&
لا يخفى على الجميع ان اغلب دول المنطقة، تصنف ضمن الدول الفاشلة، وأسباب فشلها عديدة ومنها العدالة الانتقائية، وعدم استقلال القضاء، والتنمية المنقوصة والاقتصاد المنهار والانفلات السكاني والأزمات السياسية المتتالية والتي لا تجد لها أي حل الا بترحيلها او تاجيلها او خلق أزمات أخرى.
في مقالة سابقة أوضحت بعض الأسباب الداخلية والمتعلقة بذات المجتمع الكوردي والتي تكاد تمنع إقامة دولة كوردستان، ما لم يتم معالجتها ومنها سيطرة رجال الدين والعشائرية وما يتفرع عن هذه الامرين. الا ان قيام دولة ما يتطلب دراسات كثيرة تتعلق ببنية المجتمع والجغرافية والاقتصاد والقانون وغيرها من الأمور الهامة لقيام الدولة.
في الآونة الأخيرة دعا الأستاذ مسعود البرزاني الى استفتاء لا يلزم سلطات الإقليم قانونيا، لتبيان ميول أبناء الإقليم حيال طرح مسألة الاستقلال وإعلان دولة كوردستان. وباعتقادنا ان هذه الدعوة تحمل في طياتها رسائل داخلية تتعلق بالاقليم والازمة السياسية والاقتصادية التي يمر بها والتي لم يجد لها حلا ومنها مسألة رئاسة الإقليم، فهنا يعمل السيد البرزاني لحشد الكل خلف شعار واحد متجاوزين الازمة السياسية على الأقل ومانحين شرعية لاستمرارية حكم السيد البرزاني. ورسالة عراقية بمعنى انه مستعد ان يذهب بعيدا وبيده ورقة رابحة وهي رغبة سكان الإقليم، ما لم تستجب السلطة في بغداد الى مطالب الإقليم في توسيع الصلاحيات والنسب التي يستحصل عليها من الميزانية المركزية. ورسالة للعالم أيضا تقول ان الناس عموما مع الرغبة في الاستقلال والتخلص من أزمات العراق المتعلقة في الغالب بالمنطقة وامتداداتها في العرق. وعلى العالم ان يأخذ هذه الرغبة بنظر الاعتبار، وخصوصا ان تركيا الد أعداء قيام الدولة الكوردية، منحت نوع من الضؤ الأخضر او أبدت لا مبالتها بذلك لو تم ضمان مصالحها ومصالح التركمان في العراق، حينما اكدت على عدم قبولها بقيام أي فعل كوردي غرب الفرات. بما معناه ان شرق الفرات امر محسوم.
كما انه على المستوى الدولي لم يعد ذلك كفرا سياسيا، فهذه ارتيريا استقلت عن اثيوبيا وهذا جنوب السودان استقل عن السودان، اذا، اذا كان الحل بالاستقلال، فلا نعتقد ان هناك اعتراض او معارضة من القانون الدولي، المعارضة او الاعتراض تاتي من المصالح، ماهي المصالح التي سوف تتحق للكثير من الدول من قيام دولة كوردستان ؟ واذا أتينا على ذكر ارتيريا وجنوب السودان، فلا بد من التنويه بان الاستقلال لم يحل مشاكل السكان في الاقليمين المستقلين، أي نعم رفع العلم وصار حزء من المجتمع الدولي، الا ان البلدين يعتبران إضافة ارقام على الدول الفاشلة، ليس اكثر.
اذا كان الاقتصاد والبنية التحتية تنميان وتتطوران بمرور الزمن، أي ان مرور الزمن من المفترض ان يضيف للاقتصاد موارد اكثر وللبنية التحتية تطورا افضل وارسخ، الا ان البنية القانونية والاجتماعية يتنبأن بما سيواجه قيام الدولة. فالدول الغربية وخصوصا الاوربية، ورغم نشوء اقتصاد متطور وبنية تحتية جيدة، الا انها بقيت تواجه خطر التفتت والحروب الداخلية ومع جيرانها، لحين التوصل الى حلول لمشاكلها الدخلية، من تبني النظام الديمقراطي العلماني والغالب الفدرالي او توزيع الصلاحيات بين المركز والاقاليم والذي يساوي بين الافراد بمختلف ميولهم الدينية، والذي جعل مقياس الانتماء هو المواطنة فقط، بغض النظر عن الدين او العرق او اللغة او اللون او الجنس. هذا وأيضا الاعتراف بحق الأقليات او المكونات القليلة العدد بالتواجد والضمان لها بالمشاركة الفعالة والغير المنقوصة في إدارة شؤون البلد. من هنا نشأت أجيال لا تشعر بالغبن او التمييز وخصوصا بعد ثورة الشباب في نهاية الستينيات من القرن الماضي والتي قلب المفاهيم الاجتماعية ووسعت مفهوم الحريات الى مدى كبير.
على ضؤ ما قلناه أعلاه، فاننا نجد ان اعلان دولة كوردستان، وبالرغم من الإيجابيات التي يتمتع بها الإقليم عن بقية مناطق العراق، لن يضيف دولة بمفهوم الدول القائمة على العدل والحقوق والقانون. بل ستتعرض لمشاكل كثيرة، قد تجعلها تتخبط وتتحول الى ما يشبه الدول المستقلة حديثا مثل ارتيريا وجنوب السودان. فبالاظافة الى ما قلنا في مقالنا السابق والمعنون ب( معوقات تقف أمام استقلال الكورد) فأن مسألة مشاركة الاخرين والذين تم تغييبهم او تحويلهم الى ديكور لتجميل الصورة، هي امر مهم لاستقرار ووحدة المجتمع خلف هدف واحد. ان مسألة تسمية الإقليم بكوردستان قد تكون مثار جدل وخصوصا من الاشوريين والتركمان، وهو حق لهم، ان شعروا ان التسمية تعني تهميشهم، ولكن بالإمكان سياسيا تجاوز ذلك من خلال ضمانات دستورية وقانونية وممارسة فعلية في المشاركة الفعالة في بناء مستقبل الإقليم، وهذه المسألة مهمة لاطفاء القنابل الموقوته التي يحاول البعض التغطية عليها او تناسيها او تجاهلها، معللين النفس بزوال المكون الاشوري من خلال دفعه الى الهجرة او خلق انقسامات تسموية فيه ودعمها، انها قد تغطي على الفشل مؤقتا ولكنها لن تحل المشكلة.
ان تجاوز انقسام المجتمع ولو من خلال اغلبية كبيرة واقليات قليلة، مع تجاهل أسباب تحولها الى أقليات، يعني عدم الرغبة الحقيقة في الاستقلال، فالاستقلال لم يكن ابدا لذاته، وخصوصا بعد ان خرج الكثيرين من طور الرومانسية القومية، ان الاستقلال هو لتحقيق وتثبيت وممارسة حريات وتطلعات كان الوضع السابق يقف حائلا دونها. ولذا فاننا ندعو قيادة الإقليم مرة أخرى الى خلق اليات حقيقية لتبلور راي مستقل ومعبر حقا عن تطلعات المكونات الغير الكوردية، وضمان مشاركتها في القرارات المستقبلية المتعلقة بشأن الإقليم. لان الإقليم يضمهم جميعا وهو موطنهم جميعا ومستقبله يهمهم جميعا ولكن لهم وجهان نظر أخرى وقد يكون لهم مفاتيح أخرى لحل ازماته.