قبل لقاءهما في ميونخ الخميس الماضي، اعلن السيد سيرغي لافروف وزير خارجية الاتحاد الروسي، ان روسيا قدمت عرضا ملموسا لوقف اطلاق النار في سوريا وتنتظر ردا اميركيا، وقال ننتظر الرد الأمريكي قبل عرضه على المجموعة الدولية لدعم سوريا.
بعيدا عن نغمة تأييد أي طرف في الحرب الاهلية الدائرة في سوريا، والتي من الظاهر انها لن تتوقف الا بعد ان تدك كل ما يربط سوريا بالحضارة، نقول ان الطرفين المتحاربين ما زالوا يصرخون ويقدمون انفسهم على انهم ممثلي الشعب السوري وممثلي ارادته الحرة. بمعنى ان كل طرف يسوق نفسه على انه صاحب القرار المستقل في مستقبل سوريا.
من الواضح انه حينما تسكت قنوات الحوار، ويصل الامر الى السلاح، فحينها سيحاول كل طرف جمع اكبر ما يستطيع من الحلفاء والمساندين، الخارجيين، لانهم أصحاب الأموال والأسلحة والتاثير في القرار الدولي، و الحلفاء الداخليين لانهم أداة الحرب كجيوش او اعلام او عملاء. وعلى كلا الجبهتين ستقدم الأطراف المتحاربة التنازلات لكي تكسب، فالاطراف الخارجية ليست جمعيات خيرية، بل دول ومنظمات لها مصالح ومطامح ومبادئ، والأطراف الداخلية تريد ان تخرج من الحرب بحالة افضل مما كانت عليه قبلها، أي المزيد من المصالح على حساب من، على حساب الخاسر وهو في كل الأحوال من الشعب السوري. والخاسر لن يرضى بما قسمته نتيجة الحرب، اذا سيلجاء لمن يمول تمرده وتتكرر اللعبة كما تكررت منذ حرب داحس والغبراء.
لقد كان تصريح السيد لافروف، قصيرا، ولكن اعطى انطباعا عن ما يحدث، فسوريا اليوم ليست حرب بين بشار ومناوئيه، بل صارت جزاء من لعبة المصالح الدولية، وقطعة يمكن تبديلها باخرى وحسب الربح والخسارة، هذا ناحيك عن تجريد كل السوريين من أي قرار في مستقبل بلدهم او على الأقل لوقف النار في بلدهم، نعم هم احرار في الاستمرار في التقاتل لحين انتفاء الحاجة الي قتالهم، ولكن تحديد المستقبل وصورته واوانه هو بيد روسيا وهي تتفضل وتطلب مشاركة أمريكية، لانها تدرك ان اللعبة قد تكون اكبر منها حقا.
أمريكيا، تحاول أمريكا ان تقول انه ليس لها يد او مصلحة في ما يحدث في سوريا، ولكنها بالتأكيد تفضل سوريا بلا اسد، على الأقل لانه سيعتبر انتصارا إعلاميا لها، ولكن اميركا رمت الأوراق كلها او اغلبها بيد الدول الإقليمية، وتدفع لمشاركة السعودية والامارات وتركيا، في الحرب وكل من الأطراف الثلاثة لتحقيق مصالحه، على انه لا تخرج من الاطار الأمريكي بالطبع. تركيا التي تورطت مع روسيا بعد اسقاط الطائرة الروسية، وكادت ان تفقد الكثر من المصالح الاقتصادية، تمكنت اميركا والاتحاد الأوربي من مد يد العون لها، من خلال الأموال الممنوحة باسم اللاجئين، والذين سيتم تزويد متطلباتهم من المنتوجات التركية، التي كانت ستبقى في المخازن لولا هذه المنحة.
اذا انها الحرب، دول ومنظمات وتحالفات على الأرض السورية وقد تمتد للعراق، انها حرب يدعي كل طرف على الارض فيها انه صاحب القرار المستقل، ولكن بالفعل ان جميع الأطراف فيها من الخاسرين، وقد تكون في النهاية صفعة لروسيا، تعيدها الى رشدها فترضى بدورها كدولة كبرى ولكن ليس الند للدولة العظمى. ان اوربا خبرت اميركا لما يقارب الثمانون عاما، وقد تمكن الطرفين من خلق قيم مشتركة وتعايشوا معها، وهم يخافون من الدب الروسي سواء كان شيوعيا او ارثوذكسيا. هذا الدب الذي لا يقدم الكثير غير الغاز الذي تنتجه ارضه وتكشيرة انياب مهددا الاخرين. ولذا فان اوربا في الصميم مع السياسة الامريكية، وان كان لغرب اوربا بعض الشك او في فئات اجتماعية ما، فان اوربا الشرقية كفيلة بدفع اوربا كلها خلف اميركا.
اذا من الواضح من الرابح.
&