كثُر الحديث خلال هذه الأيام، عن ظاهرة الاختفاء القسري في مصر، هذه الظاهرة يتم إلقاء الضوء عليها من جانب قنوات فضائية إخوانية تبث من تركيا، أو قنوات إخبارية تكن كل العداء لمصر، أو مواقع إلكترونية مجهولة المصدر يتم تمويلها من جهات قد تكون معلومة..
هناك أشخاص أعلنت عنه هذه الجهات بأنهم اختفوا قسرياً، ثم اكتشفنا أن واحداً منهم انضم لداعش، وآخر تم القبض عليه في تركيا، وثالث يعيش في لندن..!
لكن لا أحد ينكر أن ظاهرة الاختفاء القسري، كانت منتشرة في مصر إبان حكم المخلوع حسني مبارك، نتيجة القمع الذي كانت تمارسه السلطات ضد أي صوت معارض للنظام، خاصة حبيب العادلي وزير الداخلية وقتذاك، مع جهاز أمن الدولة، حيث كان هناك اختفاء قسري لبعض المعارضين للسلطة، فكثيراً ما كان يختفي أشخاص في ظروف غامضة دون اعتقال أو محاكمة، ثم يتم العثور عليهم بعد فترة، وهم قتلى في أماكن صحراوية أو طرق خالية من المارة، بعد إلقائهم مثل الكلاب الضالة، دون أن يفهم أهل القتيل شيئاً عن سبب الاختفاء أو الوفاة..!
أما في عصرنا الحالي، لا يوجد سبب لانتشار ظاهرة الاختفاء القسري، بعد أن خفت صوت المعارضة، وبدأ يتلاشى تماماً، ليس بسبب الخوف من الاعتقال أو المحاكمة، بل لأن المعارضة في مصر تعرضت لنكسة شعبية بعد أن فقد فيها الشعب ثقته نتيجة تراخيها أو عدم وضوح رؤيتها السياسية في مصر، فماذا ينتظر حزب ما من رجل الشارع، وهو لا يملك حتى برنامجاً يقنع به المواطن ليسير معه في ذات الطريق، وكيف تنهض المعارضة وكل عضو أو فرد فيها يسعى لتحقيق مصالح شخصية بالتقرب من رجال الحكومة، الذين من المفترض أن يعارضهم ويقف لهم بالمرصاد ضد أي قانون أو قرار لا يصب في مصلحة الشعب؟
في ظل الظروف الراهنة التي تمر بها مصر، سكتت كل الأصوات، وليس المعارضة فقط، فلم يعد هناك من يعارض أو يعترض أو يثور، فالإرهاب أسكت كل الأصوات، بعد أن اقتنع الشعب أنها معركة بقاء، مع الإرهاب الأسود الذي يتربص بالوطن.. من هنا تعمل القيادة المتمثلة في الرئيس عبدالفتاح السيسي وحكومته بارتياح شديد، فالحكومة الحالية ليست في حاجة إلى ممارسة الاختفاء القسري، لأن الشعب نفسه في حالة اختفاء اختياري عن المشهد السياسي، خوفاً على الوطن من السقوط في مستنقع الإرهاب، لذا وقف الجميع بجوار القيادة لحماية الوطن من شياطين جماعة الإخوان المسلمين الذين أسقطهم الشعب والجيش في ثورة 30 يونيو، وبعدها قرروا الانتقام من الجيش والشرطة، والشعب أيضاً..!
&
وإذا كانت وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية للأمن المدني والديمقراطية وحقوق الإنسان، سارة سيوال، قد أكدت منذ أيام، خلال زيارتها لمصر أن الولايات المتحدة تعرب عن قلقها إزاء ملف التعذيب والاختفاء القسري، ووضع المجتمع المدني، فإن الولايات المتحدة تعد الدولة الأولى في العالم التي تنتهك حرمات دول أخرى في بقع عدة من العالم، فهي تمارس إرهابها في أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا، وهي من صنعت داعش، وهي من اخترعت أساليب التعذيب والاختفاء القسري في معتقل جوانتانامو، وغيره من المعتقلات السرية داخل دهاليز ماما أمريكا، التي تنادي باحترام حقوق الإنسان داخل حدودها فقط، ثم تنتهك هذه الحقوق في العالم أجمع، وكلما غضبت على أحد الأنظمة السياسية لخروجه عن طاعتها وأوامرها، نراها تحاربه بسلاح حقوق الإنسان، ليعود إلى رشده ويدخل حظيرتها طواعية، وإلا تحول هذا النظام إلى متهم كمجرم حرب أو حتى مصاص دماء..
أما حديث سارة سيوال، عن منظمات المجتمع المدني، وضرورة حصولها على حريتها في ممارسة عملها داخل المجتمعات، فإن مصر «لن تلدغ من جحر مرتين»، فقبل ثورة 25 يناير، تنامت هذه المنظمات، ونزلت إلى ملعب السياسة تصول وتجول، نتيجة حصولها على تمويل خارجي مشبوه من الولايات المتحدة وغيرها من دول الغرب، لتنفيذ مخطط إسقاط مصر تحت عجلات الربيع العربي، الذي خدعت به أمريكا الشعوب العربية لتسقط أوطانها وليس أنظمتها، ولنا في العراق وسوريا وليبيا واليمن وتونس ومصر خير أمثلة لتنفيذ هذا المخطط القذر، حتى تحولت المنطقة العربية إلى "كرة لهب" يلهو بها الإرهاب على أراضينا، ليحرق أوطاننا، واللافت للنظر أن الناجي الوحيد من كرة اللهب هذه، هي إسرائيل وإيران..!
والذي يؤكد خطورة هذه المنظمات، أن سارة سيوال نفسها اعترفت بأن أميركا لن تتنازل عن دعم منظمات المجتمع المدني، باعتبارها عمود من أعمدة سياسة أمريكا الخارجية. وهذا دليل على أن هذه المنظمات لن تتنازل عن التمويل المشبوه الذي تحصل عليه من جهات خارجية لتنفيذ أجندات خارجية، قد تسير ضد تيار الوطن وتسهم في تخريبه، الأمر الذي يتوجب علينا أن لا نتعامل مع الكيان الأمريكي بمبدأ التلميذ والأستاذ، بل يجب أن نعمل لصالح أوطاننا وشعوبنا، بعيداً عن الشعارات التي ترفعها أمريكا لتحقيق مصالحها وأطماعها، وبعيداً عن تهديداتها التي ترفعها بين الفينة والأخرى مثل الكروت الحمراء، لتطردنا من جنة المجتمع الدولي وتخضعنا لعقوبات جماعية قد تطول دولاً وشعوباً كاملة..!!

كاتب مصري
&