هناك سؤال شائع علي السنة الناس منذ القدم و حتي عصرنا هذا هل للفلسفة أهمية في حياة الشعوب؟ بمعني آخر هل للفلسفة كعلم نظري مجرد دور يمكن أن تلعبه في المجتمع؟ الإجابة نعم للفلسفة دور حيوي و فعال في حياة المجتمعات و الشعوب، وذلك لان الفيلسوف هو ضمير عصره، وابن بيئته يؤثر فيها و يتأثر بها، و هذا ليس كلام مرسل بل يؤيده الواقع التاريخي.

في العصر اليوناني مثلا لعبت أفكار سقراط دورا هاما في تغيير المجتمع الأثيني و معتقداته، و حرك المياه الراكدة، وأحدث ثورة فكرية تنويرية من خلال أرائه الفلسفية، حاور الناس في الطرقات و الاسواق و الشوارع، و استخدم منهج التهكم و التوليد و حاور السوفسطائين و أظهر جهلهم، ودعا إلي الفضيلة والمعرفة. كما أرسي قيم خالدة، ومات في سبيل مبادئه، و أطلق عليه احكم الناس في عصره. وكذلك أفلاطون في محاورته الشهيرة الجمهورية، كانت أرائه الفلسفية بمثابة القوة الدافعة في تغيير الكثير من الأفكار في عصره،لما تحمله من رؤي نقدية و أفكار جريئة، أخذ بها مفكري السياسة فيما بعد عن علاقة الحاكم بالمحكومين، و تقسيم طبقات المجتمع، و عن دور الحاكم الفيلسوف في الدولة وأنه يجب أن يكون علي رأس السلطة، و هذا لما للفلسفة من أهمية في المجتمع، و لما يتميز به الفيلسوف من قدرات عقلية و مواهب ذهنية، و قدرة الفيلسوف علي تشخيص مشكلات عصره، و كذلك قدرته علي صياغة حلول لهذه المشكلات.

أيضا في العصر الوسيط الإسلامي كان للفلسفة و الفلاسفة دورا لا يمكن إغفاله في الحياة الاجتماعية، علي سبيل المثال الفيلسوف (الكندي) من خلال رسائله إلي المعتصم و التي لعبت دورًا في إحداث تغيير في المجتمع، و لفت أنظار المعتصم لما يصلح البلاد و العباد. أيضا ( الفارابي) و كتابه (أراء أهل المدينة الفاضلة) و الذي يمثل أهمية كبيرة لكل من جاء من بعده من الفلاسفة السياسيين و فلسفة السياسة بوجه عام، لان فيه أفكار هامة عن الشروط التي يجب توافرها في الحاكم، و أهمها القدرات العقلية. و في العصر الحديث و المعاصر لعبت الفلسفة نفس الدور الهام و بقوة، نجد مثلًا أفكار ( روسو – مونتسيكيو- فولتير) كانت بمثابة الإرهاصات الأولي للثورة الفرنسية من مبادئ الإخاء و الحرية و المساواة.

و كذلك أفكار ( كانط – هيجل) لعبت دورا هاما في الحياة الألمانية و فاوحت هذه الأفكار إلي بسمارك بفكرة الوحدة الألمانية. كذلك أفكار ( وليم جيمس- و جون ديوي)صبغت المجتمع الأمريكي بالصبغة البرجماتية. من هنا نري أن الفلسفة علي مر العصور لم تكن منعزلة عن مشكلات المجتمع، و لم يكن الفيلسوف يعيش في برج عاجي يفكر فقط بل عاش الفلاسفة هموم عصرهم و مشكلات مجتمعهم، و ليس هذا فحسب بل وضعوا حلول و صاغوا مقترحات، وقادوا مجتمعاتهم إلي التقدم و الازدهار و الرخاء.

لم يكن الفلاسفة والفلسفة يوما ما بعيدة عن المجتمع و مشكلاته، بل الفيلسوف يعيش هذه المشكلات و يشخصه، و يضع الحلول لها. بل لا نجافي الحقيقة بالقول أن نهضة أي امة تتوقف علي ما فيه من فلاسفة، إذا أردت أن تبحث عن تقدم الأمم ابحث عن عدد الفلاسفة.&

&