الشعوب تتعلم من بعضها البعض، خاصة اذا كانت شعوب تتعرض لمظالم مماثلة. افرزت الانتخابات التي جرت يوم الاربعاء العاشر من يونيو في تركيا عن نتائج يمكن الاستفادة منها لصالح الديمقراطية في ايران عموما ولصالح الشعوب المضطهدة ومنها الشعب العربي الاهوازي بشكل خاص. كما يمكن الاستفادة من التجربة التي مارسها الاكراد في مدينة كوباني "عين العرب" واعني الحرب التي خاضوها ضد قوات داعش الظلامية وفازوا فيها قبل اشهر وقاموا بخطوات سياسية وثقافية لصالح شعبهم في سورية. فقد اكدت الانتخابات في تركيا بروز خطاب جديد على الساحة السياسية والفكرية التركية وهو "خطاب الاقليات" وعلى رأسها الاقلية القومية الكردية. لماذا نقول الاقليات لانه برز في هذه الانتخابات حزب يمثل ليس الإقلية الكردية فحسب بل والأقلية العلوية والأقلية الجنسية المتمثلة بالمثليين وسائر الفئات المهمشة في المجتمع التركي. لكن لم يقتصر امر الانتخابات على ذلك بل شاهدنا ايضا تراجع اصوات حزب "العدالة والتنمية" كممثل للقوى الاسلامية، وثبات اصوات حزب "الشعب الجمهوري" ممثلا للقوى العلمانية الليبرالية، الى جانب تقدم حزبي "الحركة القومية" التركية و "الشعوب الديمقراطي" ممثلا للأقليات المضطهدة. وهنا يكمن رأس المشد اي ان هيمنة الاسلاميين على مفاصل الحكم في تركيا خلال الاعوام ال 13 الماضية ادت الى ردود فعل قومية من نوعين: اولا من القومية التركية ذات الجذور الكمالية المشفوعة بالشوفينية التركية المعادية للعرب والكرد والعلويين، وثانيا القومية الكردية من جهة اخرى وهي المقموعة من قبل القومية التركية وتناضل من اجل حقوقها القومية منذ نحو 4 عقود. نحن الان امام مشهد سياسي - فكري تنشط فيه 4 خطابات في تركيا: الخطاب الاسلامي، والخطاب الليبرالي، والخطاب القومي التركي وخطاب القوميات والاقليات غير التركية او بالاحرى الخطاب الكوردي. صحيح ان ما كسبه الاكراد من فوز على الساحة السياسية حاليا يعود جزء منه الى نضالهم المسلح وتضحيات ابناء الشعب الكردي في تركيا لكن هذا الحزب لم يسجن نفسه في إطار ثابت ودوغماتي بل تطور وتماهى مع التحولات الداخلية والإقليمة والدولية وتحول من حزب عسكري الى حزب سياسي يناضل ليس فقط لنيل حقوق الشعب الكردي فحسب بل والشعوب والاقليات الاخرى في تركيا. كما انه غير شعاراته الاولى المطالبة باستقلال كردستان التركية واخذ يطالب - وفقا لإرشادات زعيمهم المعتقل اوجلان - بما يصفونه بالحكم الذاتي الديمقراطي. وهذا مافعله الحزب الديمقراطي الكردستاني الايراني (حدكا) في مؤتمره الثاني عندما ادرك ان شعار "جمهورية كردستان" المستقلة التي طرحها زعيمه المؤسس القاضي محمد في اواسط الاربعينيات من القرن المنصرم، امر مستحيل. لا بل حتى بيجاك - فرع حزب العمال الكردستاني في ايران - ايضا لم يطرح شعار الانفصال الكامل بل الكنفدرالية كطريق حل لمشكلة القوميات في ايران. وقد شارك الاكراد السوريون - الى جانب العرب - في المظاهرات الجماهيرية المطالبة بسقوط بشار الاسد بعد انطلاقة الثورة السورية في مارس/آذار 2011 غير انهم اضطروا لحمل السلاح بعد عسكرة الثورة السورية والدفاع عن مدينة كوباني (عين العرب) اثر هجوم قوات الدولة الاسلامية عليها. وقد ساندهم في صمودهم ضد داعش، الدول الغربية، بل واليسار والقوى الديمقراطية في العالم. اي انهم لم يحملوا السلاح الا للدفاع عن منجزات شعبهم المتمثلة بتعليم اللغة الكردية وادارة مناطقهم (الكانتونات) بانفسهم. كما ورغم قوتهم العسكرية لم يطالبوا بالانفصال عن سورية ونرى ممثليهم يشاركون الى جانب قوى المعارضة العربية السورية في الاجتماعات التي تعقد في العواصم المختلفة. اذ نشاهد البرجماتية في المواقف المتباينة للاكراد في الدول التي يناضلون ضد انظمتها من اجل حقوقهم القومية، حيث يتموضع اكراد سورية وتركيا في جبهة روسيا - ايران، واكراد ايران في جبهة الغرب - السعودية. برأيي نحن عرب الاهواز يمكن ان نستخلص الدروس من فوز الاكراد في الانتخابات التركية وصمود الشعب الكردي في سورية، منها اولا طرح شعارات منطقية تلائم الظروف السياسية الداخلية في ايران والمنطقة والعالم. اي نحن بحاجة ماسة الى المشاركة في النضال السياسي على الساحة الايرانية الى جانب سائر الشعوب والاقليات المضطهدة. اي ان العرب لايمكن ان يحققوا اي شي لوحدهم، الا اذا تحالفوا مع سائرالشعوب، خاصة غير الفارسية منها في ايران. ورغم تقدم تركيا على ايران في العملية الديمقراطية بالشرق الاوسط لكن يمكن لتحالف الشعوب غير الفارسية ان يلعب دورا هاما في النضال السياسي والجماهيري والتطور الديمقراطي في ايران وذلك لتهيئة الظروف لنيل هذه&الشعوب حقها في تقرير مصيرها. كما ان الشعب العربي الاهوازي وباعتماده مثل هذه الاساليب النضالية يستطيع ان يكسب عطف الدول الديمقراطية والقوى القومية والتقدمية في المنطقة وفي ايران والبتة هذا لايعني انه يتجمد في هذه الاساليب الى الابد، بل ان لاي مرحلة نهجها واسلوبها وتكتيكاتها كما اسلفت في حديثي عن ما فعله الاكراد في سورية. ولاننسى ان ذاكرة شعبنا تتدخر تجارب عملية ثمينة في هذا المجال، خاصة فيما يتعلق بتجربة حزب الوفاق في عهد الاصلاحات (1997 - 2005)، غير اننا لايمكن ان نتوقف عند تلك التجربة ويجب ان نطورها وفقا للتطورات التي تشهدها ايران والمنطقة.فاذا كان ردفعل القوميين الترك والاقليات والقوميات غير التركية ازاء 13 عاما من حكم الاسلاميين ماشاهدناه من نتائج في الانتخابات البرلمانية التركية، فان ايران تشهد عملية فرز قومي يتمثل بالاصطفاف السياسي والايديولوجي الحاد والمتزايد المتبلور بخطاب القومية الفارسية المشفوع بالعنصرية وخطاب الشعوب غير الفارسية وذلك ردا على 3 عقود ونيف من الحكم القمعي للاسلاميين في ايران. اي اصبح لدينا خطاب اسلامي، واخر قومي فارسي وثالث علماني يساري ورابع قومي غير فارسي. اذ سيتفجر التناقض بين هذه الخطابات المتناقضة آجلا ام عاجلا غير اننا لانعرف بالدقة كيف يتبلور هذا التناقض على الساحة السياسية الايرانية. فهل ياخذ طابع تحول سلمي او يتجه الى العنف؟

&