مؤتمر المعارضة السورية التي عقدت في 9-11 من هذا الشهر في الرياض خرجت بوثيقة تاريخية مهمة- البيان الختامي للمؤتمر- تضمّ ثوابت الثورة السورية، وأثبتت مدى نضوج ومستوى المسؤولية لحركة المعارضة السورية. هذا المؤتمر ولأول مرة جمعت مختلف اطياف المعارضة السياسية في الخارج وفي الداخل أيضا وأهم من ذلك شاركت فيه مختلف الفصائل المعارضة العسكرية. كان مستوى العملية السياسية عاليا حيث أفشلت المحاولات اليائسة التي لجأ إليها نظام الملالي وبشار الأسد لعقد مؤتمرات بديلة في الحسكة وفي دمشق أو الدعايات التي أطلقها نظام ولاية الفقيه ضد مؤتمر الرياض والمشاركين فيه وضد السعودية.

استطاعت المعارضة السورية كسب تأييد عديد من دول المنطقة ذات الأهمية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية وأيضا تركيا وقطر. وخلال فترة عقد المؤتمر في الرياض صرّح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير موقفه السابق بشأن مصير بشار الأسد بقوله «الأسد أمام خيارين الرحيل بالقوة أو بالمفاوضات». كما نُقل عن مصدر في الخارجية الفرنسية قوله: اجتماع الرياض حدث هام حيث سجّل تقاربا حقيقيا بين المعارضة المسلحة والمعارضة السياسية.

بعد صدور البيان الختامي للمؤتمر بدأت المعارضة بترتيب بيتها وتمهيد المقدمات اللازمة لتنفيذ هذه الصيغة التوافقية التي صوّتت لها بإعلان الهيئة العليا للتفاوض و من ثم تعيين الوفد التفاوضي وبعدها تعيين المنسق العام لهذا الوفد.

وعلى الصعيد الدولي بعد مؤتمر الرياض وفي 14 من ديسمبر عقدت مجموعة أصدقاء سوريا اجتماعها في باريس بمشاركة عشردول على مستوى وزراء الخارجية وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وايطاليا والسعودية وقطر والأردن وتركيا وطبعا فرنسا. وبعدها مباشرة زار جون كري مسكو لمناقشة الحالة الجديدة بعد مؤتمر رياض مع فلاديمير بوتين ووزير خارجيته لافروف.

ثم جاء مؤتمر نيويورك يوم 18 ديسمبر بمشاركة جميع الدول المعنية في الأزمة السورية من بينها روسيا وإيران أيضاً. وكان هذا المؤتمر استكمالاً لمؤتمر فيينا الذي انعقد في 14 من نوفمبر. ومؤتمر نيويورك نقل إلى اجتماع لمجلس الأمن الدولي وخروج القرار 2254 من هذا الاجتماع، ليكون هذا القرار بداية لمرحلة جديدة في الأزمة السورية على الصعيد السياسي. صيغة هذا القرار جاءت بشكل يرضي الجميع، حيث رحب به نظام بشار الأسد ونظام ولاية الفقيه أيضا. لكن الائتلاف السوري المعارض انتقده لأن هذا القرار لم يتطرق لأهم موضوع اتفقت عليه المعارضة وهو ضرورة رحيل بشار الأسد كما أنه لم يحسم وجود القوات الأجنبية على أرض سوريا و... لكنه أيد مخرجات مؤتمر فيينا بضرورة بداية المفاوضات في شهر يناير من العام المقبل بين المعارضة السورية والنظام وبتشكيل حكومة انتقالية في غضون ستة أشهر وتنظيم انتخابات خلال 18 شهرا.

اما على الصعيد العسكري فكان المنعطف دخول القوات الروسية إلى سوريا قبل ثلاثة أشهر وشن غارات جوية وقصف عنيف لمواقع المعارضة السورية.

الحرب في سوريا بدأت قبل أربعة أعوام بمشاركة نظام بشار الأسد الذي كان الطرف الرئيسي الداخلي في هذه الحرب ونظام ولاية الفقيه الذي جاء بكل ثقله خلف نظام بشار الأسد للحؤول دون سقوطه. وكانت مشاركة نظام الملالي في هذه الحرب ضد أبناء الشعب السوري بشكل صرّح كبار زعماء هذا النظام أنهم يعتبرون الحرب في سوريا حربهم ولايمكن لهم التخلي عن سوريا حتى ولو اضطروا على التخلي عن أغنى وأهم المحافظات الإيرانية، كما اعترفوا عدة مرات أن إدارة الحرب في سوريا بيد قواتهم و بأن لو لم يكن نظام الملالي لسقط نظام بشار الأسد. هذا الواقع صرّح به قادة المعارضة الوطنية السورية أيضاً بشكل متكرر بأن قوات الحرس وقوات القدس هي التي تقود المعركة. كما أن صرف عشرات المليارات من ثروات الشعب الإيراني من أجل إبقاء بشار الأسد دليل آخر في هذا المجال.

أكثر من ذلك تصريحات قادة المعارضة السورية بأن إيران الملالي هي التي تدير كل الشؤون السورية. وقال السيد رياض حجاب رئيس وزراء سوريا السابق بعد انشقاقه من حكم بشار الأسد في حديث له مع البي بي سي قبل ثلاث سنوات ما نصه: «الآن إيران هي التي تدير سوريا وتتخذ القرارات.. إيران تدير كل شيء وتتخذ كل القرارات، بينما روسيا تلعب دورا أصغر؛ وبخاصة في السياسة العامة في سوريا»، مؤكدا أن «الأثر الإيراني كان واضحا في كل مناحي القرارات في سوريا على الرغم من عدم ظهور المسؤولين الإيرانيين [آنذاك] بصورة سافرة».

والسوآل الذي يفرض نفسه هو السبب وراء دخول روسيا في الحرب بعد أربع سنوات. ولاشك هزيمة النظام الإيراني لحفظ بشار الأسد في الحكم كان السبب الرئيس لدخول روسيا في الحرب السورية. ومعروف أن التوازن العسكري قبل دخول روسيا انقلب لصالح المعارضة خاصة في الجبهة الجنوبية وكذلك في الجبهة الوسطى بعد سقوط مناطق ستراتيجية في محافظة إدلب وتهديد توجه المعارضة باتجاه الساحل الذي يعتبر معقل نظام بشار الأسد.

صحيح أن لروسيا قواعد و مصالح في سورية وصحيح أن روسيا تستغل التخاذل الأميريكي في عهد اوباما لفرض سيطرته وأعادة سطوته السابقة لكن هذه الأشياء ليست جديدة، فالجديد هو أن روسيا شعرت بأن بشار الأسد في مهب الريح و مصالحها مهددة ولم يستطع نظام الملالي المتحالف مع روسيا أصلا من إنقاذ بشار، فدخلت بكامل قواها التدميرية. والمشاهد اليومية في سوريا وحجم التدمير والخراب والقتل يشير إلى أن روسيا لاتدخر أي جهد في القضاء على ثورة الشعب السوري الذي تصفه روسيا بلا خجل بـ«الارهاب». هذا الواقع ثبت بعد فشل قوات القدس في التقدم والتجاء نظام ولاية الفقيه بالروس للتدخل وذلك في زيارة قام بها قاسم سليماني إلى مسكو واجتماعه بالرئيس الروسي في هذا المجال.

كان من المفترض أن المعادلة العسكرية الجديدة تغيّر كل شيئ لصالح نظام الأسد ونظام ولاية الفقيه. وهنا بيت القصيد. في الاجتماع الذي جمع خامنئي وبوتين في طهران حصل اتفاق بين الطرفين بأن روسيا تقوم بقصف مواقع المعارضة السورية وفي المقابل تعهد خامنئي أن يؤمّن القوة اللازمة على الأرض للتقدم والسيطرة على المناطق الخاضة للمعارضة خاصة في محافظة حلب الستراتيجية.

لنرى ما ذا حصل: صحيح أن الغارات الروسية أدت إلى دمار وخراب وإلى الحاق خسائر فادحة بالشعب السوري وبالمعارضة السورية وهناك شواهد دامغة تشير إلى هذا الواقع منها أن اكثر من عشرين مستشفي تم قصفها خلال هذه الفترة واستشهاد قادة كبار من جيش الحر كالقائد زهران علوش. وصحيح أن المعارضة فقدت بعض القرى و المناطق بفعل القصف الروسي العنيف.

وقبل بدء الغارات الروسية الجوية تعهد قاسم سليماني باستعادة قوات الحرس المناطق التي فقدها بشار الأسد في حلب وحمص باسرع ما يمكن. وفي 5 اكتوبر أي بعد عدة أيام من بدء عملية القصف الروسي التقى «قاسم سليماني» و«حسين همداني» بخامنئي بهدف تأييد خامنئي على خطة «محرم» العملياتية. على اساس هذه الخطة كان على قوات النظام أن تخرج مدينة حلب من قبضة قوات المعارضة لحد يوم عاشوراء (24أكتوبر 2015). الا ان «حسين همداني» لقي مصرعه يوم 8 أكتوبر. ثم تولى قاسم سليماني قيادة عمليات «محرم» غير أنه وبعد اصابته بجروح بليغة فشلت الخطة بشكل كامل. وهذه الأيام تشهد سقوط عشرات من جنرالات وقادة الحرس ومئات من قوات الحرس والقوات التابعة لها في أرض سوريا.

فيمكننا أن نقول وبقلب يعصر دما وبعيون مليئة من الدمع بسبب المظالم التي تقع على أبناء الشعب السوري والمجازر التي ترتكب بحق الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ، أن تكالب كل قوى الشر من بقية قوات بشار الأسد ونظام ولاية الفقيه ومن يدور في فلكه في لبنان والعراق وافغانستان و باكستان واليمن وغيرها وكذلك دخول روسيا لم يكن باستطاعتهم تغيير المعادلة العسكرية لصالحهم بشكل حاسم.

على الصعيد السياسي أيضا المعارضة أعلنت عن استعدادها للمفاوضات بناء على الاتفاقيات والقرارات الدولية فعلى الطرف الآخر أن يأتي على مائدة المفاوضات التي ستبدأ في 25 من الشهر القادم. ولايحق لأحد أن يقوم بتصنيف المعارضة المشاركة في مؤتمر الرياض بأنها ارهاب. لأن القرار 2254 أيد مؤتمر الرياض بكل مكوناته والمشاركين فيه.

&

* رئيس لجنة القضاء في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية