الراوي الضخم!
&تقدم ك فيل منفعل، جعل يضرب ارض(الچاي خانة) بخطى ثقلية،مبعثرة وعاجلة،توقف ما ان بلغ المقدمة، تراءى يعدل من هياجه ؛فسوّى ياقته، ثم تلقف كرسيا صغيرا اقتعده، في مشهد درامي لكن مضحك، تساءل كعادته " ها يابه،شكو ماكو "،ثم طفق يجيب بنفسه على سؤاله اللغز ؛ اي يروي بلا تمهيد حدوثته،فنبس ب:"مِنْ عجائب عراق هذا الزمان". ابتلع ريقا ماان شُدِّت العيون اليه،وفاض كمن يفرِّج عن كرب :" من العجائب..إنْ قامت يا كرام رقيقة الرافدين نادية مراد كطائر الفينيق،منبعثة الروح من بين انقاض وتداعي (العراق الداعشي)،حتى حصدت لدى (قيامتها) هذه،(سفارة النوايا الحسنة )،لكن (نوبل للسلام) خيبت الظنون..".
&
" بلى!".هز السارد البدين ارجاء القاعة الصغيرة ب"بلى!" واضاف: " قامت السبية الفاتنة،مستجمعة قواها واشلاء روحها،من بين ركام وانهيار وتشظي العراق،دولةً ومجتمعاً وتاريخاً وخُلقاً وشرائعَ وادياناً وانسانيةً،وارتفعت ك قامة (مدنيات مابين النهرين)عاليا". خفّض الرجل بضعا من ثورته ووضح :"..لا بل انتصبت ك منارة،وسط تدني عراق القيم والحضارة، الى قاع (نزاع البزون والجريدي) ".
&
عاد السارد يستطرد فائرا في حكيه او قل يهذي : "إذ ساس في العراق،و قضى وافتى ونظّر وشرّع، من هو احط دراية وفهما وخلقا من( القره قوش)،وابطش من (الحجاج) او(صدام)،واغدر من (الكوفيِّ) نسبة الى الكوفة،واجبن من (هجرس)".رجع الحكّاء البدين عن حشوه،واصل ب ملامح من عزيمة ادلاءاته :"بل قل سطعت الرقيقة العراقية، مستنكرة تمادي (القوميات المنتصرة )،هاتكة (الدِين الغازي)،القاتل، (المُصطحَب ) ب الجمرة الطائفية الخبيثة، هذا الدين المُفاقَم ب(هوية دموية) مستبدة، بل ساعية في استبدادها، الى تذويب وإلحاق بل إنهاء مفاعيل عداها من هويات،بآفة (التبشير الجهادي)،المُستصنَعة اصلا لمباغٍ (اقتلاعية)؛خاصة وشائنة".اضحى يفرغ الهواء المتراكم،من حوصلته على دفعات، ثم واصل كلامه مبتسما ؛بل ملتزما بهدوء غريب:"في معمان هذي الاثناء القاتلة، وتلك المُبرَكنة شعت الحياةُ مجددا في نادية مراد، التي كانت استرقت بمعنى استُئصِلتْ من جذورها بالنقمة الداعشية ؛حيث قيض لهذه الفتاة(المتجاوز على آدميتها)، ان تلملم شظايا ذاتها المبعثرة بتحد مُستميت،وتنتصرعلى مقتوليتها وقاتليها،ما إن انعتقت من السطو الداعشي المبارز باسم ( الاسلام)،بخاصة حين ازمعت وبجسارة تحسب لها،ان تستقوي بالحضارة العراقية، وان تنتصر لنفسها وسواها من المستضعفين والمنهارين ؛بل المبادين ولترابها الوطني،ولم يؤذِ وجودها المشع بعد انبعاثها الجديد ". تثاءب المتكلم وهو يضيف:"لم يؤذها جحود هيئة نوبل ".
&
نظر الى سقف قاعة (الچاي خانة ) بتذمر، واكمل متهكما : "صحيح ان الامم المتحدة انتقتها (سفيراً للنوايا الحسنة)"،لكن هيئة(نوبل للسلام) تنكرت ياكرام لمغبونيتها و(قيامتها)، وخذلت تنكب المُستعبَدة العراقية الشخصي بالرق، بعد تفهّم تعرضها (الفردي والجمعي)،للجز والمحو والاقتلاع ثقافيا واجتماعيا وانسانيا"!. سكت القاص قليلا ثم فصّل: "ف نادية التي تلطخت انوثتها باختام داعش، وتلوثت روحها البكر بالاغتصاب والتجاوز،وعُرِض جسدها الفتي،النقي باجازة من (الدين الحنيف)،وبذريعة الاختلاف، في اسواق النخاسة والبغاء والمجون الداعشية،بعد التمثيل ؛وايما تمثيل على مرآها ومسمعها بروح وبدن والدتها،وبعد إبادة عائلتها بل قريتها (كوجو) كلية،وغزو( شنكالها وشيخانها)،وترويع السكان الآمنين بالذبح كالخراف،والحرق احياء كانوا او اشلاء،وفرض الاسلمة بمعنى؛ التدعيش (إكراها) على ايزيدييها، وسبي الحرائر والمحصنات منهم ك حظايا و(ملكات يمين) وتجنيد الاطفال والقصر او دعشنتهم،وبعثرة ديموغرافية الاقليات".غص صاحبنا بالبكاء وتحشرج يروي: "ناديا التي تجسد اليوم المرأة المسترقة،وتستحضرالعراق المنتهك،وتنوب عن الاقليات المبادة،وتستصرخ الانسانية اينما حلت او ارتحلت، لدفع الإيذاء بل الإبادة عن عراقها واقليات هذا العراق،تُخَصُّ اليوم ب ( النوايا الحسنة )،وتوسَم بامتناع (نوبل للسلام )عنها ".
&
شخّصَ الحكواتي في حضوره القليل ثم تساءل والتهكم يسبقه" اي سلام كان يمكن ان تجتلبها الجائزة (النوبلية) للسلام،واي سكينة سوف تبثها (سفارة النوايا الحسنة)".
&
ارتعدت الاسئلة في اعماقه وتلاحقت زفرات الهواء الخارج من رئتيه فاكمل: "هل كانت (نوبل) ستزيل عن نفس هذه الصبية المنتهكة (العقد الداعشية)،اوتبعث الروح في امها المراق دمها،او تحيي قريتها المُبادة سبيا وحرقا وخنقا ومقابر جماعية،عن بكرة ايزيدييها، ثم..(النوايا الحسنة) هل تدفع سفارتها الابادةَ ك جرم مستمر عن بني جلدة نادية وسائر اقلياتها اوعلى الاقل توقفها، هل تحيي عظام مَنْ في المقابر الجماعية، وتزود من ركب موج التهجير والنزوح بالأمن،فيُغمَر النازح او المهاجر القسريان،بحنين العودة،هل تحث السفارة (التشريفاتية) القوى الدولية والعراقية والاقليمية،على استحداث صيغة توافقية تعنى بالاقليات وحقوقها،وتستبطن ضمانات تنفيذية جادة ومكفولة امميا،وهل كانت ( نوبل السلام ) ستوفر ل روح نادية القلقةِ، الطمأنةَ مجددا الى الجار الجاحد (المستقوي بالدين ) عربيا كان ام كرديا،وهي تعلم علم اليقين، ان (حجارة الچبيرة.. من الجار القريب ) ". بلل الراوي ريقه بشربة ماء من كأس امامه وساءلَ:".. ثم (النوايا الحسنة) أليست سفارة (خلبية )،بلا مفعول..والّا هل تلزِم القيادةَ الكردستانية،بضرورة اعلان الاسباب الكامنة وراء تقديمها(شنكال النائمة)، وجبة فطورصباحية،شهية لامعاء داعش الهارسة". استأنف الحديث واللوم يطغاه : "كان على نادية،التي عبرت عن رغبتها في احدى الجامعات المصرية،بدراسة التاريخ،ان تستخلص العبر من مقولة "الزير سالم "حين قال (اريد كليبا حيّا )،وترفض من ثم (الكرسي الاممي ) غير ذي الجدوى، وكذلك الجائزة الدولية، وبعبارة ادق كان عليها ان تسخط في وجه الهيئتين الاممية و (النوبلية) وتجزم:&"اريد قريتي(كوجو) حية، حاضرة ب بشرها وشجرها وحجرها بلا نقصان.. اريد شنكال ماقبل (داعش) وعراق سومر وبابل وآشور وميديا".
تأوه المُحدِّث: "لكنها لم تفعل!". باعد عن خده دمعة، وراح يفسر:"اعني؛ نادية غفلتْ".أزاح جثته الكبيرة عن المقعد الصغير، كي يغادر مجالسيه، تاركا (حكايته) مفتوحة على الالم والابادة، مضى خطوات ك ملسوع،ثم توقف عند الباب،ارتجفت شفتاه ونطق بلكنته العراقية :" (حچاية الابادة.. مالها نهاية..مالها نهاية!.) " ثم..تسلل بلا ادنى وداع الى الخارج.
&