نعلم أن العلاقة وطيدة ومتينة بين الرواية والسينما.وهذا ما تثبته روايات شهيرة تحوّلت الى أفلام نالت اعجاب ملايين المتفرجين في جميع أنحاء العالم.من بين هذه الروايات يمكن ان نذكر "مدام بوفاري" لغوستاف فلوبير، و"الحرب والسّلم" لتولستوي، و"الدكتور جيفاغو" لباسترناك، و"الموت في فينيسيا" لتوماس مان، و"غاتسبي العظيم "لسكوت فيتجيرالد، و"تحت البركان" لملكوم لاوري. وهناك كتّاب كانوا راضين عن الأفلام &التي أنجزت انطلاقا من رواياتهم. وثمة من كانوا ساخطين على ذلك .بل ان البعض منهم ذهب الى حد اتهام المخرجين السينمائيين بتشويه أعمالهم، وتقديمها للجمهور العريض ممسوخة ،ومسطحة. وعلينا أن نضيف أن هناك كتابا وشعراء مارسوا كتابة السيناريو مثل ويليام فوكنر، ومارغريت دوراس، وسكوت فيتجيرالد .كما ان هناك من بينهم من مارس الاخراج السينمائي ، وأنجزوا أفلاما نالت شهرة عالميّة واسعة.وهذا ما فعله الشاعر والكاتب الايطالي بيار باولو بازوليني ، والروائي الفرنسي آلان روب غرييه، والروائي الامريكي بول اوستر وآخرون.
وثمّة مخرجون سينمائيّون تميّزت أفلامهم بنَفَس درامي وملحميّ لا يقلّ قيمة عن ذلك الذي تتميّز به الروايات العظيمة .وهذا ما نلاحظه في أفلام مخرجين كبار من امثال فيسكونتي،وفيليني،ووبرغمان،وتاركوفسكي، والياباني كيروزوا.كما علينا أن نلاحظ أن الرواية استفادت كثيرا من التقنيات الفنية في مجال الاخراج واللغة السينمائية .وهذا ما يقرّ به كتّاب كبار في &اروربا وامريكا واليابان .
وفي العالم العربي ،خصوصا في مصر، تمكنت روايات عربية من الحصول على آنتشار واسع بعد أن تحولت الى أفلام مثل روايات نجيب محفوظ،ورواية "ألأرض" لعبد الرحمن الشرقاوي وغيرها .وقد ازدادت رواية غسان كنفاني"رجال تحت الشمس" شهرة بعدأن قام المخرج المصري التقدمي توفيق صالح بتحويلها الى فيلم حمل عنوان"المخدوعون". وإجمالا يمكن القول بإن التداخل بين الفنون عنصر أساسي في أي ثقافة تبتغي لنفسها التقدم ،والحصول على ما تطمح اليه من آنتشار على المستوى الجماهيري الواسع.
أما في تونس فإن هذا الامر -أي التداخل بين الفنون-يبدو ضئيلا بل يكاديكون منعدما تماما.فجلّ كتّاب القصّة والرواية في تونس لا يظهرون سوى القليل من الاهتمام بخصوص ما يدور في مجال المسرح والسينما والموسيقى والفنون التشكيلية.وجلّ من ينشطون في مجال المسرح والسينما يجهلون جهلا تاما ما يكتب في بلادهم من قصص وروايات.ويعود ذلك الا أن السينمائيين التونسيين يريدون أن يحتكروا لأنفسهم كلّ شيء ،أي كتابة السيناريو ،والاخراج لكي تكون أرباحهم المادية وفيرة.وقد نجح البعض منهم في انجاز أفلام آنطلاقا من أفكارهم الخاصة،ومن قصص ابتكروها غير أن نجاحهم في ذلك سرعان ما يذبل ويموت.والسبب في ذلك انهم يريدون أن يظلّوا محبوسين في تجاربهم فلا يخرجون عنها ولا يبتغون تطوريها .وهذا هو حال المخرج النوري بوزيد الذي اشتهر في عقد الثمانينات من القرن الماضي بافلام تعالج قضايا متصلة بجيل السبعينات الذي ثار على نظام الحبيب بورقيبة،ودفع من اجل ذلك ثمنا غاليا حيث سلطت على قياداته ورموزه الثورية احكاما قاسية لا تتناسب مع ما قاموا به من اعمال تمثلت اساسا في توزيع منشورات تحرض على العصيان والتمرد .وعندما برزت الحركات الاصولية في تونس،انتقدها النوري بوزيد من خلال افلام سطحية ، وضعيفة على مستوى السيناريو والاخراج.ويعود ذلك الى انه،اي النوري بوزيد - واثق من "عبقريته" بحيث يتوهم انه قادر على ان يكون كل شيء في نفس الوقت ، أي مخرجا،وسيناريست،ومشرفا على الديكور.وهو ينفجر غاضبا عندما ينتقد البعض السلبيات التي باتت تلازم الافلام الاخيرة التي انجزها.كما انه لا ينكر جهله لكل ما يكتب من قصة ورواية في تونس أو في غير تونس.فالرجل منغلق على نفسه انغلاقا كليا ، ولا رغبة له في الاطلاع على تجارب الاخرين والاستفادة منها.وثمة مخرجون اخرون لا يختلفون عن النوري بوزيد في جشعهم،وثقتهم العالية في قدراتهم ورفضهم لكل ما يمكن ان يساعدهم على توسيع افاقهم،وتطوير تجاربهم. وما دام الوضع على هذا الحال، ستظل السينما التونسية عرجاء ،وسطحية، وفقيرة في مواضيعها و رتيبة في أساليبها.