لم تتأخر مصر في الرد على جريمة ذبح عدد من مواطنيها بسكاكين الدواعش في ليبيا، فقررت خوض حرب مفتوحة ضد الإرهاب، رغم أنها كانت تتحاشى الانخراط المباشر في التحالف الدولي ضد داعش، وهي تسعى لتشكيل تحالف يضم دولاً غربية وعربية يشارك في الضربات الجوية في ليبيا، علماً بأن جيشها يخوض حرباً حقيقية في سيناء، وأخرى في شوارع المدن المصرية ضد الإخوان المسلمين، وعينه مفتوحة على باب المندب بعد سيطرة الحوثيين على السلطة في اليمن، وما يثيره ذلك من توجسات عند الحلفاء الخليجيين.
مشكلة الحرب في ليبيا تكمن في عدم توفر جسد واضح المعالم توجه الضربات إليه، فالجماعات المسلحة هناك متقلبة الولاء، والحليف المحتمل خليفة حفتر فشل حلال عام في تحقيق أي إنجاز على الأرض، والواضح أن الغارات الجوية لن تمنع داعش من مواصلة عملياته ضد مصر، خصوصاً أن حوالي نصف مليون مصري يعيشون في ليبيا، كما أن الأطراف الليبية السياسية ليست راضية جميعها بالضربات المصرية، وبعضها يرى فيها انتهاكاً للسيادة، بعكس موقفها إبان الهجوم الدولي على نظام القذافي.
يرى النظام المصري وهو يحاول تثبيت أركانه، أن قوى الاسلام السياسي من إخوان وقاعدة وداعش تسعى ولو متفرقة لإسقاطه، فيما يتململ بعض الشارع هامسا بان هذه "ليست حربنا" رغم إدانة جريمة ذبح الأقباط، غير أن السلطات ماضية في سياستها، وهي تمنع مواطنيها من السفر إلى ليبيا، وتتخذ خطوات عملية لإدارة أزمة العمالة العائدة من هناك، لكن الوضع الأمني المنفلت في ليبيا يمنع وصول المصريين "الهاربين" إلى الحدود التونسية، حيث تتكفل السلطات المصرية بترحيلهم جواً إلى بلدهم، بينما الكثير منهم يفضلون الموت على العودة إلى البطالة والظروف الصعبة في مصر، وبعضهم يعيش في ليبيا منذ سنوات، وكونوا هناك أسراً بعد زواجهم بليبيات.
بعد انتشار الدواعش في ليبيا، بات على دول الجوار التصرف بشكل مغاير، ووجدت نفسها أمام ضرورة التدخل العسكري، منعاً لتطورات أمنية غير محمودة العواقب، تلك فرصة انتظرها اللواء حفتر فبدأ اتصالات مكثفة لتكوين تحالف دولي لدعم مصر، كما دعا رئيس الحكومة الليبية عبد الله الثني الغرب إلى شن هجمات جوية في بلاده، ووجّه نداء لجيوش الغرب بالتدخل في بلاده محذراً من أن هذا الخطر سينتقل إلى الدول الاوروبية، خصوصا إيطاليا، التي أعلن مسؤولون فيها استعداد بلادهم لقيادة تحالف دولي في مستعمرتها السابقة، يهدف إلى إيقاف تمدد داعش، فيما دعت فرنسا إلى اجتماع لمجلس الأمن الدولي واتخاذ تدابير جديدة ضد التنظيم الارهابي.
عربياً، أعلنت دولة الإمارات، وضع كل إمكاناتها لدعم مصر التي تبدو مستعدة لقيادة تحالف دولي لضرب الإرهاب، مشابه للتحالف الذي يواصل حربه بقيادة أميركية في سوريا والعراق، وهكذا ستكون ليبيا التي استقطبت أول تدخل عسكري غربي مع بدايات "الخريف العربي"، الدولة التي ستعيد السيناريو نفسه، بعد أن طرح انتشار الدواعش فيها الكثير من الهواجس والمخاوف حول ما يمكن أن ينتج عن وجودهم هناك على الغرب وخصوصاً على القارة الأوروبية، نظراً إلى القرب الليبي الجغرافي منها، فضلاً عن الحدود المشتركة مع عدة دول عربية .
ليبيا مؤهلة اليوم لتعيش الأوضاع السيئة السائدة في العراق وسوريا، مع فارق أنها تقع على بعد أميال من أوروبا، إن لم يتكاتف المجتمع الدولي ويضغط لإتمام اتفاق بين الفرق المتقاتلة، لتجنّب تحولها إلى دولة فاشلة، أوصومال ثانية على المتوسط، وبينما تنظر الجزائر بعين الحذر إلى تطورات الأوضاع عند حدودها فيما يتراجع جهدها للتوصل الى حلول سلمية للأزمة الليبية، فانها وجدت نفسها مجبرة على ارسال المزيد من قواتها إلى الحدود معلنةً بذلك حالة الطوارئ القصوى التي تعني الحرب، وتونس العارفة بانتماء العديد من مواطنيها لداعش، تتحضر لاعتقال ومحاكمة العائدين منهم الى وطنهم، ونشرت وحدات عسكرية خاصة على كامل حدودها البرية والبحرية مع ليبيا، للتصدي لمحاولات دخول إرهابيين أو إدخال أسلحة.
مصر رأس الحربة مستعيدة دورها كلاعب رئيس في الإقليم، وتستحق كل الدعم والمؤازره.
&