في العراق بلد العجائب، وغير المتوقع من القرارات والمواقف، نجد ان استهداف المكون المسيحي حقا او شعورا، يسير بخطى حثيثة ومعلنة وكأنه شعار يقول الى متى البقاء، ارحلوا عنا يا مسحيي العراق، ليصفو لنا الجو ونبني بلدنا المثالي الذي يتلوث بانفاسكم. على الأقل هذا شعور عام يكاد يشعر به المسيحيين (الاشوريون الكلدان السريان والارمن) ليس اليوم بل منذ ان بداء استهدافهم،والحقيقة ان هذا الاستهداف لم يتوقف يوما، منذ زمن بعيد وليس منذ 2003 كما يحلو للبعض، الا ان الاستهداف كان في تلك السنوات، بطرقة غير معلنة ومبطنة، من خلال التعليم او القوانين او التهجير وتدمير القرى والممتلكات والابنية التراثية والكنائس الموغلة في القدم، بحجة القضاء على العصاة.

طبعا ان انصار السيد سركون لازار وانصار الحركة الديمقراطية الاشورية، التي هو عضو في مكتبها السياسي، سيجدون من الضرورة التشديد على ان الاستهداف هو لكونه مسيحي في بلد إسلامي، ومن متابعتنا للقضية بعد صدور هذا القرار كان واضحا هذا التوجه، وهو توجه مناقض لمسار الحركة وتحالفها مع دولة القانون او السير حسب مشيئتها، لحد ان السيد الوزير سركون لازار كان من المصوتين على قانون الجعفري، الذي دعمته هذه الكتلة وهو قانون رفضه بعض النواب الشيعة لانه غير عصري.

الحكم على السيد الوزير كان بتهمة الاضرار بالممتلكات العامة، وهو قابل للتمييز، بمعنى انه يمكن ان يلغى او ان يخفف او ان يعفى منه، لاسباب قانونية او غيرها. وبالتالي فهو أي الحكم غير نهائي، ولكن الضجة التي اثارها اشوريا، كانت كبيرة وهذا نابع من التوجهات السياسية للقارئ او المعلق. فكما قلنا في محاولات فاشلة وغير موفقة حاول انصار الوزير الاتكاء على المشاعر التي انتشرت وبقوة جدا في الآونة الأخيرة من ان المسيحيين مستهدفون من قبل أجهزة الدولة والقوى السياسية الفاعلة، والمسيحيين لا يحتاجون بالحقيقة الى قرارات واحكام لكي يترسخ هذا الشعور لديهم، فمن ما فعلته داعش وتفجيرات الكنائس واستهداف ابناءهم بصورة فردية لترك محلاتهم ومناصبهم وممتلكاتهم المستمر منذ مدة، الى موافقة البرلمان على نص يجيز اسلمة ابناءهم لو اسلم احد الوالدين كان كافيا لترسيخ هذا الشعور لدى اكثر المؤمنين بوحدة الشعب العراقي. وأقول فاشلة لان الحركة الديمقراطية الاشورية منخرطة بفعالية في السياسية اليومية وهي ورغم قلة نوابها الا انها تعتبر نفسها حليفا لدولة القانون، القائمة الشيعية ذات التوجهات الدينية الواضحة.

اما من يخالف التوجه السياسي للسيد الوزير فانه بالتأكيد، يرى فيه فضحا لنهج الحركة السياسي ولممارسة خال الوزير السيد يونادم كنا، في اتباع كل الطرق لتقوية مواقعهم بما فيها الاستيلاء على أموال عامة. وهنا نحن نذكر الجميع بان القرار غير نهائي ويمكن ان ينقلب الى عكسه وخصوصا انه وبشهادة الخبير القانوني طارق حرب شابته أخطاء قانونية.

الا اننا نوجه اسئلتنا الى الدولة باجهزتها المختلفة، ونقول مسبقا، إن المسيحيين هم اول فئة او مكون بالإضافة الى الازيدية والمندائيين ممن يرحب بان يستظل بمظلة القانون. وليت القانون الواضح والعادل يسري على كل شيء. ولكن ان يأتي هذا االحكم بعد سلسلة من الخطوات والافعال التي تمت على مستوى العراق ضد المكون المسيحي، فماهي الرسالة التي يمكن ان يوجهها العراق او توجهها الدولة لمواطنيها المسيحيين؟ الم يكن بالإمكان تأجيل القرار او الانتظار لحين يكون القرار جزء من قرارات عامة تشمل الاخرين، ولماذا يكاد ان يكون الوزير الأول المستهدف والمعتقل لانه حضر جلسة المحاكمة، ولان من وردت بحقهم التهم من المسؤولين الكبار الاخرين كلهم خارج سلطة القانون العراقي الان، اليس من حقنا اذا ان نرفع علامة الاستفهام مقرونة بعلامة التعجب؟ واليس من حقنا ان نتسأل هل وجدت السلطة القضائية وكلنا يعلم ان القانون كما يقال اعمى، بمعنى انه لا يمييز بين الناس فكلهم عنده سواسية وهو ينظر للواقائع. أقول هل وجدت هذه السلطة في المسيحيين ذاك الحائط الناصي الذي من خلاله يمكنها ان تثبت قوتها وتطبق قوانينها؟ باعتقادي ان المسيحيين كانوا سيرحبون بالقرار دون ادنى شك او مواربه، لو كان هذا القضاء قد تمكن من ان يقوم بدوره في حماية المال العام المسروق، ومعروفون اللصوص علنا، ولم يصدر بحقهم أي قرار او لو كان هذا القانون تمكن من حمايتهم وحماية أموالهم وممتلكاتهم ولكن الواقع يقول عكس ذلك تماما فالقضاء والقانون اغلقوا عينهم عن رؤية ما يتعرض له المسيحيين والمندائيين والازيدية من الانتهاكات. يقال انه سئل عنترة بن شداد عن سر قوته وجرأته، فقال انه في الحرب بدا بالخصم الذي راه خائفا ومرتعدا، فهجم عليه وهكذا الى الاخر ممن الخائفين، ومن هنا ذاع صيته وعم الخبر عن شجاعته، فبات الشجعان يخافونه قبل مواجهته، فهل تلعب السلطة القضائية ومحكمة النزاهة هذا الدور، بان ابتدأت بالاضعف؟ كنا أيضا نتمنى ذلك ولكن الامنيات امام المشاهد تبقى امنيات تتبخر امام الواقع المرير.