ما الذي يمكن ان يتغيّر في لبنان في ضوء مصادفة احتفال المسلمين بالمولد النبوي في وقت يحتفل المسيحيون بميلاد المسيح؟ لا شيء يتغيّر باستثناء زيادة كمّية السماجة عند كثيرين، خصوصا عند بعض الفئات المسيحية في البلد. راحت هذه الفئات تتحدّث عن رسالة الهية المصدر من اجل تعزيز الوحدة الوطنية بين المسيحيين والمسلمين، علما ان الوحدة الوطنية هذه لا تعاني في الوقت الحاضر من مشكلة كبيرة باستثناء وجود السلاح غير الشرعي، وهو سلاح مذهبي ايقظ الغرائز المذهبية بشكل في غاية البشاعة.
خلق هذا السلاح غير الشرعي الذي في تصرّف حزب تابع لإيران شرخا بين اللبنانيين. هناك من يريد دولة وهناك من يريد دويلة لبنانية داخل دولة "حزب الله". الباقي تفاصيل لا قيمة لها بغض النظر عن موعد المولد او موعد الميلاد واقتراب الموعدين من بعضهما بعضا او عدم اقترابهما.
لا ينفع لبنان في شيء التشدّق بالوحدة الوطنية في وقت هناك من هو قادر على تعطيل العمل بالدستور وفرض ارادته على البلاد والعباد. ماذا يقدّم او يؤخر ابتعاد موعد المولد عن موعد الميلاد او اقترابه منه في ضوء ما يشهده لبنان من تجاذبات تصبّ في منع انتخاب رئيس للجمهورية؟
&قصر بعبدا خال منذ الخامس والعشرين من ايّار-ـ مايو 2014. ممنوع على اللبنانيين انتخاب رئيس جديد لأنّ المطلوب تدمير مؤسسات الدولة اللبنانية الواحدة تلو الأخرى. فضلا عن ذلك، المطلوب قبل كلّ شيء بقاء لبنان ورقة في يد طهران تستخدمها في سعيها الى استكمال الصفقة مع "الشيطان الأكبر"، خصوصا في ضوء توقيع الإتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني في تمّوز ـ يوليو السنة 2015.
لا تزال طهران متمسّكة بالورقة اللبنانية عبر الميليشيا المذهبية التابعة لها والتي تمنع التئام مجلس النوّاب من اجل انتخاب رئيس جديد. اكثر من ذلك، هناك رغبة ايرانية واضحة في تغيير النظام في لبنان بغية احلال نظام المثالثة، بين الشيعة والسنّة والمسيحيين، بديلا من نظام المناصفة بين المسيحيين والمسلمين وذلك بحجّة ان اتفاق الطائف تجاوزه الزمن وان التوازن الديموغرافي تغيّر في البلد.
بدل الإحتفال بان موعد المولد كان قريبا من موعد الميلاد، من الأفضل التركيز على حماية لبنان من الأخطار المحدقة به، ان داخليا وان على الصعيد الإقليمي. المعركة القائمة هي معركة تحصين لبنان بعيدا عن الشعارات والتمنّيات والكلام الذي لا معنى له عن وحدة وطنية اثبت اللبنانيون في الماضي القريب انّه يمكن ان تكون حقيقة وذلك في اليوم الذي اغتال فيه نظام الوصاية السوري عبر ادوات معروفة رفيق الحريري ورفاقه في الرابع عشر من شباط ـ فبراير 2005.
اخرج اللبنانيون، مسلمين ومسيحيين، باجسادهم العارية القوات السورية من لبنان بعد وصاية مباشرة استمرّت ثلاثة عقود. تصدّوا، وما زالوا يتصدون لمن رفع شعار "شكرا سوريا" وتحدّث عن "سوريا الأسد".
منذ 2005، يتعرّض لبنان لمحاولة انقلابية بدأت بتظاهرة الثامن من آذار ـ مارس من تلك السنة التي خطب فيها الأمين العام لـ"حزب الله" السيّد حسن نصرالله الذي حاول بكل شكل من الأشكال تغطية الوصاية السورية على لبنان. هذه المحاولة الإنقلابية المستمرّة بلغت الآن &مرحلة صار مطلوبا فيها افراغ الجمهورية من مؤسساتها لا اكثر.
اذا كان من ايجابية للتفاهم الذي قام بين الرئيس سعد الحريري والنائب سليمان فرنجيه المحسوب على جماعة "الممانعة" في البد، فان هذا التفاهم كشف ان "حزب الله"، ومن خلفه ايران، لا يريد رئيسا للجمهورية. يريد شيئا آخر لا علاقة له بلبنان الذي عرفناه والذي صمد في وجه التقلبات الإقليمية منذ حرب 1967 واستطاع استعادة بعض من سلمه الأهلي بفضل اتفاق الطائف.
سيتوجب على اللبنانيين الإبتعاد عن كلّ ما له علاقة بالتمنيات وكلّ ما يرافق ذلك من سماجة. يُفترض بهم التعاطي مع الواقع كما هو. هذا يعني توحيد جهودهم من اجل انتخاب رئيس للجمهورية، وذلك انقاذا للجمهورية. عليهم ايضا استيعاب ان تورّط "حزب الله" في الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري، لا يحمي بلدهم بمقدار ما انّه يزيد من المخاطر المحيقة به.
لن يغيّر تطابق موعد المولد مع موعد الميلاد شيئا. يمكن ان تصبح المناسبة، التي قد تمرّ سنوات طويلة قبل تكرارها، جزءا الفولكلور الوطني. ما يغيّر في الوضع هو الوضوح ولا شيء آخر غير الوضوح. فالوضوح هو وحده الكفيل بتحديد من يتحمّل مسؤولية غياب رئيس الجمهورية منذ ما يزيد على تسعة عشر شهرا. على رأس الذين يتحملون هذه المسؤولية شخص مثل النائب المسيحي ميشال عون &تحوّل بملء ارادته الى الأداة المفضلة لدى "حزب الله" من اجل تنفيذ عملية نسف النظام اللبناني من جذوره. ليس صدفة ان وسائل الإعلام التابعة لعون صمّت آذان اللبنانيين بتطابق موعدي المولد والميلاد... وذلك بطريقة رخيصة ومبتذلة في آن.
ستكون هناك ايّام صعبة تنتظر لبنان واللبنانيين في 2016. المهمّ عدم اضاعة البوصلة والغرق في &متاهات الأعياد والمناسبات. العيد الكبير عندما يكون للبنان رئيس للجمهورية وعندما يجد البلد ما يحمي فيه نفسه من النار التي تلتهم سوريا حيث يظهر ان هناك سيناريو تشارك في تنفيذه روسيا مع اسرائيل بغطاء اميركي وربّما بتفاهم مع ايران. هل يمتلك اللبنانيون ما يكفي من الوعي الوطني للإقتناع ان المرحلة ليست مرحلة تغيير النظام وليست مرحلة جعل البلد دويلة في دولة "حزب الله"، كي يعوّض خسائره في سوريا، اي احلال الوصاية الإيرانية مكان الوصاية السورية؟
لا شك ان الإبتعاد عن &السماجة والتفكير السطحي يشكّلان خطوة اولى على طريق التمييز بين الغثّ والسمين! & &
&