(إن كنت حقاً تشكو العطش، فعليك إتمام كأسك من شدة إحتدام العطش)
&
أعزائي القراء.. دعوني هذه المرة أنأى الطرف عمّا دونته من مئات المقالات بما فيها من القصائد باللغتين العربية والآشورية على مدى خمسة عقود من الزمن، وبما شملت واحتوت من موضوعات خصت التربية والتعليم واللغويات والأدبيات والعموميات والنقد البناء، لأخص بالذكر الواقع السياسي المتردي الذي نعيشه اليوم ولا من منقذ حكيم أو مصلح بليغ ومفكرصنديد بهداهم مقتدون، بالرغم من آلاف المقالات التي اكتسحت المواقع الألكترونية بتواليها يومياً إلى جانب الصحافة الورقية والقنوات الإعلامية المكتضة ببرامجها المتشابكة بالتحليل والتصريحات لمعالجة الأوضاع الراهنة في مجتمعاتنا الشرق أوسطية المبتلية بالتوتر الأمني سياسياً، وبالفقر المدقع إقتصادياً، وبالقلق المفزع نفسياً وبالإنتهاكات والتجاوزات والهجرة الداخلية إجتماعياً من جراء المحاصصة الطائفية المقيتة والإقليمية المذهبية القاتلة التي جعلت الثروات النفطية والطبيعية الأخرى قبلة المستطمعين من أبناء الوطن أنفسهم لمنافعهم الشخصية ولتلك الدول النفعية التي أقدمت على إختلاق ونشر بذور الإتهامات والمشاحنات والتهديدات والتأويلات بغية نشر آفة الصراعات للتدخل المباشر بتبريرات تعكس مضامينها مساندات الدول الغربية للتحالف، والإقليمية منها إن كانت عربية وغير عربية داعمة لما تعنيه وتستهدفه الدول النفعية. & & &&
هذا ما عشناه ولا زلنا نعيشه في مواطننا الأصلية التي من جراء تلك المطامع والمفاسد اللاشرعية أردت الملايين من مكونات الشعب الرافديني ودول الجوار في مهوى رياح دول الشتات لتنقل وأياها من ايضاحات وتعليقات وتوضيحات تجسد ما يُنشر، الشبيهة منها بالرذاذ، والأخرى بزخات المطر الكثيف التواصل، ناهيك عن المداخلات التي لا تليق بالمفهوم اللغوي نحوياً وقواعدياً واسلوبا، بمداخلات لا تفي بالغرض المحتم الذي من المفترض أن يجدي نفعاً، لأسباب تفرضها من يقدس مقولة " إن لم تكن معي فأنت ضدي ". فإن كان منطق مثقفينا وواعينا من رواد فكرة هذا الإسلوب الممتعض، كيف بنا أن نقترب من البعض لإنهاء عقد " الأنا " المشؤومة؟!. وكيف بنا أن نحقق مفهوم التفاهم والتقارب إن كان كل واحد يسرح في وادٍ؟! &حيث يتبين لنا ويتضح بشكل جلي أن الغالبية العظمى من تلك المناوشات والتحديات تعالج الأمور السياسية التي إبتلت بها البلدان العربية ودَوْر مواقف سياسة الحكومات الغربية منها، على وفق خاص ومتميز بقطبيّ البُعبُع الأمريكي والروسي ودول التحالف الأوربي لبوءات البُعبُعين مخافة من طيفها المرعب، إضافة لدول العالم الثالث التي ترضع من أثدائها، لتؤمّن ديمومة وجودها بمعيشة الكفاف من الرزق على مقدار الحاجة.
اقولها بكل صراحة وثقة متيقنة، إن كانت البلدان أو الأوطان العربية التي تزخر أراضيها بالعديد من الثروات الطبيعية التي تعادل عطاءات كل واحدة منها موارد عدة دول مجتمعة، &قد استيقظت من سباتها وتكاتفت تحت شعار الوحدة الوطنية أو الإنتماء القومي المشترك لفرضت نفسها كقوة ثالثة تضاهي القوتين الأمريكية والروسية، مشكلة قوة مغرية وفاعلة تكتسب الصين واليابان ومن دول الغرب إلى جانبها. ولكن العلة الرئيسة تكمن فيمن يظنون بأن كراسي الهيمنة السلطوية هي من لدن الخالق يتوارثها الأبناء عن الآباء والأجداد، أو التسلسل الوراثي الإثني والعشائري القبائلي والإنتماء الطائفي، لا كما هو متعارف عليه في بلدان الديمقراطية والعدالة الإجتماعية لكل فرد من أفراد المجتمع. وهنا يفرض التساؤل نفسه، كيف يمكن أن يكون الأمر كذلك إن كان الوارثون يتمنهجون خارج مشيئة الوحي الإلهي بالتطبيق الشرعي؟! وهل بالإمكان أن يساير الشعب مصالحهم الذاتية وهم يسرحون ويمرحون في عالمهم الخاص؟! هذه مسألة فيها وجهة نظر تفرضها مفاهيم المنطق الإنساني في حال إن كان أبناء الشعب الواحد سواسية أمام القانون وفق الدساتير المرعية، ووفق ما تضمنه الحديث " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"، " و" الناس متساوون كأسنان المشط " وغيرها من الأحاديث المشابهة لذات المفاهيم. فأين نحن اليوم من تلك الرعاية، ومن ذلك التساوي وفق مبادئ الشرع والقوانين المرعية؟! أليس هذا التعامل والتجاوز خارج نطاق إرادة الله والأنبياء؟! ناهيك عن ما سَنّ مُشرّعو الدول من مبادئ حقوق الإنسان لحماية الإنسان والبشرية جمعاء. فإن كان تصور المتسلطين والمهيمنين عكس ذلك، فليرشدونا لطريق الصواب بناء لتصوراتهم المكبوتة في دائرة الذات، عسى أن يحل الأمن والسلام والمساواة، لا أن يستعينوا بعناصر الشر التخريبية التي تدركها الجماهير الواعية من خلال حملاتها التظاهرية بين حين وآخر. ليتم قمع البعض منها مباشرة، وترك البعض الآخر تبّح أصواتهم دون تلبية أي مطلب من مطالبهم، كما هو واقع اليوم في بلاد الرافدين، بلاد أول دولة سنّت القوانين وطبقتها ليحتذى بها وعلى ضوئها إلى يومنا الحالي في كافة أنحاء العالم. وحتام يبقى الشعب العربي يتمنطق بقول سبحانه وتعالى " كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين " فإن كان الأمر كذلك فقد نفذ الصبر الذي دام لأكثر من خمسين عاماً، وإن كان على منوال " الفئة القليلة " حقاً، فها هي اسرائيل تنفذ وتحقق ذلك ولا يتجاوز عدد نفوسهم الثلاثة ملايين مقارنة بالشعب العربي الذي عددهم يتجاوز أضعاف الأضعاف عليهم. إذن المسألة ليست بالكثافة السكانية المقصودة هنا، وإنما بحسن النية وقوة الإيمان والثقة المتبادلة بصدق وإعتزاز بكلمة الوحدة والتوحيد، وليس برفع الشعارات فقط والمناداة في مهب الريح، وكما قالها نزار قباني صراحة " نقعدُ في الجوامع.. تنابلاً .. كُسالى.. نشطر الأبياتَ، أو نؤلف الأمثالا.. ونشحذ النصر على عدونا.. من عنده تعالى..." وإن كان أمر الواقع حلّ وتسهيل المعاصي بالإبتهال والتضرع إلى الله، وبهذه البساطة الإيمانية لِما تكالبت شعوب الأرض على بعضها، وتجاهر بالعداء أبناء الشعب الواحد بإختلاف تكويناته الإثنية ومكوناته الحزبية. وعندها لإستجاب الخالق الباري إلى دعاء ملايين المتوسلين من ذوي الإيمان الخالص من المعذبين الذين لقوا حتفهم غرقاً وعلى أقل ما يمكن لدعاء الشيوخ والأطفال الأبرياء، وأولئك الذين تم سبيهم وانتهاك أعراضهم وشرفهم بإسم دعاة الدين الإسلامي الجديد، والإسلام منهم براء، وما شاكل تلك الإنتهاكات والمغالطات حتى من الذين يدعون الرحمة في قلوبهم، وهم بعيدون عنها. إضافة لأولئك الذين يزيدون نار الحقد بأسم الدين بين هذا وذاك بالعلن أحياناً، وأحياناً أخرى تحت ستار السهو المبرمج بتوجيهات مبطنة من سياسات القوى الكبرى.
وهنا لكي أكون حيادياً لا استثني بني شعبنا من المسيحيين بكافة تسمياتهم القومية وعلى وجه خاص &من سكنة بلاد ما بين النهرين من الآشوريين في العراق وسوريا الذين ابتلاهم الظلم والقتل والتشريد منذ سقوط الإمبراطورية الآشورية رغم إيمانهم بالقوة الغيبية الإلهية ولحد يومنا الحالي، ورغم إيمانهم الجلي فيما بعد بالمخلص والإله الواحد، ورغم وعود الرب لهم " ولآشور بركة في الآرض... وعمل يدي آشور..." بمباركته لهم في أرض مصر حسب ما ورد في العهد القديم في سفر إشعياء. فإذا كان الأمر كذلك، أين هو وعد الرب لهم؟! بالرغم من إقتفاء تكويناته المذهبية ما ذهب اليه قباني في ابياته الشعرية الآنفة الذكر المستلة من قصيدته الهجومية "هوامش على دفتر النكسة " الموجهة لملوك وسلاطين ورؤساء العرب، إلى جانب انتقال عدوى الصراعات الحزبية العربية ومنها العراقية إلى جسد الأحزاب الآشورية التي ما فتأت تعيش ذات الإنقسامات بعيدة عن بعضها وبمدارك القيادات والزعامات التي توثق في أنظمتها الداخلية ذات الأهداف بتعابير متقاربة تبعدك عن ممارساتها العملية مجسدة سلبيات النتائج التي تدع كل مجموعة من أحزابنا تسرح في وادٍ ليدوي صداها في الخواء الذي لا جدوى منه.&
اخوتي القراء... ولكي لا أتَهَم (بضم الألف) بأني من دعاة التشويه والتهريج أو الإساءة لأي من كان فيما جاء في فقرتنا النهائية، &أو بتفضيل طرف على آخر، أظنكم على معرفة تامة وعلى يقين تام بكل ما أشرنا اليه بما جرى وما زال يجري، ولربما يحدوكم الإستغراب بأن يتبادر لأذهانكم التساؤل المُعتاد وما هو الحل؟! وها أنا هو الآخر أشاطركم الرأي بذات السؤال. لعلنا نتفق سوية على الصيغ الجوابية العلاجية لكل ما نوهنا عنه من الأدواء (جمع داء) أي الأمراض النفسية المستشرية ظاهرياً وباطنياً جسد تلك التنظيمات. مع شكري لمروركم على كل ما صغناه وبيناه دون خجل أو وَجَل. آملين أن تدلو بدلوكم لِما هو خير ما نسعى إليه لصالح شعبنا المُنهك، المُشَرّد، الحائر، المُبتلى ووو.. ولخير ما نتمناه لصالح التنظيمات السياسية وتكوينات الإنقسامات الدينية المتشرذمة التي لا زالت جميعها تفسر الأحلام المنشودة بتفاسير تدعمها المصالح الشخصية والنفعية والتبعبة القبلية من أجل تلك المقاعد والكراسي الزائلة بمرور الزمن الذي لا يُؤتَـمَن. وهذه حقيقة لا يمكن نكرانها طالما سجلات التاريخ هي الشاهد الأكبر بما وثقت ولا زالت توثق الأحداث والنتائج القريبة العهد من ثورات الربيع العربي في الأوطان العربية التي اختلط فيها الحابل بالنابل من الإحتجاجات والمعارضات العارمة والإقتتال المتواصل، لتكون المحصلة من الأسوأ إلى الأسوأ، دون الإعتبار لمفاهيم الإصلاح التي طال آمدها حتى وإن كان بشكل جزئي كما هي الأوضاع في العراق وسوريا وليبيا واليمن، ونوعاً ما في تونس ومصر.
&
كاتب آشوري عراقي