كل اسلامي يقول إن تعاليم الدين تدعو الى السيطرة على الحكم والسلطة، فهو كذاب، بل يمكننا التمييز بين الاسلامي الحقيقي وبين من يدعي الاسلام من خلال اللهث وراء السلطة والحكم، لأن هدف الاسلامي الحقيقي هو نشر تعاليم الدين والوعظ والارشاد وكل شيء في حياته يتحول الى وسيلة لتحقيق هذا الهدف، وبالتالي فحتى السلطة تتحول الى وسيلة لتحقيق هذا الهدف، اذا تحولت السلطة الى عائق نحو تحقيق هذا الهدف فان الاسلاميين يفضلون الابتعاد عنها.

من هنا نرى أن الكثير من الاسلاميين الحقيقيين يتهربون من السلطة ويرفضون المقترحات المغرية التي يقدمها المسؤولون لهم، لأنهم يدركون أن تقلدهم للمناصب خاصة في ظل الحكومات الاستبدادية والمنحرفة، يمنح الشرعية لهذه الحكومات من جهة ويؤدي الى فسادهم من جهة أخرى، كما انه يمنعهم من القيام بدورهم الرئيسي والمهام التي تحملوها، ولكن عندما لا تبقي الحكومات الاستبدادية أي خيار للاسلاميين، وتضيق الخناق عليهم وتطاردهم في كل حدب وصوب ولا تسمح لهم القيام بأبسط المهام الدينية، وفي نفس الوقت توغل في الانحراف والفساد بل وتتعمد تضليل المجتمع وتنهب ثرواته وتمارس كافة أنواع الظلم والاضطهاد، فهل سيلام الاسلاميون على التحرك واسقاط هذه الحكومة والسعي الى ايجاد البديل الأفضل عنها؟

اليوم، الملحد والكافر والمشرك والفاسق والفاجر والشاذ والمومس والسارق والظالم والبلطجي والفاسد والمرتزق والعميل، أحرار يفعلون ما يشاؤون في المجتمع، إلا الاسلامي، فان الحكومات تحصي عليه حتى أنفاسه، كل ذلك يجري في بلدان أغلبيتها من المسلمين الحريصين على التمسك بمعتقداتهم ويرفضون أي انحراف يسود في بلدانهم.

كل الحكومات المستبدة في بلداننا تتخذ من شعار العلمانية "فصل الدين عن الدولة" مبدأ أساسيا في سياستها، ومع أنها تضع فقرة "الاسلام مصدر أساسي للتشريع والقوانين" في دساتيرها الا انها لا تسعى الى فصل الدين عن السياسة وحسب بل فصل الدين عن الحياة برمتها، ويتحول المسلم الملتزم بدينه الى متهم ويطارد ويعاقب على أنه متهم حتى لو أثبت بكل الأدلة المنطقية بأنه بريء.

والطامة الكبرى أن معيار القوى الدولية في دعمها للدول والحكومات هو اعلانها "فصل الدين عن الدولة" وما دامت قد أعلنت ذلك فلتفعل ما تشاء، ولتصادر الحريات ولتنتهك الحقوق ولتنهب الثروات ولتستأثر بالسلطة وتجعل الحكم وراثيا ولتقمع أي حركة سلمية.

هذا هو الواقع المزري في أغلب بلداننا، والحكومات تلعب دورا أساسيا في إبقاء الوضع عما هو عليه دون تغيير ودون تحسن، وبما أنها ترفض أي حلول لتغيير الوضع فان الانفجار ستكون النتيجة الحتمية له.

من حق أي انسان أن يعترض على وصول الاسلاميين للسلطة اذا كانوا وصلوا اليها عبر انقلاب عسكري أو الهجوم أواستخدام أي اسلوب من أساليب القوة، ولكن ما هو مبرر رفض حكم الاسلاميين والسعي الى الاطاحة بهم واسقاط نظامهم اذا وصلوا عبر السبل الديمقراطية التي طالما تبجح بها غير الاسلاميين، يبدو ان الاعتراض على الحكومات التي ترفع شعار "فصل الدين عن الدولة" خط أحمر وعلى المجتمعات أن ترزح تحت حكمها حتى لو اذاقتها الويل، وحتى لو بقيت في الحكم عشرات السنين، ولكن الويل للاسلاميين اذا اقتربوا خطوة واحدة من الحكم.

لا مانع في بقاء الحكم الجائر عشرات السنين بل وتغدق المليارات من أجل إبقائه، كما ان الحكومات المستبدة تتفنن في استخدام الأساليب لتبقى، ولكن لا يحق للاسلاميين استلام الحكم لدورة واحدة، كل ذلك يحدث ثم نأتي بعد ذلك ونتباكى على نزو المتطرفين والمتشددين على الحكم.

"داعش" وسائر الجماعات المتطرفة لم تظهر من فراغ، وانما من تداخل العديد من الأسباب والعوامل وفي مقدمتها استبداد الحكومات المدعومة من هنا وهناك، ولو كانت الديمقراطية سائدة في مجتمعاتنا، لما كانت هناك حاجة لاستلام الاسلاميين للسلطة فما بالك بوصول المتطرفين اليها.