منذ إنشائها على يد رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي المعروف بفساده وارتباطه بإيران، التي شكلت وجهته المفضلة عندما اندلعت المظاهرات ضد الفساد الحكومي، وميليشيات الحشد الشعبي لا تأل جهداً في التطاول على مؤسسات الدولة ومحاولة ابتلاعها وتجييرها لصالحها.
بغداد، شهدت الأسبوع الماضي اشتباكاً عنيفاً، بين كتائب "حزب الله العراق" أحد تشكيلات "الحشد الشعبي"، والجيش الحكومي، إثر مداهمة قوة من الجيش للمقر المركزي للكتائب، الواقع في شارع فلسطين شرقي العاصمة. واعتبر رئيس لجنة "الأمن والدفاع" في البرلمان العراقي حاكم الزاملي، أن الاشتباك ناتج عن "سوء تفاهم" في طريقه إلى الحل. بينما يستمر الجيش بمحاصرة مقرات الكتائب الواقعة في حي المهندسين، بعدما قتلت الكتائب جندياً وجرحت ثلاثة، وأسرت 15 آخرين، واستولت على عربات مدرعة من نوع "هامفي" تابعة لفوج عمليات بغداد، بحسب ما صرّح به مصدر من وزارة الدفاع العراقية لوكالات أنباء محلية.
"سوء التفاهم" بحسب الزاملي، نتج على خلفية إقدام مسلحين ملثمين يرتدون زيّاً عسكرياً على اختطاف ثمانية عشر عاملاً تركياً، يشتغلون لحساب شركة مقاولات تركية، تعمل لبناء مجمع رياضي في مدينة الصدر شرقي بغداد. فيما أكدت مصادر وزارة الدفاع حصولها على معلومات استخبارية، تفيد بوجود العمال المخطوفين في مقرات كتائب "حزب الله"، بينما اعتبرت الكتائب الأمر، قضية مفتعلة، من تدبير قائد عمليات بغداد اللواء عبدالأمير الشمري، لاستهداف الكتائب، وتسقيط "دورها الجهادي المقاوم" لتنظيم "داعش" و"الإرهاب الوهابي"، بحسب تصريحات نقلتها قناة الاتجاه الفضائية الناطقة باسم الكتائب. وبحسب الكتائب فإن قوات الأمن والجيش اعتدت على مقرات الكتائب، بعدما قامت الأخيرة باعتقال والي بغداد لدى تنظيم "داعش" المدعو زياد خلف، في عملية بأحد قواطع الأنبار.
تربط كتائب "حزب الله" العملية الأمنية ضد مقرّاتها بمؤتمر للمصالحة الوطنية، عُقد في الدوحة وضم عدداً من الأطراف "السنية" فضلاً عن شخصيات من "حزب البعث". وتشير شخصيات مقربة من الكتائب، إلى دور قطري ضاغط على أطراف حكومية عراقية للنيل من الكتائب و"المقاومة الإسلامية".
قيادات من "الحشد الشعبي" زارت قيادة الكتائب، وأعربت عن تضامنها الكامل معها في وجه "الأعداء والمتربصين بوحدة العراق"، مؤكدة أن "المقاومة الإسلامية" صفّ واحد، بحسب زعيم ميليشيا "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي، التي تشكل مع "حزب الله" العمود الفقري لـ"الحشد الشعبي".
والحال أن الحدث يمكن وضعه في سياق محاولات الميليشيات "الشيعية" للتشويش على المناخ الشعبي الضاغط من أجل محاربة الفساد، ومحاسبة رموزه، والذي تجلى في المظاهرات الشعبية الحاشدة والمستمرة، المطالبة بتطهير المؤسسات الأمنية والتشريعية والتنفيذية والقضائية من الفاسدين. ويُعتبر الحادث تلويحاً من قبل الميليشيات المتنفذة، بإثارة الفوضى في حال طالت اجراءات مكافحة الفساد، مراكز نفوذها العسكري والسياسي، فيما يعتبره البعض محاولة لجر الجيش وقوات الأمن المرتبطة برئيس الحكومة، إلى معركة خاسرة، تهدف إلى تجريد الحكومة نهائياً من أية قوة عسكرية تستند إليها في حربها ضد الفاسدين، كونها القوة العسكرية الأضعف في البلاد، مقارنة بالميليشيات، التي تعاظمت جراء الحرب ضد تنظيم "داعش" والدعم الكبير، الذي قُدّم لها من قبل إيران ومراكز القوى السياسية المرتطبة بها.
حزمة الإجراءات الإصلاحية التي أطلقها رئيس الوزراء حيدر العبادي، طالت عدداً من المسؤولين السياسيين، المرتبطين بتشكيلات "الحشد الشعبي"، ممن يحظون بولاء واسع في صفوفه، وعلى رأسهم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، الذي أقيل من منصبه دون أن يخضع للمحاسبة. وتسود مخاوف لدى هؤلاء، من اتساع رقعة الاصلاحات لتشمل الكثير من مراكز القوى، التي تطالب التظاهرات الشعبية بضربها، سيما في جهاز القضاء، مدعومة بغطاء معنوي من المرجعية، التي أيدت بلا سقف مطالب المتظاهرين بالإصلاح.
يضغط الحراك الشعبي، على رئيس الحكومة العراقية، لتطهير جهاز القضاء، وإقالة رئيسه مدحت المحمود، المتهم بتمرير أحكام قضائية لصالح جهات سياسية فاسدة، وأبرزها الحكم الصادر عن "المحكمة الاتحادية العليا" التي يرأسها المحمود، بتكليف نوري المالكي بتشكيل حكومته الثانية، بعد خسارته للأغلبية النيابية بفارق طفيف لصالح إياد علاوي بانتخابات العام 2008. والغائه بأحكام قضائية، بعض قرارات مجلس النواب، ذات الصلة بأمور الموازنة العامة، وحصر صلاحياتها بنوري المالكي، المتهم بتبديد أكثر من ترليون دولار خلال فترة حكمه.
تثير مطالب تطهير القضاء مخاوف واسعة من ردود أفعال قمعية، قد تلجأ إليها ميليشيا "الحشد الشعبي"، التي عبّرت في بيان لها، عن دعمها اللامحدود للقضاء العراقي، ورئيسه مدحت المحمود، وذلك بعد أيام من زيارة قامت بها قيادات "الحشد" لرئيس جهاز القضاء.
يعتبر البيان تحصيناً للقضاء الفاسد من قبل "الحشد الشعبي"، وذلك لتحصين السياسيين الفاسدين من المحاسبة القضائية. فمطلب تطهير القضاء وإعادة هيكلته يشكل العمود الفقري لإصلاح المؤسسات، ومحاكمة الفاسدين واسترداد الأموال المنهوبة، فيما يتجه معظم القيادات الشبابية للحراك نحو التصعيد، لا يستبعد العصيان المدني كخطوة قريبة.

هشام منوّر... كاتب وباحث
&