بدون توقعات تخرج عن حدود الممكن في ظروف المنطقة يمكن اعتبار أن بعض المتغيرات بدأت تفرض نفسها على الأرض في محاولة سياسية لا يمكن توقع نسب نجاحها لمحاولة إنهاء الفوضى التي تسيطر على الكثير من أوضاع فيها.

نهاية الأزمة في اليمن بدأت تتضح ملامحها مع هزيمة تحالف الحوثيين وبقايا حزب المؤتمر الشعبي ورئيسه علي عبد الله صالح المعزول والمهزوم سياسياً قبل هزيمته العسكرية باعتبار أنه لا يشكل رفقة من معه معطى أساسي في الصراع الدائر هناك.

هذا الواقع سيفتح الباب على إعادة ترتيب الأوضاع السياسية في اليمن والتي ستأخذ في الاعتبار الخريطة السياسية لواقع ما بعد الحرب التي خاضها التحالف العربي والجيش اليمني والمقاومة الشعبية ضد الانقلاب الذي نفذه الحوثيين وحلفائهم ضد حكومة الرئيس منصور هادي.

صياغة مستقبل اليمن سيكمن التفاصيل الصغيرة والدقيقة سيكون لها الأثر الأكبر في تحديد القادم حيث يظهر واضحاً في الصورة اليوم أن العديد من القوى التي كان لها دور في الساحة السياسية قبل الانقلاب الحوثي فقدت وزنها القبلي والسياسي وتحولت لمنابر إعلامية بلا قيمة في إسطنبول.

توقيع الاتفاق النووي بين واشنطن وطهران وانخفاض منسوب التوتر بين البلدين سمح بإمكانية البحث عن بداية حلول على مهل للملف السوري رغم صعوبة توقع نتائج سريعة في وقت قصير لكن اللقاءات التي جرت على مستوى رفيع بين النائب الثاني لولي العهد السعودي محمد بن نايف مع رئيس مكتب الأمن القومي في الحكومة السورية اللواء علي مملوك ثم لقاء وزير الخارجية السعودي عادل الجبير مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف والحديث عن قرب عقد لقاء قمة في موسكو بين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس السوري بشار الأسد يوضح وبدون مواربات أن هنالك جهود إقليمية ودولية تبذل لإيجاد مخرج يرضي قدر المستطاع كل الأطراف المتداخلة في الملف.

الجهود الروسية والعلاقة المميزة التي تربط موسكو مع الرياض ساهمت بفاعلية في إنجاح اللقاءات التي جرت رغم أن نتائجها لم تظهر بوضوح بعد، لكن عقدها شكل اختراقاً لم يكن يتوقع أحد حدوثه قبل أشهر قليلة مما خلق حالة من الارتياح لدى كثير من الأطراف المعنية تماما بضرورة استعادة بعض الهدوء في المنطقة.

المتغيرات الجديدة في السياسة الخارجية السعودية وقراءتها لما تشهده المنطقة يبدو واضح المعالم ولم يعد خافياً والأوضاع في العراق وسوريا ولبنان تلقي بظلالها في عمق القراءة السياسية للمملكة مع ارتفاع نسق التهديد بتقسيم العراق وفشل شكل الحكم الذي صمم برعاية وإشراف أمريكي وقاده نحو كوارث لم يتوقعها أحد وبدأت تمهد لفرض تقسيم فعلي لا يبدو ان واشنطن تعارض حدوثه بينما تعارضه السعودية بعنف والتي ترفض أي تغيير في أوضاع دول المنطقة وتقسيمها على أساس طائفي أو عرقي محتمل.

ملامح تقسيم العراق والخوف من امتداده إلى سوريا ولبنان يشكل هاجس قلق كبير لدى القيادة السعودية لعلمها وبحكم كونها الدولة الأكبر في المنطقة أن انتكاسات مثل تلك الأوضاع وما سينجر عنها من نزاعات وحروب أكثر دموية مما يجري اليوم سيشكل استنزاف غير مسبوق لدول المنطقة وتهديداً لمستقبلها وإعادة رسم خرائط جديدة في المنطقة تكون على أسس طائفية وعرقية مما يعني دخولها في صراعات وحروب يصعب توقعها أو توقع نتائجها ومستوى الدمار الذي ستلحقه بالمنطقة.

طهران تعرف جيداً أن للسعودية وبقية دول الخليج عمق أمن استراتيجي لا يمكن المساس به في اليمن وأي اقتراب منه سيقود لحرب إقليمية لا يمكن لطهران الفوز فيها لأن التهديد في العمق الجيو سياسي الخليجي أمر لا يمكن توقع حدوثه وهو ما فهمته طهران جيدا فتنازلت عن دعمها ومساندتها للحوثيين وحلفائهم وتركت الملف اليمني خارج حساباتها.

الخروج من الملف اليمني وتوقيع الاتفاق النووي مع واشنطن أعاد لطهران التوازن المفقود في رؤيتها السياسية للأوضاع في المنطقة وانتقالها من سياسة المناكفة الخاسرة إلى محاولة القبول بالحلول السياسية العقلانية والممكنة والذي شجع على التحرك للبحث عن مخارج ممكنة للأزمة السورية.

السعودية التي تسعى عبر الوسيط الروسي للبحث عن حل للأزمة السورية تتقاطع رؤيتها في بعض النقاط مع بعض التوجهات الإيرانية في الملف السوري وخاصة لجهة انعدام قدرة حسم الملف لأي من الأطراف المتصارعة على الأرض ولفشل المعارضة السورية بتحقيق مكاسب سياسية جراء انقسامها وانعدام التجانس السياسي بين أقطابها مما منح للجماعات الإرهابية داعش/ جبهة النصرة/ وبقايا جماعة الإخوان فرصة للظهور في واجهة المشهد مقابل انحدار واندثار ما سمي بالمعارضة الديمقراطية وضياع دورها في شوارع اسطنبول.

الخوف من تدهور الأوضاع نحو التقسيم الفعلي لسوريا في مرحلة أولى ثم لبنان هاجس يجمع الرياض وطهران على ضرورة مواجهة تداعياته ولكن من منظورين مختلفين والمملكة الحريصة على وحدة الأراضي السورية وبقاء الدولة تعرف أن تداعيات انهيارها سيقود لتوسع نفوذ التطرف التكفيري فيها وامتداد لداعش وتهديدها الإرهابي في المنطقة، بينما تسعى إيران لضمان عدم انهيار حلفائها في سوريا وخاصة في لبنان والذين تعتبرهم قوة رد لإسرائيل بعيدا عن حدودها ولاستخدامها في أي مواجهة قادمة قد تطرأ في المنطقة سواء مع واشنطن أو إسرائيل.

المخاوف من انهيار الأوضاع في سوريا مع تزايد حجم التمدد التركي والذي وصل لمحاولات اسطنبول فرض مناطق عازلة داخل الأراضي السورية المتاخمة للحدود معها رفع منسوب القلق لدى الرياض وطهران من ضرورة البحث عن حل لن يتأخر كثيراً للأزمة السورية ويضمن تحقيق مقولة كانت مستحيلة قبل فترة قصيرة "أن لا يموت الراعي ولا يفنى الغنم" وربما سيكون ذلك عنوان المرحلة القادمة في انتظار حصول اختراق جدي بلقاء قمة سعودي سوري رغم كل الصعوبات والعراقيل التي ما زالت تعطل ذلك.&