غالباً ما أحاول في الكثير من مقالاتي الاستدلال بالميديا والسينما لعدة أسباب، سأقتصر حالياً على ذكر واحد منها وهو المتعلق بموضوعنا حيث أن الحاصل في كل الدنيا عموماً وفي العالم العربي والواقع اللبناني خصوصاً يُحاكي بنسبة كبيرة ما يجري في استديوهات هوليوود وبوليوود وكل المقربين من عشيرة "وود" والتابعين! فكما عندهم، يوجد أيضاً عندنا ممثلين ومخرجين وصالات عرض وسجادات حمراء ملطخة بعدة سيناريوهات مَحْبوكة ومُفبْركة، حتى أنه تُوزع أوسكارات ولكن خلف الستار طبعاً.

لا أدري كم نسبة الذين شاهدوا المسلسل الغربي الشهير "لعبة العروش Game of Thrones" ولكن يا ليتكم تدرون كم تتلاقى أوجه التشابه بيننا وبينه. فكأنما كاتب الرواية استند في مُجمل ما يَحكيه على قصة حقيقية جرت أحداثها في لبنان؛ توريث سياسي وولاء أعمى لعائلات حاكمة ومتناحرة تحاول بسط نفوذها، فساد جماعي مُستشري، مَمالك منقسمة، غربان سوداء ناعقة حلت مكان الحمام الزاجل تَبعث الرسائل وتُثير البلبلات، أعلام وشعارات تُرَدَّد طوال الوقت ولا تُنَفَّذ، ملوك قاماتهم كالثيران يتحاورون حول المائدة لتستنتج من بعد قيامهم عنها أنها لم تكن سوى "طاولة الخوار"، ومن حين لآخر تسمع في الحلقات أناساً يتكلمون بلغات غريبة وغير مفهومة على شاكلة ما نسمعه في بعض التصريحات.. فعلى سبيل المثال هل يوجد فيكم من يستطيع أن يفسر لي عبارة "أنا أتحمل المسوؤلية كاملةً" التي عند كل مصيبة يطلع أحد المسؤولين ويقولها لنا.. ففي كل مرة ينسون "ترجمتها" وبالتالي فإنني لم أستطع فهمها حتى الآن!!!. كما أنك ترى في هذه الدراما الخرافية ملوكاً تستولي وتغزو برفقة عملاق أو على تنينٍ طائر أما زعماؤنا فيغزوننا على ظهر البرغش والكلاب الجربانة!. وعلى هامش الحديث عن الخزعبلات وبما أن المسلسل خيالي فإنه لا يخلو من هرطقات السَحرة التي يملونها على الرَعية الضعيفة ليزيدوهم نكداً، الأمر الذي ينطبق على بلدنا وعلى شعبه الذي "من غير دف يرقص" فيأتيك أحدهم بأخبار مُفزِعة وينشرها كالنار في الهشيم ليعود ويتبين لنا لاحقاً أن "خبرية الشطور" لم تكن تحليلاً لـ "هِنري كِسِنجر أو محمد حسنين هيكل" بل سمعها من المُنَجِّم "مرمر زماني" على واحدة من محطات "قول دستور وجيب جمهور" الفضائية.

ومن أبرز ما نتشابه فيه مع المسلسل هو كثرة استخدامهم لعبارة "الشتاء قادم Winter is coming" فترى وجوههم اصفرت وعمَّ الصمت لمجرد ذكرها، لأن الشتاء عندهم هو نذير شؤم فهو طويل جداً يَمتد لسنين، ويتزامن مجيئه مع قدوم وحوش يصورنوها أحيانا بشكل هياكل عظمية آتية للفَتك بهم والتهامهم، في حين أن فصل الخيرات والبركات عندنا باتت مياهه تفيض بهياكل عظمية ولكنها عظام السمك والبقر والدجاج المأكول، هذا ناهيك عن الفيروسات المُخيفة التي على ما يبدو بات موعد اقتراب أكلها لأجسامنا وشيكاً. نعم، فأخبار "شتويتنا" المرعبة باتت تهطل علينا بغزارة لدرجة قد يبادر فيها البعض ومن شدة القلق لإطفاء الراديو فوراً عند سماعه أغنية "رجعت الشتوية" ويبتلع بعدها "حبتين زاناكس"!

هي ليست إلا مقاربة قد وضعتها بين أيديكم لنزداد يقينا بأن ما نشاهده هو تمثيلية يقوم بتنفيذها الحكام ويستمتع بمشاهدتها الكثير من المَحكومين المُدمنين على التصفيق لهم! ومن سَمع مؤخراً عن موت اللبنانيين

في البحر هرباً من الغرق في "المجارير الأمنية والسياسية" أو رأى من يُحرق نفسه احتجاجاً على "طفّايات هيدا البلد" يَعلَم أني لا أبالغ في توصيف المشهدية اللبنانية. يبقى أنْ أُشير إلى أنَّ إحدى الإختلافات النادرة بيننا وبين "لعبة العروش"؛ هي أن الممالك تتصارع للتربع على عرش حديدي صُنع من سيوف فرسان يرونها كالأقلام التي كَتبَت تاريخ انتصاراتهم بالدماء التي كانت عليها.. أما هنا فيتصارعون ويصعدون على ظهورنا لأجل أن يَصِلوا ويقعدوا على عرش من نايلون مملوء بالزبالة!

فيا له من تاريخ سيُكتب!... لن يجدوا له حبراً إلا قيئ السياسيين الذي فاضت به شوارعنا عند أول شتوة!

&