مهما اختلف تقييمنا لدوافع الأزمات الراهنة في المنطقة العربية، ومهما كانت نتائج المواجهات فيها، إلا إن الحقيقة التي نتجت أو التي طفت بشكل واضح على السطح خلال العقد المنصرم هي إن الخلاف الفكري، والعقائدي،والفقهي السني الشيعي الذي يمتد لأكثر من ألف عام في عمق التأريخ أصبح لا يمكن إحتواءه أو التعتيم عليه أو رمي أسبابه ومسبباته على عدو هُلامي خارجي، ومن شبه المؤكد فأن المجازر التي حدثت والدماء التي سالت ولا زالت لم تهز أو تغير من العقائد الراسخة لكل طرف، فالطرفان لم يبذلا أية جهود حقيقية لتغيير لغة الخطاب الديني المتشنج وإن كانت&فهي محاولات خجولة لا ترتقي الى مستوى الأحداث والمشاكل التي حدثت وما تزال مستمرة بينهم.

فالشرخ في العلاقة بين الطرفين يزداد إتساعآ وعمقآ تغذيه بعض المدارس الفكرية والمذاهب الدينية المتطرفة التي لا زالت تستند على نصوصآ فقهية وفتاوى منحرفة لبعض رجال الدين،وهذه المدارس الفقهية أخرجت الشيعة من الملة وإعتبرتهم روافض واجب قتالهم،والتنكيل بهم، وإبادتهم، والإستحواذ على ممتلكاتهم بل حتى سبي نسائهم،فأعتُبَر قتالهم فرض مقدم على قتال الكفار من المسيحيين واليهود حسب فكر وعقيدة أغلب أهل السنة، وما أحداث العراق والإستهدافات التي تَعَرض لها الشيعة فيه والتي تقترب من حملات الإبادة الممنهجة والمنظمة إلا دليل على ما&ذكرناه.

إن الشيعة مظلومون ومظلوميتهم مشابهة لمظلومية اليهود عندما تعرضوا للإضطهاد في أوربا،فالإثنان جمعتهم صفة العيش في وسط أغلبية ترفضهم، لكن الفرق بينهما هو إن الشيعة لم يحسنوا توظيف مظلوميتهم لخدمة أهدافهم، ولم يبذلوا جهدآ لكسب التعاطف الدولي معهم وفضح هول الجرائم التي إرتكبت ولا زالت بحقهم، فهم لم يتقنوا فن السياسة التي هي ليست بالعمل الملائكي ولا يمكن أن تكون عندما تصرف معها على هذا الأساس الكثير من منظريهم وساستهم، فالسياسة كانت ولا زالت تحكمها المصالح وتبادل المنافع وخاصة فيما يتعلق بعلاقات دول ومصائر شعوب، والمصالح في عالم&السياسة ليست ممنوعة أو مخالفة لأخلاقيات العالم المعاصر أو معيبة، فهي تصنف على إنها قمة التعقل والعقلانية، وهي أمور لم يفطن لها الكثير من نخب الشيعة ومثقفيهم&وبعد أن إنزلقت المنطقة الى هذه الصراعات الدامية فلم يبقى لشيعة العراق إلا المبادرة والعمل على إعادة ترتيب الأولويات والتعامل ببرغماتية مع كل الظروف والمتغيرات لتدارك الأخطاء السيتراتيجية القاتلة التي وقع فيها الشيعة منذ تأسيس الدولة العراقية في عشرينات القرن المنصرم، فلا بد لنخبهم الفكرية وحتى الدينية وسياسييهم القيام ببعض الخطوات المهمة والضرورية لتقويم المسار وتصحيح الأخطاء قبل فوات الآوان، وأهم تلك الخطوات هو الإعتراف بشكل واضح وصريح على إن السنة ليسوا عمقآ للشيعة ولم يكونوا في يوم من الأيام ونظرتهم لأمور الدين فقهآ،&وتفسيرآ، ونهجآ،تختلف في أغلب الأحيان عن نظرة الشيعة وثوابتهم.

&لا بديل لشيعة العراق إذا أرادوا حماية بعض المكتسبات التي حققوها بعد الإطاحة بالنظام القمعي الدكتاتوري عام 2003 والحفاظ عليها بعيدآ عن العواطف التي أخَذَت منهم مأخذآ،حيث يتوجب عليهم الإنفتاح والتأسيس لعلاقات جديدة مع مختلف دول العالم وشعوبه بدون أية خطوط حمراء على هذه الدولة أو الديانة أو تلك، والتخلص من خطة وَضع الشيعة كرأس حربة لمليار ونصف المليار مسلم سني في صراع ليس لهم فيه أية مصلحة وهو الصراع الدائر بين العرب أو المسلمين السنة عمومآ وبين اليهود منذ أكثر من سبعين عامآ حول فلسطين.

&

[email protected]