عدا أن غازي القصيبي كاتب جريء وتعرض لحملات ومنع، إلا أن ما جلب انتباهي في شخصيته هو عندما كان مرشحا لمنصب المدير العام اليونسكو في عام1999، وكان هناك إجماع عربي رسمي على ترشيحه، ولكن ذلك لم يمنع الأكاديمي المصري، الدكتور إسماعيل سراج الدين من أن يدخل منافسا بترشيح نفسه مدعوما من دولة من أفريقيا السوداء لا من دولة عربية.
لقد كنت أرى أن غازي القصيبي، كشخص له مؤهلات فكرية وإدارية ودبلوماسية متميزة، هو الجدير بقيادة سكرتارية اليونسكو باقتدار، ولكنني لم أكن متفائلا من النجاح، حيث كنت اعرف بحكم عملي السابق في اليونسكو ان النتيجة النهائية للفوز بمنصب كهذا تعتمد على الحسابات والعلاقات والحساسيات الدولية اكثر مما تعتمد على كفاءات المرشحين وحدها. وقد عبرتْ عن التقدير السلبي للوضع والمجتمعات العربية صحيفة الغارديان بتاريخ 7 أغسطس 1999. فبعد إشادة الصحيفة بكل من القصيبي وسراج الدين، نقلت على لسان سفير غربي ما يلي: " لا نريد أوروبيا آخر "للمنصب"، ولكن تحرير المرأة، وحقوق الإنسان، وإلغاء الرق، وغيرها هي في مقدمة قائمة أوليات اليونسكو، وهذا ما لا ينطبق بالضرورة على الثقافة العربية."
وقد تميزت حملة القصيبي الانتخابية بالموضوعية والنزاهة وعفة اللسان وسلامة الأساليب، والأخلاقية العالية، ولم يمس، في بياناته وتصريحاته، أية دولة من الدول ذات المرشحين. لم يفز القصيبي لا لقصور منه وانما لعوامل جيوسياسية وثقافية لا علاقة له بها. وقد كان من حسن حظي انني ساهمت من بعيد في حملته الانتخابية بإرسال الملاحظات والتقارير عن عمل اليونسكو وبرامجها وحاجياتها والنواقص في عملها وذلك استنادا الى خبرتي المتواضعة من العمل سابقا في اليونسكو. ولم اكتم في ملاحظاتي ان النتائج النهائية قد تكون خارجة ما نريد وذلك كما مر آنفا. لم يفز القصيبي ولكن اليونسكو هي التي خسرت افضل مرشح ليخلف المدير العام الأسبق الاسباني فيديريكو مايور الذي كان للمنظمة اشعاع خاص في عهده. وكنت على يقين بان هذا الاشعاع سيزداد توهجا لو فاز القصيبي. فألف تحية لذكراه الحيّة.

&