&مرة اخرى تقع بعض الدول العربية في سوء التقديرات لحجم المشكلة، ومرة أخرى تخلط بين العراقيين كشعب والعراق كوطن وبين موقفها من نظامه الحاكم، فالتغاضي عن الوجود التركي في شمال العراق واهمال المشكلة هو أمر في غاية الخطورة على أمن وسلامة الدول العربية لاسيما المجاورة للعراق، فما يجري في هذا البلد سيتم تعميمه على المنطقة العربية برمتها، وتركيا الأردوغانية تنظر الى جميع الدول العربية بانها مارقة ويجب إعادتها إلى بيت الطاعة العثماني.

لايمكن تبرير الوجود التركي بالوجود الايراني، ومن السذاجة ان يتصور البعض ان أنقرة ستحقق توازن طائفي مع طهرن بما يسهم بوقف تمددها والحد من نفوذها سواء في العراق أو المنطقة، لان هاتين الدولتين لهما الأطماع ذاتها وتمثلان الخطورة نفسها على العالم العربي، فضلا عن إنهما لن يدخلا في صراع بينهما ابدا من أجل اي دولة عربية، فهما متفقتان أصلا على مناطق وحدود نفوذ كل منهما ولن يتجاوز اي طرف على مناطق نفوذ الثاني.

فإيران سمحت لتركيا بالاستحواذ على الموصل وكركوك وسرقة نفطهما والتعامل معهما وكأنهما محافظتين تركيتين يديرهما القنصل التركي في الموصل من خلال عائلة النجيفي وعائلة ومليشيا مسعود بارزاني قبل دخول قطعاتها العسكرية واستقرارها في بعشيقة بنحو 8 سنوات، وردت أنقرة الجميل بعدم تجاوز الحدود المرسومة لها ولم تتحرش بالنفوذ الإيراني في المدن والمحافظات المجاورة مطلقا.

السكوت عن الوجود التركي أو الشماتة بالعراق لايبرره الخلاف مع الحكومة العراقية أو ولاء بعض الاحزاب الدينية لطهران، لأن الرضا أو الرضوخ للأمر الواقع المتمثل في تقاسم الأرض العراقية بين الإحتلالين التركي والإيراني هي وصفة سريعة لتقسيم هذا البلد وضياعه واذا نجح مشروع التقسيم في العراق فسيكون بداية الانطلاقة الى المنطقة العربية برمتها، ولن ينفع البعض محاولة التخفي أو خداع النفس بكلام وشعارات عن التعايش والتربية الوطنية أو القومية لشعوبها واختلاف وضعها وتركيبتها الديمغرافية عما هو موجود في العراق لان هذا الكلام أثبت عدم صموده على أرض الواقع وانهياره أمام أول تجربة لاختبار التعايش بين شعوب المنطقة.

النظامان الحاكمان في طهران وأنقرة كلاهما يحلم بإعادة (امجاد) الأمس ويعتقد ان له حق (إلهي) في الدول العربية التي يعتبرونها (ولايات) إقتطعها الاستعمار الاوروبي منهما ويجب إعادتها الى (الوطن الأم). وهذان النظامان عادا الى إستغلال ذات الشعارات والإنقسامات الطائفية والاثنية والقبلية في العالم العربي التي استغلها من قبل اجدادهم الصفويون والعثمانيون في البقاء جاثمين على صدورنا مئات السنين وكانت السبب الرئيسي في تخلفنا وفي الفجوة الحضارية العظيمة بيننا وبين العالم، والتي تسبب إعادة إحيائها وانتاجها اليوم بكل هذه الكوارث التي باتت تهدد وجود دولنا كما تهدد حاضرنا ومستقبلنا.

بعد عام 2003 تغاضت الدول العربية عما يحصل في العراق الى درجة الإهمال، وأستمر هذا التغاضي حتى أدركت ان الخطر بات على أبوابها، لكنها عالجت الخطأ السابق بخطأ أكبر لاستخدامها ذات الوسائل التي استخدمتها طهران في مد نفوذها وهي العزف على اوتار الطائفية ومحاولة مذهبة السياسة والدولة وكان نتيجتها ان النفوذ الإيراني أصبح أكثر قوة وتمددا في المنطقة، والجماعات السنية المسلحة التي اُريد لها ان تكون معادلا للمليشيات الإيرانية تحولت الى جماعات إرهابية تهدد وجود الدول والمجتمعات العربية، واليوم يُرتكب خطأ أكبر اذا تم التغاضي عن الوجود التركي في العراق، فهذا الوجود سيتقوى ويتغول ويسيل لعابه إلى دول عربية أخرى وحينها لن تكون هناك امكانية للعودة الى وراء وتصحيح الخطأ.

[email protected]