شعر الكثير من المسلمين وخاصة القاطنين منهم في شمال أمريكا بصدمة كبيرة لسماع خبر قتل ثلاثة طلاب جامعة مسلمين في شمال كارولاينا في أمريكا. الشاب ضياء وزوجته يسر واختها رزان شباب من أصول سورية وفلسطينية نشأوا في أمريكا ولقوا حتفهم البارحة في مكان سكنهم بقرب جامعتهم تشابلن هيل على يد رجل أمريكي تبين فيما بعد كراهيته لجميع الأديان. وُصِمت الجريمة بأنها جريمة كراهية لأن هؤلاء الضحايا لم يفعلوا شيئا سوى أنهم كانوا بشكل واضح مسلمين وخاصة لأن الفتاتين كانتا ترتديان الحجاب. حاولت بعض القنوات الأمريكية أخذ كلمات محامي دفاع المجرم لتمييع الحدث الجلل بأن الجريمة كانت نتيجة خلاف على مكان صف السيارة! وصل الاستهزاء بعقول البشر على القنوات الأمريكية حد الادعاء أن هذا الرجل دخل شقة العائلة المسلمة وأطلق النار على الثلاثة بما يشبه عملية إعدام ميداني بطلقة في الرأس لكل من الضحايا رحمة الله عليهم بذريعة هذا السبب التافه.
لا يفهم الإنسان كمية الكراهية التي تدفع رجلا لاقتراف جريمة بهذا الحجم. نوع الجريمة جدي لدرجة لا تتحمل الهراء ولكن الإعلام الغربي في زخم خطابه لم يعترف بهول ما حصل لأنه هو نفسه جزء من هذه الجريمة. آلة الإعلام الغربي تعمل دائما لصالح سياسات الغرب وطبعا هذا يتضمن التركيز على العرب والمسلمين كإرهابيين. ونعرف كيف ارتفعت هذه الوتيرة بعد أحداث أيلول وتدمير برجي التجارة في نيويورك. ومؤخرا عادت هذه الوتيرة للارتفاع مع ظهور داعش وإنشاء التحالف للتصدي لها. ولم توفر آلة الإعلام فرصة لشيطنة الإسلام "المتطرف" كما يدعونه. ولكن ما يبقى في ذهن المشاهد أن المنتمين لهذا الدين كلهم خطر على الحرية والديمقراطية. ومن آخر انتاجات آلة الكراهية هذه فيلم "القناص الأمريكي" الذي يحتفل بجندي أمريكي يقتل الكثير من العراقيين أثناء تواجد الجيش الأمريكي داخل اراضي العراقيين أنفسهم. الاحتفاء بفيلم يلغي إنسانية الإنسان العربي ويجعل في قتله انتصارا لقيم القناص الأمريكي يظهر إلى السطح كثيرا من الاشكالات التي تنخر في ثقافات البشر كلهم. ويتجاهل الإعلام الغربي أن يسلط الضوء على أن معظم المسلمين الذين يعيشون في الغرب إنما وصلوا لهناك هربا من القتل والاضطهاد وبحثا عن نفس القيم التي يقدسها الغربي نفسه وهي الحرية والديمقراطية. فعائلتي مثلا لم تأت إلى كندا حبا في جوها وشتائها الذي يدوم تسعة أشهر وإنما هربا من ظلم وسجن وقمع النظام السوري في الأربعين سنة الفائتة.
الكراهية هي نتيجة الجهل بالآخر واختزال إنسانيته في أوصاف قليلة معظمها سلبي كما يفعل الإعلام الغربي مع العرب حين يختصر العربي في شرير يركض وهو يحمل السلاح. فهو يبدو شخصية لا تعرف عن المدنية والحضارة إلا أدواتها التدميرية. فيظن الإنسان الغربي البسيط أن هذا هو جاره المسلم وهذا هو زميله في العمل المسلم وأنهم أقرب لتلك العصابات المسلحة التي تنادي بالقتل من قربهم من جارهم الأمريكي مع أن الحقيقة أن العكس هو الصحيح.
هناك طبعا الكثير من الناس الطيبين الذين يؤمنون بحق الجميع في الكرامة والعدالة في كل مكان. ولكن هناك ضعفاء القلوب والعقول والنفسيات المريضة، مثل المجرم الذي قتل ضياء ويسر ورزان، الذين يأخذون تلك الصور ذات البعد الواحد عن الآخر المختلف ويبطنون الكراهية— بأن الآخر لا يستحق أن يعيش فقط لأنه مختلف.
ليس كل الناس قتلة ومجرمين ولكن للأسف الكثير يحمل أفكار قاتلة. أتحدث هنا عن موقفنا من الآخر المختلف.
قرأت على أحد صفحات الشبان المنفتحين نقاشا عن مكان الإنسانية بالنسبة للدين وشدني النقاش لأن الموضوع يصب في اهتماماتي تماما. في ضمن الحديث قال الشاب إن الأديان السماوية هي ثلاث وأن هناك ديانات قد تتعارض مع الفطرة البشرية مثل "عباد البقر." استوقفني هذا الوصف واستطعت أن أتخيل رجلين يتمشيان في الهند ويتحدثان عن أمور الحياة والدنيا وأحدهما يقول للآخر "من الجيد أننا ولدنا هنا في الهند حتى نستطيع أن نعيش حياة أفضل نقدس فيها الكائنات كلها."
"وهل هناك من لا يقدس كل الكائنات الحية؟"
"بالطبع. مثلا "أكلة البقر""
"معك حق، يا لحظنا!"
أرى أنه حتى نبدأ في التخلص من فيروسات الكراهية المختبئة في داخلنا، علينا أن ننفتح على الآخر. أن نرى في الهندوسية تاريخا وحضارة تستحق الدراسة والتعرف بدل وصم متبعيها بأنهم يخالفون الطبيعية البشرية لأن لهم اعتقادات مختلفة عن تلك التي عندي. عندما ننتبه إلى كلماتنا وأفكارنا المسمومة نستطيع أن نرى كيف تخرج قيم الآخر من قواميس "الفطرة" ومعايير "الإنسانية" وتجعل الآخرلا يستحق الوجود إن لم تكن صوره الذهنية مطابقة لصوري الذهنية. وعندها سنبدأ بفك السحر عن آليات الكراهية بين البشر.
كانت كلمات عائلة ضياء ويسر ورزان التي وجهوها إلى الإعلام وإلى كل من اهتم بقضيتهم غاية في الجمال والرقي. طلبوا ممن يسمعهم أن تكون حياة هؤلاء الشباب التي خطفت منهم ذكرى ودافع لرفع الوعي ولإيصال رسالة أن الكراهية ليست هي الحل بل أن التعاون والتعارف هو ما يقوي أي مجموعة أو بلد أو أمة. لقد قدموا نموذجا نبيلا في تنشئة جيل متكيف مع دينه وثقافته الأمريكية وقدموا ايضا نموذجا نبيلا في تعاطيهم مع المصاب. الرحمة للذين دفعوا حياتهم ليتعلم الآخرون هذا الدروس.
&