&
البريطاني جاك غودي المولود في لندن عام 1919 هو من أقدم علماء الأنثروربولوجيا لا في بريطانيا وحدها وإنّما في جميع أنحاء العالم. وتتوزّع دراساته على مجالات مختلفة تتصل بالعائلة، وبفنّ الطبخ، وبالتنظيم الإجتماعي للمجتعات الإفريقية والآسيويّة. وقدترجمت مؤلفاته ذات المستوى العلمي الرفيع مثل "منطق الكتابة، و"الشرق في الغرب"،و"تدجين الفكر المتوحّش"، و"الإسلام في أوروبا:تاريخ وتابدلات وصرعات"، الى العديد من اللغات، لتحظى بنجاح واسع على المستوى العالمي. كما أنها باتت مراجع أساسيّة في كبريات الجامعات الغربيّة، وأيضا في اليابان، والهند، والبرازيل، والمكسيك وغيرها. وفي كتابه المثير للجدل:”سرقة التاريخ:كيف فرضت أوروبا تاريخ ماضيها على العالم؟"، هو يقدّم تصورا ذكيّا وجريئا للتاريخ مغاير تماما لم تعوّدنا عليه في مؤلفات كبار المؤرخين وعلماء الأنثرويولوجيا الغربيين. وهو يقول: ”شرعت أوروبا في الهيمنة على العالم في بداية القرن الخامس عشر. وقبل ذلك، كانت مُتخلّفة بالنسبة للشرق في عدّة جوانب ومجالات، خصوصا بالنسبة للصين التي ظلّت البلد المهيمن عالميّا على مستوى التصدير حتى القرن التاسع عشر. وعندما عرفت إنفجارها الإقتصادي والثقافي، بفضل البارود الصيني، تمكنت أوروبا من أن تحقّق توسّعا على المستوى العالمي، ليس فقط من خلال غزو بعض المناطق، وبعض البلدان، وإنما على مستوى الزمن(الزمن المتوسّط لغرنويتش)، وعلى مستوى الفضاء". ويضيف جاك غودي قائلا بإنّ أوروبا لم تكتفي بذلك، بل فرضت نفسها كوريثة شرعيّة وحيدة ومباشرة للعصور القديمة باعثة للوجود مجتمعات جديدة قائمة على المنافسة الرأسماليّة. وقد أنجزت ذلك يكثير من الغطرسة، والعنف، مُهْملة الإنجازات التي حقّقتها بقيّة بلدان العالم. وانطلاقا من القرن التاسع عشر، بدأت أوروبا تفرض نفسها وآراءها على بقيّة العالم، وتكتب التاريخ بحسب أهدافها ومصالحها السياسية والإقتصاديّة والثقافيّة، رافضة أن تكون الصين على سبيل المثال لا الحصر، قوّة للتطور والتقدّم حتى عصر النهضة. والحال أن أوروبا كانت قبل ذلك العصر، أي عصر النهضة، منهمكة في الحروب الدينيّة، وغير معنيّة بالإكتشافات العلميّة. أما الصين فقد كانت تبيع الحرير، والخزفـ لجميع البلدان".
ويرى جاك غودي أن الديمقرطيّة ليست"إختراعا أوروبيا". وموضّحا ذلك هو يقول: ”الديمقراطيّة والإستشارات الشعبيّة كانت موجودة في العديد من المجتمعات القديمة. ولم تكن اليونان المثال الوحيد. وقد استولى الغرب على مبادئ الحريّة، والفردانيّة التي كانت متوفّرة بأشكال مختلفة في مجتمعات أخرى. وكانت المجتمعات البدائيّة تستشير الشعب عندما يتعلّق ألأمر باتخاذ قرار هامّ. هكذا كان الحال بالنسبة للمجتعمات المركزيّة التي لولا إهتمامها برأي الناس لواجهت مصاعب في مسألة الحكم. وعلى المستوى المحلّيّ، سواء تعلّق الأمر بالقرية، أم بالمدينة، كانت المجتمعات التي توصف ب"الإستبداديّة" في آسيا تحكم غالبا بطريقة ديمقراطيّة. وكانت قرطاج ديمقراطيّة. وفيها كانت الإنتخابات سنويّة. حتى في البلدان الإفريقيّة كانت المجتمعات البدائيّة تأخذ الإستشارة بعين الإعتبار، وتطبّقها بجديّة. لذلك أنا أرى أن الغرب مخطئ حين يفرض على العالم بأسره نظريته التي تقول بإن الديمقراطية موروثة عن الإغريق فقط".
وعن التحولات الكبيرة التي شهدها العالم خلال القرن العشرين، يقول جاك غودي: ”أعتقد أن أهمّ حدث عاشه العالم هو الحرب الكونيّة الثانية، ليس فقط لأنها كانت المؤثّرة الكبرى على شخصيّتي، وتكويني، وإنما لأنها أحدثت تغيّرات هامة على المستوى العالمي. فشيئا فشيئا فقدت أوروبا نفوذها في إفريقيا وبقية العالم، ووجدت الولايات المتحدة الأمريكيّة نفسها في وضع القوة المهيمنة. ثم جاءت العولمة. وعلينا ألاّ نغفل عن التطور الهائل الذي تحقّق على مستوى النقل الجويّ، وعن تأسيس منظمة الأمم المتحدة. أما الحدث المركزي في نظري فهو نهضة الصين والهند عقب فترة الهيمنة الإستعماريّة المديدة".