&نعم إن مشكلة الهجرة السرية ليست مشكلة أوروبية، بل هي مشكلة تلك الدول المصدرة للمهاجرين وقد إبتلى بها الأوروبيين، لأن هذه الدول مسؤولة عن أوضاع أبنائها وليس الأخرين. وكل من يقول عكس ذلك يتجنى على الحقيقة وليس صادقآ مع نفسه ولا مع الأخرين.&

لا أريد الدخول في تفاصيل مأسي المهاجرين وقصص غرقهم في مياه البحر المتوسط في عرض مقالتي هذه، لأنها معروفة للجميع وتعرض صورهم على شاشات التلفزة المختلفة كل يوم. وإنما سأكتفي بالتعرض لأسباب الهجرة وتأثيرها على الدول المصدرة للمهاجرين والمستقبلة لها، وطرق حل هذه المعضلة إن وجد لها حل.

إن تاريخ الهجرة قديم قدم البشرية، ويعود أسبابها لعدة عوامل في وقتنا الراهن ويمكننا

تلخيص تلك الأسباب في عدة نقاط رئيسية:&

1- الفقر وغياب الأمل.

2- الإستبداد وغياب الحريات الفردية.

3- الحروب بجميع أشكالها.

4- زيادة عدد السكان.

منذ عهد إستقلال لم تستطيع الكثير من الدول الأفريقية والعربية والأسيوية، من تنمية إقتصاداتها الوطنية وتطويرها. ويعود ذلك لأسباب عديدة منها البنية التحتية الهشة التي تركها المستعمرين، ضعف التعليم، الفساد، المحسوبية، الإستغلال، النهب، غياب المحاسبة وعدم وجود إدارة كفؤة. والإعتماد فقط على بيع مواد الخام والزرراعة البدائية تربية المواشي، إضافة إلى دور الدول الصناعية السلبي تجاه هذه الدول، بهدف الإبقاء عليها كسوق لصرف مناجاتها.

ثم إن وجود أنظمة مستبدة حاكمة لفترات طويلة، أدى إلى جمود في جميع مناحي الحياة وتدهور إقتصاد تلك الدول وضياع فرص التنمية والتخلص من حالة الفقر والقضاء على البطالة والمجاعة التي يعاني العديد من تلك الدول.

كما إن الحروب الداخلية والصراع على السلطة، كلف تلك البلدان الكثير من الأموال

والأرواح والعقول والسنوات، وتسببت في تدهور إقتصاداتها والحالة المعيشية والأمنية

برمتها، ودولة اليمن والسودان والصومال ونجيريا وسوريا أمثلة حية على ذلك. ولا شك إن زيادة عدد سكان تلك البلدان، دون أن يترافق مع زيادة في النمو الإقتصادي

أدى إلى تفاقم الأوضاع وزيادة عدد المهاجرين السريين الساعين للوصول إلى القارة

الأوروبية ويغرقون في مياه البحر الأبيض المتوسط.

إن الهجرة لها تأثير سلبي على كلا الطرفين، فمن جهة الدول المصدرة للمهاجرين تخسر اليد العاملة الشابة والعقول المتعلمة، وهذا يشكل خطرآ ديمغرافيآ على تلك البلدان حيث يُفرغ البلد من شبابها. ومن الجهة الإخرى فإن الدول المستقبلة للاجئين، تعاني من مشاكل إجتماعية وإقتصادية وأمنية حادة، جراء زيادة عدد اللاجئين فيها.وهناك صعوبة كبيرة جدآ في عملية إندماج هؤلاء اللاجئين في المجتعات الأوربية، بسبب الفوارق الثقافية والدينية والعادات. وأكثر الناس صعوبة في الإندماج هم المسلمين من عربٍ وأتراكٍ وغيرهم من القوميات.

إن إيجاد حل لهذه القضية أمرٌ في غاية الصعوبة ويحتاج إلى وقتٍ طويل، يبدأ الحل أولآ في إصلاح اوضاع البلدان المنتجة والمصدرة للمهاجرين من كافة النواحي وفي مقدمتها النظام السياسي والإقتصادي والأمني لترابطهما العضوي مع بعضهما البعض.

ثانيآ، لابد من تقليل الفجوة الإقتصادية بين الشمال والجنوب، وهذا يستدعي من الدول الأوروبية وأمريكا الشمالية، مساعدة دول الجنوب الضعيفة للوقوف إقتصاديآ على قدميها. وبغير ذلك لا يمكن القضاء على الهجرة أبدآ، ما دام هناك مستفيدين منها، وكل ما يمكن أن تفعله الدول الأوربية هو الحد منها لا أكثر.&

وبالنسبة للاجئين السوريين الأفضل هو إحتوائهم في البلدان المجاورة، وثانيآ العمل بشكل جاد للتخلص من النظام السورري الإرهابي، المتسبب في كل هذه المأساة، ولملمة جراحهم وتمكين السوريين من العودة إلى ديارهم. وفي ليبيا لا بد من تدخل غربي لإنهاء هذا الصراع المسلح على السلطة، لسد الباب أمام تدفق المهاجرين إلى أوروبا.

&