من المقرر ان تنتهي الولاية القانونية لرئيس اقليم كردستان مسعود البرزاني في العشرين من اب، وبالرغم من عدم اعلان موقفه بالترشيح من عدمه الا ان حزبه الديمقراطي الكردستاني يطالب بتمديد ولايته لسنتين بحجة مراعاة الظروف السياسية والامنية التي يمران بها الاقليم والعراق، والغريب ان دعوة الحزب لا تستند الى اي سند شرعي او قانوني، وبالمقابل اعلنت الاحزاب الكردستانية (الاتحاد الوطني والتغيير والاتحاد الاسلامي والجماعة الاسلامية) والتي لها مقاعد نيابية في البرلمان رفضهم للتمديد لاعادة تسليم الرئاسة الى البرزاني، وبالمقابل تحاول تثبيت النظام البرلماني للحكم في الاقليم من خلال اصدار قانون بسبب عدم تشريع الدستور لحد الان، والمهم في الامر ونتيجة لعدم قدرة الكتل البرلمانية على حل مسالة رئاسة الاقليم اتجهت الحياة والاوضاع العامة تأخذ طابع القلق بسبب المناورات الاعلامية التي تجري على شاشات القوات الفضائية الكردية بهذا الشأن.

وبسبب العرقلة التي يبديها حزب البرزاني في البرلمان امام الجهود المبذولة لمعالجة الازمة قانونيا، فان اغلب الظن يعتقد ان الاقليم سيدخل في فراغ رئاسي بعد العشرين من اب، وستبرز مشكلة تسليم الرئاسة المؤقتة الى نفس الرئيس الحالي لتصريف الاعمال او الى رئيس البرلمان لمدة ستون يوما لاجراء الانتخابات الرئاسية، وفي كل الاحوال فان الفترة المقبلة ستشهد دخول الاقليم في أزمة رئاسية قانونية شبيهة بأزمة الرئاسة في لبنان.

وللتذكير فان النصيحة التي ابداها الرئيس الامريكي باراك اوباما لرؤساء وملوك افريقيا والشرق الاوسط بجولته الى مسقط راس اجداده باعتبار تعديل الدساتير والقوانين بغية اطالة الحكم والبقاء على الكرسي دليل فاضح على الفشل الذريع للذي يتعدى على الدستور والقانون للاحتفاظ بالحكم، كانت دعوة مليئة بالحكمة ونصيحة ذهبية لابعاد الرؤساء والملوك والامراء الذين يطيلون فترة حكمهم بطرق غير شرعية وغير دستورية وغير قانونية، واليوم في العراق وبالاخص في اقليم كردستان نشهد حالة للمشهد الذي رسمه اوباما، حيث نجد ان الرئيس البرزاني يسعى من خلال حزبه واقربائه من اهل السلطة تمديد فترة حكمه من خلال خرق القانون.

وبالرغم من مظاهر التقديس والتعظيم والتبجيل التي يبديها اعضاء حزب البرزاني له ومن قبل بعض الافراد والجهات المحسوبة عليه باعتباره قائدا وزعيما للكرد، الا ان الاحداث وتجربته في الحكم اثبت عكس ذلك، وتبين انه لا يمكن اعتباره من الطراز الاول من القادة الذين يعملون على تغيير مجرى مسار امتهم وشعوبهم ليحققوا لهم مكاسب وطنية كبيرة خدمة لهم ولاجيالهم، والبرزاني لم يحقق شيئا من هذا القبيل وهو مجرد انسان عادي ولكن ولد وفي فمه ملعقة ذهب لانه استفاد من مكانة ابيه ملا مصطفى البرزاني الذي قاد الحركة التحررية الكردية لفترة وثم مات متأثرا بانهيار ثورة الحركة ضد نظام حكم حزب البعث في بداية السبعينيات من القرن الماضي.

ولو قيمنا فترة ولايات حكم الرئيس البرزاني خلال عشر سنوات الماضية لوجدناه رئيسا لم يحقق الا الفشل، لانه لم يتبنى اي اساس او قاعدة او منهج لبناء القدرات الذاتية للاقليم في كافة المجالات خاصة منها تأمين المستلزمات الحياتية الاساسية، ولم يتبنى ايضا اي خطة لضمان بنية تحية اقتصادية قوية وسياسية عريضة وديمقراطية متينة للاقليم، ولم يقم بتوفير بنية تحتية للعدالة الاجتماعية ولا برامج تنمية لتنمية المواطن الكردستاني، ولا ينكر فان ما تحقق في الاقليم من امان واستقرار واستتباب للامن هو الحالة التي يتميز بها كردستان، ولكن وللحقيقة فان الفضل في ذلك لا يعود الى البرزاني وانما الى الوعي المتميز الشعب الكردي خاصة وانهم مسالمون وبعيدون عن التيارات الدينية والسياسية والاجتماعية المتشددة والمتطرفة، وكل ما عمل هو مجرد تنظيم للمنظومة العسكرية والامنية المتمثلة بقوات البيشمركة وافراد الاجهزة الامنية من شرطة واسايش وحراس للاقليم لضمان الامن والاستقرار، واما بقية المقومات الاقتصادية والانتاجية والاجتماعية والتنموية فهي غائبة عن الاقليم.

والمثير ان ممارسات الرئيس البرزاني لا تنم عن تواضع بل تنم عن رفاهية مفرطة وفخفخة متنعالية وظهور متسم بالعظمة كما نشاهدها في مكاتبها ومقراتها وكأنها لزعماء الدول الكبرى حيث صممت ديكوراتها وفق ابهة عالية وكانها مكاتب ملك الملوك وليس مكتب رئيس لاقليم ما زال يترنح تحت سيادة الدولة العراقية، ومشاهد صور قصور الرئيس اثناء زيارة وفد ايراني كشف المستور في الصحافة، وتبين ان الرئيس يعيش في عيش رغيد مفرط قد لا نجد مثيل له الا في الخليج، وهو بهذه المظاهر وكما اشرنا اليه مازالت سلطة الاقليم تسير ضمن اطار دولة اخرى ولم تتحول بعد الى دولة مستقلة لكي يتباهى بها ويتظاهر بمظاهر العظمة بهذا الشكل، ورئيس الحكومة ابن اخ الرئيس على نفس المنوال، ومظاهر العظمة ايضا نجدها في عديد قوات افراد حماية الرئيس الذي يتعدى التسعة الاف كما كشف عنه في الصحافة الكردية.

وبالمقابل عندما نقيم فترة جكم الرئيس يتبين انها يتسم بفشل ذريع، وهذا لا نقوله عن فراغ وانما عن حقائق افرزتها سنوات السلطة كرئيس للاقليم، ولغرض البيان نبين اسباب منطقية وعقلانية للفشل، والاسباب هي:

1. التسبب بحدوث شرخ كبير لا يمكن معالجته على المدى البعيد داخل المجتمع الكردستاني من خلال بروز اقلية حاكمة متسلطة باغية وفاسدة وطاغية وفق كل المعايير الاجتماعية والقانونية والانسانية وأغلبية مسحوقة فقيرة محرومة من اسباب العيش الرغيد وضمان مقومات المستقبل.

2. السماح بثراء فاحش وغير مسبوق لاقربائه وافراد عشيرته على حساب الشعب، ومن خلال نهب ممنهج لثروات وممتلكات وعقارات الدولة، واستغلال السلطة واركانها ومفاصلها واحتكارها، واعتراف احد مستشاري الرئيس بان اشقاء واقرباء الرئيس هم اكثر الناس فسادا في الاقليم وهم كبار مافيات الفساد من خلال احتكارهم واستغلالهم للسلطة بطرق غير شرعية نتج منها افرادا يمتلكون المليارات من الدولارات.

3. عدم تبني سياسة وطنية للاقليم لضمان بنية تحتية اقتصادية للاعتماد على القدرات الذاتية لتوفير المستلزمات الحياتية والمعيشية الاساسية والرئيسية لعموم مواطني الاقليم، وتسليم مصير الشعب من ناحية الامن الغذائي والمعيشي والخدماتي الى دول الجوار خاصة تركيا وايران وفتح باب الحدود لهما وكأنهما اصحاب الدار.

4. اغتتيال المستقبل بكل معانيه وتغريب الشباب وسحق احلامهم من خلال مصادرة الارض ونهب الموارد والثروات والغاء منظومة الوحدات الانتاجية الصغيرة في القرى والارياف وتفريغ الاقليم من هذا المكون الاساسي للانتاج الغذائي والزراعي والحيواني لضمان الغذاء والكساء للشعب.

5. فرض وجوه ديناصورية على المواقع والمناصب الحزبية والحكومية والبرلمانية وكأن البلد لا وجوه فيه غير هذه الوجوه الفاسدة المارقة وهي تعبث بحياة وكرامة وحرية الفرد الكردستاني، وتسخر لاجلها ولاجل حياتها كل اسباب الرغد والرفاهية والثراء الفاحش.

6. القضاء التام على بنيان وهيكل وخصال وخاصية منظمومة العمل والياتها في المجتمع الكردستاني وتحويله الى مجتمع استهلاكي كاسد غير منتج وغير ضامن لمقومات المستقبل، وبدلا من العمل والانتاج خلق مجموعات طفيلية غير منتجة فاقدة لعناوين ومفاهيم وقيم العمل والانتاج والابداع.

7. ازالة الشعور العام بالامان والثقة بالغد والمستقبل وكأن الاقليم جثة هامدة لا روح فيها ولا جسد، ولا يلعب به الا الحكام الفاسقون الفاسدون المارقون لا هم لهم سوى جمع الاموال بالحرام في وضح النهار وامام اعين الشعب وكأن سيادة الرئيس لا يسمع ولا يرى.

8. فقدان الاحساس بالامل والشعور بالاحباط الكبير خاصة في اوساط الشباب وكأن الظلام قد دب في كل مفاصل الحياة في الاقليم الكردي، والاستشعار باستحالة معالجة اوضاع الاقليم بسبب السيطرة الباغية والشاملة والمتسلطة للاقلية الحاكمة الفاسدة.

9. بناء دولة الحزب وتثبيت اركانه في كل مفاصل واركان السلطة والحكومة والفظاع الاهلي وجميع القطاعات الاقتصادية والتجارية والمالية، وتحويل ممتلكات الدولة بالمئات والالوف وبمساحات شاسعة الى ممتلكات ملكية للمكاتب السياسية للاحزاب وكأن الاقليم ضيعة ومملكة خاصة بهم.

10. تحول كل مسؤول حزبي الى ديناصور لا يقهر وتصعب ازاحته على مر الزمن ويبقى عتيقا مع الدهر وكأن حياة الدنيا والاخرة لهم في الاقليم لا نهاية لها ولا اخر، وينزل لهم كل اسباب القراء الفاحش والرفاهية والسعادة والامتيازات وجمائل الفساد وخبائث الانس وغيرها.

على العموم هذه هي الاسباب الحقيقية التي نراها وراء اطلاق صفة الفشل على فترة حكم الرئيس البرزاني طوال عشر السنوات الاخيرة والتي تميزت بوفرة الموارد المالية المرسلة من الحكومة الاتحادية في بغداد، وكانت بمثابة فترة ذهبية عاشها الاقليم برفاهية وعقلية استهلاكية غير منتجة اطلاقا، ولم يتم استغلالها او استثمارها من قبل الرئيس البرزاني لصالح الشعب الكردستاني ولا من قبل حكوماته، لان الرئيس لم يكن بالسمتوى والاداء المطلوب للاسباب التي ذكرناها، ولكن مع هذا نأمل من الشعب الكردستاني ان يعي دوره وان يدرك خطورة المرحلة التي يمر بها لايجاد الطريق الصواب والصالح لادارة المجتمع والحكومة والدولة في الاقليم لضمان حياة حرة كريمة لحاضر ومستقبل الكردستانيين.

&

كاتب صحفي من اقليم كردستان

[email protected]