اكاد اشفق على السيد حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي امام المهام الملقاة على عاتقه حين يرى هذا الخضم الهائل من الخراب الذي يعمّ العراق كله وينخر كل الانشطة الاقتصادية والثقافية والقضائية وهل يمتلك هذا المهندس الكهربائي الحاصل على الدكتوراه من بريطانيا كلّ هذه الهمّة والنشاط الاستثنائي السوبرماني وهل يحمل عصا موسى بسحرها المعروف التي ستلقف المفاسد وتقوّم الاعوجاجات وتعيد ترتيب الهرج والمرج العائم فينا ؛ فهو في وضع لايحسد عليه وأمامه طريق طويل شائك ، موحل ، مملوء بالالغام عليه ان يجتازه واثق الخطى عازما على بلوغ منتهاه مهما صادف في مساره من عقبات ومطبات وهوى سحيقة ان عزم على اجتيازه والّا فليعتذر ويعلن امام شعبه انه ليس قادرا وربما يكون اعتذاره في محله لان المهام الملقاة عليه صعبة جدا امام قلة المناصرين والاعوان من النخبة الحاكمة القائدة والتي تـقوم بتسيــير السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية .. فلا يكفي ابدا ان تنتفض الجماهير المحتجّة المساندة له على الاوضاع المزرية التي أثقلت كاهل البلاد بالفساد والمحاصصات الكريهة واقتسام الغنائم والسرقات المفرطة وسلطات عرجاء بموازين منكسرة لا تعرف الاستقامة والعدل ، ولا أظن ان سينعم البلد وأهله& بأيام وردية بين عشية وضحاها لمجرد ان تلك التظاهرات بقيت مستمرة ، ولا تكفي ايـضا دعوات المرجعية الدينية التي وقفت الى جانبه ناصحةً له للعزم على وقف المفاسد واصلاح حال الوزارات المتخمة بشخوص اتت بهم الاحزاب والكتل السياسية وهي لا تفهم اساليب وطرق بناء الدولة ومؤسساتها لإفتقارهم الى الدربة والمران التكنوقراطي وليس لهم في شؤون حكم البلاد الا الاستحواذ على ثرواته و تمزيق اوصاله فالمسعى الى معالجة كل هذه الظواهر الشاذة والانشقاقات الكبيرة التي تهوي بالعراق لا تتطلب فقط اشخاص اقوياء بفكرهم وعزيمتهم فقط انما الامر يحتاج الى رجال من فولاذ والى سياط لاسعة تكوي ظهور الفاسدين وسيوف باترة تقطع رقاب واذرع اخطبوط الفساد بكل مظاهره الادارية والمالية والقضائية الذي امتد الى كل النفوس ومال بلا حراسة مؤتمنة نزيهة حريصة& يسيل لعاب السارقين المارقين المتنفذين .
&والسؤال من اين يبدأ اولا هذا العبادي& فكل شئ يحتاج الى خطط تعجيزية وقوية لا يستهان بها والحال والمآل اصبح خرابا حيث لا صـناعة ولا زراعة ولا اعمار ولا خدمات ولا تعليم سليم ولا كهرباء متواصلة ولا امن ولا طمأنينة ولاقوى عسكرية يعتمد عليها في بسط الامن والسكينة في الداخل او الدفاع عن الحدود ومواجهة القوى الخارجية من الاعداء ولا احقاق للحق ناهيك عن الغزاة البرابرة من الدواعش واذنابهم الذين احتلوا حوالي ثلث البلاد .فأينما تولّي وجهك ترى جهمة وخرابا وفسادا وظلما وحيفا وعنتا وخوفا ورعبا وانكسارا وعوجا ...ويذكرني هذا الحال بما قاله المتنبي في احدى قصائده :
وسوى الروم خلف ظهرك رومُ -----& فإلى ايّ جانبيك تميل
فالجماهير المتظاهرة تتحدث عن الاصلاح وكأننا كيان سليم قوي تلوثت بعض ملامحه بالفساد وعلينا اصلاحه وماعلينا سوى اجتثات ثآليل وأورام ودمامل& تلك العيوب الناشزة ليعود الوضع الحسن الى سابق عهده مشرقا وهّاجا
الامر ليس بهذا الشكل المسطح الذي يعالج القشور وننسى اننا أسيرو دستور هزيل البنيان وقائم على جدار مائل وفيه من العثرات والاخطاء ما لايمكن& ترتيب اي شيء مالم يعاد كتابته وقراءته على يد لجان قضائية وسياسية واجتماعية تمتلك من النزاهة والخبرة آفاقا واسعة لتعيد بنود المواد وصقلها من جديد وتعرض على الشعب للاستفتاء حتى وان طال الامد وامتدّ الوقت فالبناء السليم الرصين لم ولن يتم بين غمضة عين وانتباهتها ؛ وهذا هو اساس التشييد السويّ لدولة تأخذ بنظر الاعتبار كل صغيرة وكبيرة لتوضع في نصابها الحقيقي الموازي للعدل والاستقامة بدل الميل والانحياز لهذا الطرف او ذاك على حساب الاخرين وثلم حقوقهم وامتيازاتهم لصالح فئة ما او شريحة محددة محاباةً او تقرّبا على حساب الاقليات العرقية قليلة العدد التي تشاركنا موطننا& وكون الدستور الحالي لايمكن تسميته دستورا مدنيا متحضرا ولابد من تغيير الكثير من بنوده ومواده حمايةً للمكوّنات الصغيرة واحترام التنوّع الذي يتصف به العراقيون
وحسنا فعلت جماهيرنا المتحمسة للتغيير حينما رفعت شعارها مؤخرا لتطالب باصلاح القضاء وعزل مايسمون جزافا رجال القضاء الذين كانوا ومازالوا إمّعةً وأذيالا للقادة التنفيذيين لأن صون الدولة وهيكلها يبدأ اولا من ارساء دعائم القضاء بصورة قويمة ومحكمة البناء والاستقامة ليقوم عليها كيان الدولة الصلدة ويلحق القضاء بالاصلاح بقية انشطة الدولة مثل التعليم الراقي الحديث واحترام ورعاية العقول المبدعة المفيدة المخلصة ووضعها في مكانها المناسب وابعاد& الجهلاء وعديمي الخبرة العقلية عن مرافق الدولة التي ينبغي ان ترتقى باذهان ابنائها المبتكرة السليمة الرؤى وهكذا تدريجيا يصار الى تقوية الدولة بحزام أمني رصين وقوى من الشرطة والدرك المتمرس العارف المبصر ليبثّ عيونه في في كل مكان مريب وغير مريب لنشر الامن الداخلي وسحق كل من يعمل على تخريب وزعزعة الداخل وتطهير البلاد داخليا من العصابات واللصوص والعابثين والمارقين والخاطفين وممتهني السرقات بكل انواعها واصنافها ليكون المواطن آمنا على بيته وعرضه واولاده وماله ، حرّا في ان يجول هنا وهناك بحثا عن مصالحه وكدحه دون خوف او تردد
&ومن هنا تتحقق الثقة المتبادلة بين الشعب وافراد الشرطة والدرك خاصة بعد تطهير القوى الامنية الفاسدة ومااكثرهم في هذا الجهاز الداخلي وكذا الحال في بناء قوات مسلحة بمختلف صنوفها لحماية البلاد من التدخلات والتسللات الخارجية ومراقبة الحدود وصدّ ايّ عدوان محتمل سواء من الجوار او غير الجوار ومنع تسلل دعاة الارهاب وموجات مايسمى بالمتأسلمين من عبور حدودنا والاستيطان في بقاعنا وتشكيل بؤر الخراب والدم والاجندات المريضة وغسل البلاد وتطهيرها من مستنقعات الحواضن من خلال الاهتمام بالشرائح المتضررة التي لجأت الى عتاة الارهاب وتشكيل الحواضن اللازمة لهم& بسبب اهمال الدولة لهم وتركهم مصائد سهلة للغزاة
ان التظاهرات والاحتجاجات المتواصلة في عموم العراق هي جرس انذار لتحريك واشعار النخبة السياسية بانهم غير مرغوب فيهم وليسوا من الايادي النظيفة العاملة الماهرة وعليه يجب البحث عن العناصر العراقية الكفوءة النزيهة من التكنوقراط وما اكثرهم هنا ومحاولة جلب الخبرات العراقية المتميزة المقيمة في المنافي والشتات دون النظر الى منحنياتهم الفكرية والعقائدية& لوضع اللبنات الاولى لبناء عراق جديد معافى وفق المقاسات والخرائط المدنية الحديثة واستغلال دعوات المرجعيات الدينية التي نصرت العبادي ولم تمانع ابدا من السير في الاتجاه المدني والاستفادة من تلك الدعوات للتصالح بين الاتجاهين الديني والمدني والعمل معا لنهوض هذه البلاد التي توشك ان تسقط في هوى عميقة وسيكون من الصعب انتشالها الاّ اذا تشابكت كل الايدي من اجل الانقاذ والخلاص
لقد احتججنا وصرخنا مافيه الكفاية وعلينا الان ان نعمل مع السيد العبادي خطوة خطوة وبلا تسرّع ونعالج مواطن الاسقام واحدة اثر اخرى بدءا من تغيير بنود ومواد الدستور المعيقة للنماء والتطور والبناء والشروع بتلبية مطالب الناس بشأن الخدمات الاساسية للعيش الكريم من توفير الطاقة الكهربائية على مدار اليوم لمدة 24 ساعة او لساعات تجهيز اكثر مما يحصل الان وتوفير الماء الصالح للشرب ومعالجة مشكلة الاسكان لبيوت آمنة مناسبة والغاء العشش الكثيرة وبيوت الصفيح التي اخذت تتكاثر باطراد ملحوظ والقضاء على البطالة من خلال البدء في فتح المصانع والمعامل المغلقة التابعة للدولة وتهيئة الاراضي المهملة التي اخذت تتصحر والبدء بزراعتها من خلال الدعم للفلاحين الذين هجروا مهنتهم بسبب شح المياه وكثرة المستورد من النتاج الزراعي الذي اخذ ينافس المنتوج المحلي على قلته
فهذه اولى الخطوات التي على الدولة ان تعملها لكي تسكت وتوقف الاحتجاجات لئلا تلجأ الجموع الغفيرة على العصيان المدني وتزيد السوء سوءا وآمل ان تتفهم الجماهير العريضة ان العبادي لايمتلك معالجات خارقة تتعدى القدرات البشرية وانما هي خطوات قد يطول مسيرها ولكنها حتما ستوصلنا الى اهدافنا ولو بعد لأيٍّ طويل

[email protected]
&