&شهد التأريخ الانساني المعاصر العديد من الازمات السياسية والاقتصادية التي حولت مسارات ومصائر دول وشعوب باكملها (تحولات وتغييرات بشقيها الايجابي والسلبي على حد سواء). الحرب العالمية الثانية على سبيل المثال، أتت نتيجة تراكمات سلسلة من الازمات الاقتصادية التي كانت تعاني منها الدولة الالمانية. الازمات السياسية قد تنتج ازمات اقتصادية، وبالعكس الازمات الاقتصادية قد تؤدي الى تغييرات سياسية غير متوقعة. فمنذ بداية الازمة الاقتصادية والمالية في اوروبا سنة ٢٠٠٨ والمستمرة لليوم، خسرت العديد من الاحزاب الاوروبية الكبيرة مواقعهم الطليعية في ادارة الحكم بسبب تلك الازمة وعدم القدرة على ايجاد حل لها. نذكر هنا مشكلة اليونان مع الاتحاد الاوروبي التي تعتبر من أهم ملفات الاتحاد الاوروبي حاليا. من جهة اخرى، الصراع السياسي الاوروبي الروسي في اوروبا الشرقية وتحديدا في اوكرانيا، أنتجت العديد من المشاكل الاقتصادية واخرها الغاء عقود صنع حاملات الطائرات (المعروف بالميسترال) من قبل فرنسا وموافقة باريس دفع مستحقات الغاء العقود المذكورة والتي هي عبارة عن مبالغ هائلة ستدفع لروسيا كتعويض لتلك العقود المبرمة بين البلدين. نستنتج من ما ذكرناه اعلاه، ان هناك علاقة تنظيمية بين السياسة والاقتصاد بمعنى أن السياسة الناجحة (أو الفاشلة) تنتج بشكل أو بآخر اقتصاد مزدهر (أو راكد).

ان العراق يعيش منذ الحرب العراقية الايرانية (التي اندلعت في ١٩٨٠/٩/٢٢) في أزمة سياسية عميقة لم تستطع الحكومات العراقية المتعابقة أن تنهي هذه الحالة من عدم الاستقرار السياسي. ومنذ حرب تحرير العراق عام ٢٠٠٣، وبالتوازي مع الازمة السياسية، بدأ الفساد وسؤ الادارة يتجذر بعمق في مؤسسات الدولة، ورأينا كيف تدهور الوضع من السئ الى الاسؤ حيث فقد الاقتصاد العراقي جميع مقوماته وأصبح الاعتماد على بيع النفط هو المورد الاساسي للدولة. فلا نبالغ في تحليلنا ان قلنا أن العراق تعيش في حالة ازمة سياسية واقتصادية معا. والسؤال الذي يطرح نفسه هو، ما الحل للخروج من الازمات الحالية؟

الاجابة على هذا السؤال سأتركه للسياسيين اصحاب السلطة، لكن بدوري أستطيع أن أطرح بعض الامور عسى أن يستفيدون منها. وأول الامور هو التركيز على مفهوم "المشروع" كعميلة منتجة تعطي ثمارها عندما تكتمل شروط ولادتها (والمشروع هنا نقصد به المشروع السياسي المصلح أو المنقذ).

يمكن تعريف المشروع السياسي للاصلاح مثلا على أنه فكرة أو حزمة من الافكار التي يمكن أن نلمس نتائجها في أرض الواقع من خلال تعريف آليات تطبيقها حرفا حرفا. بمعنى آخر، أي مشروع كي ينجح يجب أن يحتوي على عنصرين. الاول فكرة المشروع، وثانيا آليات تطبيق المشروع. وأعتقد أن الفرق بين الشرق المتخلف والغرب المتطور تكمن في فهم الاخير فهما عمقيا لقيمة النقطة الثانية من التعريف الانفة الذكر.

ان الافكار موجودة في الشرق، لكن آليات تطبيق الافكار تحتوي على أخطاء وخلل كبيرين. فعلى سبيل المثال، الحكومة العراقية تصرف الملايين من الدولارات لتبليط شارع ما، وفي النهاية لا يصمد الشارع امام شتاء واحد. فكرة تبليط الشارع جيدة وتخدم الصالح العام، لكن آليات تطبيق الفكرة (ان وجدت) فهي غير جيدة وروتينية ومعقدة وتسهل للمختلسين التلاعب بالمال المخصص للمشروع. اذن ما نحتاجه هو تحديث آليات العمل وتحديث مؤسسات الدولة بحيث نقطع الطريق أمام الفساد وسوء الادارة والاختلاس. أعتقد اعتقادا جازما أننا في الشرق ما زلنا في زمن الكلام واننا لم نفهم بعد، ان الكلام بدون تطبيق لا يجدي ولا ينتج ولا ينفع.

&

&رئيس المركز الفرنسي الكوردي للعلوم والثقافة في باريس