ربما تبحث طوال العمر عن رجل متدين تدينا حقيقيا بمعنى أنه ملتزم التزاما كاملا بالتعاليم الإسلامية ولا تجد، وليس هذا من قبيل المبالغة، فلطالما ظغت متطلبات الحياة على المواعظ والحلال والحرام، حتى بين أكثف اللحى وأطولها، ولا يستطيع المرء ان يجزم بصحة ما يتناقله الناس من قصص ولكن هناك قصة كان الناس يتدالونها عن قيادي إسلامي أشهر من نار على علم وله باع وذراع في العمل الإسلامي وهو خطيب مفوه يجذب السامعين بحسن بيانه على رأس المظاهرات، وقد قيل أن هذا الرجل قام بتطليق زوجة أبيه وهو على فراش الموت خوفا من أن ترثه، كما قام بالوساطة عند سيدة لكي تتنازل عن حقوقها الشرعية مقابل أن يقوم طليقها بالتنازل عن حقه في حضانة الطفل والوصاية عليه، وفوق هذا وذاك، فاوض "السلطان" على إسكات جماعته مقابل إعطاء ابنه منصبا كبيرا وبالفعل وافق "السلطان" ولا يزال ابنه يتقلد ذلك المنصب مع أنه يوجد الكثيرون ممن هم أكفأ منه.&

لماذا هذا الرجل تحديدا؟ لأنه مشهور بالتقوى والورع، وله تأثير فعال على جماعته ويحرضهم ويسكتهم كيفما شاء. وللقارئ أن يفكر إذا كان يعرف رجلا أو امرأة على تقوى وورع حقيقيين، وربما يجد البعض من لا تغريه مصالح الدنيا ولا تزحزحه عن مبادئه قيد أنملة، وأنا لا أعمم، ولكني أسرد ملاحظة قد تصلح أو لا تصلح أن تكون قاعدة عامة. ولكن حتى الصحابة وأمهات المؤمنين شاب سيرتهم الذاتية بعض آثام البشر العادية كالغيرة والصراع والقسوة وغيرها مما سردته كتب التاريخ. وحتى الرسول كان يميل ميلا قلبيا للسيدة عائشة، والسيدة عائشة كانت تستغيب بعض ضرائرها. فإذا كان هذا الحال في صغائر الأمور فكيف يكون الحال في مصالح الدنيا الأكبر كالمال والغنائم والمناصب؟ لا شك أن المتدين سيبيح لنفسه ارتكاب الإثم خاصة وأن باب التوبة مفتوح أبدا ووصفة المغفرة سهلة جدا للجميع.&

إن الجماعات الإسلامية الموجودة حاليا أعطت مثالا قويا وحاسما على مدى الغي الذي يمكن أن يصل إليه الإنسان، إنه يتحول إلى ذئب مفترس بسهولة ورائحة الدم تبعث فيه نفسه غريزة الافتراس ولا يتألم لألم فريسته أبدا. وهناك من الجماعات الإسلامية من لم يرتكبوا فظاعات واتبعوا طريقا أكثر اعتدالا لكنهم معروفون بالخبث والمراوغة وإباحة المنكر عند الضرورة، وفي عرفهم فإن الغاية تبرر الوسيلة.&

وعلى أية حال، فإن مفهوم التدين ليس واضحا، فهو يعني أشياء مختلفة لفئات مختلفة، وهناك أفعال يصنفها البعض حلالا لكن البعض يحرمها، ونظرا لعدم وجود إجماع حول ماهية التدين ووجود متشابهات كثيرة، يصبح صعبا على الإنسان الحكم بالتدين أو خلاف ذلك. إن كثيرا من الشباب المسلمين الذين سافروا إلى الخارج للدراسة شربوا الخمر واتخذوا خليلات وهم معروفون في مجتمعاتهم الأصلية بالتدين وعندما يتخرجون يتركون كل ذلك ثم يعودون للالتزام السابق. كما أن هناك كثير من المسلمات المعروفات بالالتزام الكامل بالعبادات والحجاب ينزعن الحجاب عندما يسافرن إلى البلاد الغربية كي لا يلفتن النظر بحجابهن ويشعرن بحرية الحركة أكثر. ويجب الاعتراف أنه ليس في الأمر غضاضة ولكنه يحدث مع العلم أنه مخالف لتعاليم الإسلام.&

ونأتي إلى حكام العرب المعروفين بالالتزام والتدين، إذ كثيرا ما اضطر هؤلاء إلى شرب الخمر في المحافل الدولية لمسايرة الجموع من غير الملسمين ممن يتبعون البروتوكول الدبلوماسي بشرب الأنخاب. كما أن زوجاتهم يصافحن الأجانب وحتى أن السيدات الأوائل ممن عرفن بمناصرة الإسلاميين واتباع التيار الإسلامي ظهرن على شاشات التلفزة وهن يصافحن مضيفيهن الأجانب، وينطبق الأمر كذلك على رجال الدين الذين يصافحون السيدات الأوائل.&

وخلاصة القول أنه لا يوجد شخص متدين تماما، فكل من نشاهدهم من الملتزمين واتباع التيار الإسلامي يبيحون لأنفسهم تجاوز بعض التعاليم الدينية إما لمصالح خاصة أو لمقتضيات الضرورة. وحتى الشخصيات البارزة كثيرا ما يتجاوزون الخطوط الحمراء في سبيل تحقيق مصالحهم، ولكنهم يصرون على أنهم ملتزمون تماما ولا يتجاوزون أبدا أو ربما يقولون "الضرورات تبيح المحظورات".&