ليس بوسعي وصف مدى الاحباط التي أصبت به من اجراء اصلاحات حقيقية في العراق بعد ظهور نتيجة استجواب مجلس النواب لوزير الكهرباء قاسم الفهداوي يوم السبت الماضي.

فالاتهامات التي وجهت للفهداوي كانت كلها موثقة ومن المستحيل ان تبقيه في الوزارة خاصة وأن ردوده عليها كانت واهية وطالما تلعثم في الرد، وشعرت بأفق رحب من الأمل ومن الاصلاحات الجارية عندما كنت اشاهد الاستجواب، ولكن كان اعلان التلفزيون العراقي بأن نواب البرلمان اقتنعوا بأجوبة الفهداوي أحبط أي أمل بحدوث اصلاح حقيقي في العراق.

سألت نفسي، ألهذه الدرجة وصل البؤس في العراق ليمثلون على شعبه بشكل رسمي هذه المسرحية المقززة وكأن شيئا لم يحدث؟ واضح أنهم كانوا يريدون ايصال رسالة للشعب العراقي من خلال هذا الاستجواب مفادها أن كل شيء تحت السيطرة والأمور تجري على ما يرام ولا يوجد فساد ولا ضعف ولا ترهل، بينما أعتقد أن الرسالة التي أدركها الشعب من هذا الاستجواب هي، ان الجماعة لن يغيروا أي شيء لأنهم في الأساس لا يشعرون بضرورة التغيير، واذا كانوا قد استجابوا لمطالب المتظاهرين فان هذه الاستجابة سوف لن تتجاوز حد تبرير سلوكياتهم ومواقفهم.

اذا كان هذا هو واقع البرلمان والذي من المفترض أن يقاتل أعضاءه من أجل صيانة حقوق الشعب وعدم التفريط بثرواته، وأن يحاسب المسؤولين في الحكومة على كل شاردة وواردة، فهل يا ترى سيكون الوزراء والمسؤولون أكثر حرصا من النواب؟

هل هذا يعني أن الامال التي عقدت على العبادي بقيامه باصلاحات جذرية ذهبت ادراج الرياح؟

ثمة ملاحظة ينبغي الاشارة لها وهي، أن هناك أسباب حقيقية لمعاناة العراق في الوقت الراهن من بعض المشاكل، وليس بوسع العبادي ولا غير العبادي تجاوزها وفي مقدمتها قضية انخفاض اسعار النفط والتي ترتب عليها انخفاض عائدات العراق الى دون النصف، ولا شك أن هذا الانخفاض يعزز المشاكل المرتبطة بالتنمية وتقديم الخدمات وحل المشاكل الطارئة كقضية النازحين.

غير ان هناك مشاكل ليست مرتبطة بعائدات البلاد ولا الظروف التي يعيشها العراق، وانما مرتبطة بشكل مباشر بأداء المدير العام والوزير والمسؤول، وهذا الأداء السيء يعود إما لعدم كفاءته أو لفساده، مما يستدعي من العبادي التعامل بشكل حاسم وحازم مع هؤلاء المسؤولين، والتباطئ في التصدي لهم يثير العديد من علامات الاستفهام، في مقدمتها، إما أن يكون العبادي بذاته غير مؤهل أو أن يكون متواطؤ؟

لاهذا ولا ذاك، فالمشكلة أن العبادي غير قادر على الاصلاح الجذري والشامل حتى لو كان مؤهلا لذلك وغير متواطئ، والسبب ببساطة يعود الى أن الدستور لا يسمح له بذلك، فالدستور ولكي يقضي على الاستبداد والديكتاتورية التي عاشها العراق وفر الغطاء القانوني للمحاصصة الطائفية عندما فوض حق ترشيح الأشخاص للمناصب للطائفتين السنية والشيعية وقومية الاكراد، ومع أن هذا المبدأ قضى على المركزية ولكن في نفس الوقت جلب للعراق مأساة تولي أشخاص للمناصب معيارهم الرئيسي انتماءهم وليس كفاءتهم، مما يعني أنه ليس من حق رئيس الوزراء الاعتراض على أداء هذا المسؤول أو ذاك، وحتى لو اعترض وأقاله فانه عليه أن يعود الى كتلته مرة أخرى، وبما أن كتلته تثق به لذلك لن ترضى بتغييره ولو كانت تريد تغييره لما رشحته في الأساس، خاصة اذا كان يتبوأ موقعا مرموقا في كتلته.

ربما يقول قائل ان من حق رئيس الوزراء أن يتجاوز كل الكتل بما أن مرشحيها غير مؤهلين، ويرشح من يراه مناسبا لأي منصب؟ اذا حدث ذلك فستقوم قيامة البرلمان والقوى والاحزاب السياسية ويصل الأفق السياسي للعراق الى طريق مسدود، ويتكرر ما حدث في عهد المالكي.

مسرحية استجواب وزير الكهرباء تلخص هذا المأزق الكبير الذي يعاني منه العراق، فعندما ارتفعت اصوات العراقيين المطالبة بايجاد حل لمشكلة الكهرباء، لجأ العبادي الى كتلة الفهداوي لتغييره وتقديم البديل، وبدل ان تستجيب الكتلة لطلب الشارع أخرجت له مسرحية الاستجواب، التي انتهت بتعزيز قوة الفهداوي وليس بتوجيه التهديدات والتحذيرات له.

من هنا فان أي مسعى للعبادي للتغيير سيدور في حلقة فارغة، واذا كان جادا في اصلاحات حقيقية وجذرية فعليه أن يدعو الى استفتاء شعبي لتغيير بعض المواد الدستورية وتحويل النظام السياسي في العراق من برلماني الى رئاسي.