذا ما نشاهده هذه الأيام في سقوط كبار قادة حرس النظام بيد الثوار السوريين. وخلال فترة قصيرة نرى يتساقط جنرالات الحرس واحدا تلو آخر في سوريا، لكن مقتل حسين همداني يحمل مغزى خاص في هذا المجال. لأن حسين همداني لايمكن اعتباره بين القادة الآخرين، بل اختاره خامنئي بعناية خاصة، لأنه كان من الصف الأول الذين انضموا بقوات الحرس عام 1979 وشارك في الحرب الإجرامية ضد مواطنينا الأكراد. كما كان من جملة قادة الحرس طوال الحرب الإيرانية العراقية. وفي أكبر عملية عسكرية خاضها قوات جيش التحرير الوطني الإيراني بعد وقف اطلاق النار في الحرب الإيرانية العراقية عام 1988- عملية «الضياء الخالد»- كان حسين همداني قائد كتيبة شاركت المعركة ضد قوات مجاهدي خلق. وبعد هذه التجارب إختاره خامنئي ليكون قائداً لفرقة «محمد رسوالله» التي أوكلت إليها حماية طهران العاصمة بسكانها الأكثر من 12 مليوناً وبوجود جميع القادة السياسيين والعسكريين والأمنيين و... للنظام فيها. وفي هذا المنصب قاد حسين همداني عمليات إخماد وقمع انتفاضة العام 2009. وبعد اندلاع الانتفاضة في سوريا وتحولّها بفعل القمع إلى مقاومة مسلّحة أرسل خامنئي حسين همداني لإخماد الثورة السورية ولضمان بقاء بشار الأسد في الحكم.

إذن لمّا لقي حسين همداني مصرعه بيد الثوار من مقاتلي الجيش الحر فيجب أن نقول أن الضربة التي تلقاها نظام ولاية الفقيه تمثّل فشله وهزيمته في سوريا وترمز إلى تطور كبير في فشل استراتجية النظام الإيراني في سوريا. وقال محسن رضائي القائد العام السابق لقوات الحرس أن حسين همداني خاص ثمانين معركة في سوريا، وأكد هو وغيره من القادة السياسيين والعسكريين أنه لو لم يكن حسين همداني لسقط بشار الأسد. كما أن في المأتم الذي اقيم له في طهران شارك فيه جميع أركان الحكم من وزراء حكومة روحاني وحتى أنه أرسل شقيقه إلي هذه المراسم كما أن خامنئي أيضا أرسل أكبر مستشاريه السياسيين والامنيين والعسكريين إليه، وأهم من ذلك خامنئي شخصه زار بيت وعائلة حسين همداني. وكان هذا لأول مرة أن خامنئي يزور عائلة قائد من الحرس الذي سقط من أجل النظام. ولهذه العملية مدلولان أولا يريد خامنئي بذلك الحؤول دون انهيار معنويات قواته وثانيا يريد أن يقول حسين همداني كان من الرجال الأوائل في نظامه.

حسين همداني لم يكن وحده حيث أن رجل حماية أحمدي نجاد أيضا لقي مصرعه في منطقة حلب قبل ثلاثة أيام وكان شخصاً موثوقا به في النظام حيث أنه رافق أحمدي نجاد في زيارته لدمشق عام 2010 واجتماعه ببشار الاسد وحسن نصرالله معا. هذه الأيام لايمر يوم إلا ويسقط فيه عدد من قادة الحرس في سوريا. ولاشك أن عدد قتلى النظام لاينحصر بهؤلاء الذين يعلنهم النظام بل هناك مئات من القوات التي جاءت بهم النظام من افغانستان او باكستان او العراق او.. أيضا يسقطون في المعارك بيد الثوار.

ويبدو أن النظام الإيراني لما وصل إلى أنه لايستطيع من ضمان بقاء بشار الأسد ورآى بأم عينيه أن المعارضة المسلحة السورية وجيش الحر في حالة تقدم مستمر فلجأ إلى روسيا لتدخل في الحرب عسى أن يستطيع من خلال ذلك من إبقاء نظام الأسد. لكن الخسائر الفادحة البشرية التي لحقت به بعد مجئي روسيا إلى سوريا هي&فاتحة خير يبشّر بعدم نجاعة النظام الإيراني في علاج مأزقه في سوريا. وعند ما نرى أن نظام ولاية الفقيه يخسر قادته وجنرالات حرسه فالسؤال الذي يفرض نفسه هو لماذا لايترك هذا النظام سوريا لأهله ولشعبه ونظامه. فمن الواضح أنه لايستطيع الخروج من سوريا لأنه صرّح مئات المرات أن خسارة سوريا ستؤدي بسرعة إلى خسارة طهران. وقال محسن رضائي في جنازة حسين همداني بأنه كان في سوريا من أجل توفير الأمن للنظام.

هذه الحقائق تقول أن الوقت قد حان لإلحاق الهزيمة النهائية إلى نظام ولاية الفقيه وتخليص الشعب السوري وشعوب المنطقة من هذه الديكتاتورية المجرمة. وهنا يجب أن نحيي ثوار جيش الحرّ لقيامهم بهذه العمليات التي من شأنها أن تكون بداية خير لنهاية ولايه الفقيه في المنطقة.