قبل سنوات، حصلت على الجنسية البريطانية وكانت فرحتي لا توصف، شعور اي انسان حصل على حريته في الحركة خارج اطار محدود. واصبح لهذه الفرحة نتائج عملية حين هجر والداي دمشق هرباً من الموت إلى أميركا، حيث مكنني جواز سفري البريطاني من السفر إليهما ثلاث مرات على التوالي. لكن الفرحة لم تكتمل عندما صدر قرار اميركي بضرورة الحصول على تأشيرة زيارة لحاملي الجنسيات الاوربية اذا ما كانت أصولهم سورية وعراقية وسودانية وايرانية، أي أولئك الذين ولدوا فيما اسموه بمحور الشر سابقا وما اصبح يعد ارض الارهاب. بدأت بتعبئة طلب التأشيرة ذا العشر صفحات بالاضافة الى تحضير الاوراق الثبوتية لتقديمها مع الطلب و اخذت موعداً للمقابلة في السفارة الاميركية.

في يوم المقابلة ذهبت بكامل الجاهزية، حيث وصلت السفارة قبل موعدي، ففوجئت بطابور طويل من جنسيات مختلفة، جميعنا كنا في كامل اناقتنا املاً في اقناعهم بأننا لسنا ارهابيين بل اناس مثلهم. تم تفتيشنا بالكامل عند المدخل ثم اعطينا ارقاماً و طلبوا منا ان نجلس وننتظر حتى يظهر رقم كل منا على الشاشة. كنا حوالي الثلاثمائة شخص ورقمي ١٦٦، "يا الهي عليّ الانتظار، ١٦٦ شخص قبلي" هكذا حادثت نفسي بدهشة وخشية من طول الانتظار. لم اعرف كيف اقضي هذا الوقت في الانتظار فلفت نظري شاب اوروبي و فتاة نيجيرية يجلسان امامي، بدأت هي بالحديث معه و بادرها بنفس الاهتمام، شغلني حديثهم وهما يتقاربان من بعضهما الى ان طلبت منه رقم هاتفه، هنا شعر هو بالاحراج وبدأ بالتململ. هل فعلاً الرجل، سواء كان شرقياً ام غربياً، يفضل ان يكون هو من يبادر؟ وهل يسحب اعجابه بالفتاة التي تأتيه بسهولة؟ جاء دوري وانا احاول ان اجيب على هذه الاسئلة. ركضت الى شباك المقابلة والارتباك بدا على وجهي، ماذا لو لم امنح التأشيرة؟ كيف استطيع زيارة والداي؟ ماذا لو احتجتهم؟ ماذا لو حدث طارئ لهما وحرمت من رؤيتهما؟ كيف لنا نحن الشعوب المقهورة ان تتحول اقصى احلامنا الى الحصول على تأشيرة او اقامة او جنسية. سألني بعض الاسئلة واجبته محاولة اقناعه اني لم اؤذ نملة في حياتي ولم اخالف قانوناً واحداً واني ارمي النفايات في سلة المهملات، انا لن اوسخ بلدكم ولن اطلب منكم المال، اريد فقط رؤية والداي. بعد صمت طويل وبحث في تاريخ حياتي سألني عن نشأتي في سوريا ولماذا تركتها ولماذا انا هنا. في النهاية جاءت الموافقة ومنحت عشر سنوات من حرية السفر، نعم عشر سنوات لزيارة الاهل. التفت حولي باحثة عن الاوروبي والنيجيرية، يبدو انه تخلى عنها فكانت تجلس وحدها ويبدو ان الرجل فعلاً يفضل ان يحصل على فتاة بعد جهد طويل. نظرت الى شركائي الثلاثمائة، بعضهم كان يتململ والاخر متعباً من طول الانتظار وعدد ليس قليلا حزين لأنه لم يحصل على مبتغاه وآخرون بدت عليهم ملامح الخيبة لان البت بأمرهم أجل بسبب نقص في الاوراق او طلب منهم اعادة الطلب. ودعتهم بنظرة كلها فخر، كيف لا فقد نجحت في اختبار الارهاب!

اختبار الارهاب وسؤال لماذا يمارسون معنا كل هذا اصطدم بأسئلتي حول الشابين البريطاني والنيجيرية، هما يشبهان طباعنا ونوازعنا، فلماذا يرانا الاخرون مختلفين، ولماذا لم نستطع نحن أن نقدم أنفسنا بشكل لطيف ومحترم.