طبيعة التحولات والتطورات السياسية التي تشهدها المنطقة تفرض واقعآ جديدآ لا بد من مواكبته في العراق والتعاطي معه بكل حنكة وذكاء، فالتسريع بالإصلاحات السياسية والإقتصادية وحتى الثقافية والإجتماعية كلها أمور ممكن أن تنزع فتيل فوضى عارمة بدأت بوادرها تلوح في الأفق أو على الأقل تحد من غلواءها وتكبح جماح عنفوانها وتطرفها، فلا مجال بعد الآن أمام حكومة السيد العبادي الذي نال تفويضآ غير مسبوق أن يتلكأ أو يجامل أو يسعى للتسويف والمماطلة والتأجيل لكسب الوقت والإلتفاف على العناصر الأساسية التي لا بد منها في مشروع الإصلاح الكبير&فالتحديات كبيرة والمخاطر جمة&وإستمرار الأوضاع السيئة على حالها وغض الطرف عن رموز الفساد سوف تكون له نتائج وخيمة على حاضر العراق ومستقبله سيما وإن البلد يخوض معركة مصير تتطلب تعبئة وحشد كل الطاقات والإمكانات لهزيمة عصابات مجرمة شرسة، كانت أحد أسباب ظهورها هو الفساد بكل صوره وأشكاله وعناوينه، فالمارد وهو الشعب قد استيقظ من غفوته وخرج من قمقمه&ولم تعد تنفع معه كل محاولات التعتيم والتضليل وعمليات التنويم المغناطيسي التي كانت تمارس بحقه بإستخدام الدين وغيره من الوسائل الأخرى لخداعه ونهب ثرواته.

فالخيار الوحيد المطروح الآن أمام رئيس الحكومة السيد حيدر العبادي هو الإستجابة السريعة والعاجلة للمطالب التي عبرت عنها أطياف كثيرة من المجتمع العراقي، وهي مطالب يمكن تلبيتها قبل أن تتصاعد في سقوفها وتصبح تعجيزية تمس أسس الدولة كما حدث ويحدث في الدول المجاورة،فالإصلاح لم يعد الآن مطلبآ شعبيآ فحسب بل أصبح ضرورة وطنية تقتضيه المصلحة العليا للبلد، ولا يفهم من الإصلاح محاربة الفساد والمفسدين فقط وتقديمهم للعدالة، بل يجب أن يُرَكز الإصلاح أيضآ وبالدرجة الأساس على ترميم&منظومة القيم الأخلاقية للمجتمع العراقي التي تضررت كثيرآ بفعل عوامل عديدة، فالطبقة الفاسدة هي نتاج شعب واظب ويواظب على إنتخابها في كل مرة ويَدفع بها الى سدة الحكم أو مراكز صناعة القرار أو يفوضها لتولي مسؤوليات إدارية وهذا دليل على إن هناك مشكلة حقيقية في منظومة القيم الأخلاقية وهذا ليس مسآ بالشعب العراقي أو إنتقاصآ منه بل هي دعوة لطبقته المثقفة والمؤثرة في توجيهه وصياغة قراراته أن تبادر الى حث الناس على الإلتزام بالقيم النبيلة والإبتعاد عن الموروثات الضارة المتخلفة ومفردات الفساد التي سادت بفعل عمليات التجهيل الممنهج التي&تمارسها بعض القوى السياسية والدينية.

فالفساد في العراق ليس ظواهر فردية ممكن أن تجد لها أمثلة في أعرق البلدان شفافية ونزاهة في العالم، لكنه أصبح عبارة عن مؤسسات وأحزاب وإدارات وأجهزة عسكرية، بل أصبح الفساد مفردة من مفردات المجتمع يتعامل معها يوميآ ويمارسها في الوزارة والدائرة والمدرسة والمعمل والمعسكر وهي حالة خطيرة ودليل على مستوى التردي والإنحطاط الفكري والإضمحلال الثقافي الذي تعاني منه شرائح كبيرة من الشعب العراقي.

لا شك ان تركة السيد العبادي التي ورثها من سلفه نوري المالكي كانت ثقيلة للغاية فطيلة ثمان سنيين عجاف تفككت أطر الدولة وتقوضت أركانها وهُدِرت أموالها وتم الإستعاضة عن قوانينها بقوانين وسنن عشائرية بالية متخلفة أصبح المس بها شيئآ من المحرمات، وإنتعشت الميليشيات وتغولت، حتى أزلام النظام البائد أُعيد الإعتبار لهم وتمت مكافئتهم على حساب ضحاياهم، وتَقلد المُفسدون اللذين يمجدون ويُسَبحون بِحمد الطغات مراكز عالية في إدارة الدولة، علاوة على تكريس مبدأ المحاصصة الطائفية والعرقية.

أمام السيد العبادي اليوم هذه الملفات الكبيرة والتحديات الخطيرة وهو مُطالَب بمعالجتها وإيجاد الحلول الناجعة لها،فهل سيكون أهلآ لتحمل المسؤولية ومواجهة كل رموز وبؤر الفساد والإنتصاف لشرائح الشعب العراقي وقواها الخيرة المطالبة بالتغيير ليصنع له تأريخآ مشرفآ وينأى بنفسه عن كل شائبة؟ أم إن التوافقات السياسية والمصلحية سوف تحبط هِمم الرجل وعزيمته؟

&

[email protected]