&
علم النفس الحديث يقول: "الإدمان يبدأ بألم وينتهي بألم". إدمان السلطة من نوع أخطر. يبدأ بدمّ وينتهي بدمّ. الخارجون طواعية أو من دونها، من الوزارات العراقية بحجة مساندة الإصلاح والتغيير والحاجة لحكومة تكنوقراط نزيهة، يعلمون علم اليقين بأنّ المناصب الرسمية هي مجرّد واجهات شكلية لا قيمة لها. والإستقالة منها لا تُبعدهم ولا تُبعد كتلهم السياسية عن مركز القرار. المحاصصة الطائفية والأثنية وأخطبوط الفساد المالي والإداري والسياسي، جاهزة وعلى أتمّ الإستعداد لإرتداء ثياب التكنوقراط أو أيّ ثوب آخر. وهي ستبقى سيّدة القرارات الداخلية. أمّا سيّدها الذكر، فهو الساحر المتحكّم ببوابات الدخول والخروج من والى الحياة السياسية. ذلك البهلوان الساكن في السفارات الأجنبية والذي لا يزال يُدهش العموم بإستعراضاته المُملّة.
جرعات التخدير تُسكن الآلام الى حين تعود ثانية بآلام أشدّ وجعا من ذي قبل. مواجهة الألم فردية وصوفية. التكيّف مع الخدعة هي لعبة الساحر، والتكيّف مع الظلم هي لعبة السياسي. الحاجة لشعوذة المشهد هي الهدف المشترك لكليهما. التصفيق للغفلة. ما أشقى أن نكون بلا ذاكرة؟. وما أقسى هذا التهريج الحزين؟. وما أبشع صوت التهليل والهلاهل والتكبير والصلوات المرفوضة من السماء؟. نحن مازلنا في المشهد الأخير من الفصل الثاني. والجمهور يكاد أن يدمن بدوره مشاهدة العروض الهابطة. العين الثالثة غائبة. تلك التي أوصانا بها "جلال الدين الرومي". عين الروح التي ترى ولا تُرى. الحقيقة يتيمة.
الفساد بات من أقوى المؤسسات. ودولة الفساد إستحكمت حلقاتها. تدوير الرؤوس الفاسدة يُطيل دوخة المدمن وحكومة التكنوقراط هي الجرعة الجديدة. الفاسدون وأهل الدين ـ السياسي لا يؤمنون بالحلول الدنيوية. تلك التي من صنع الإنسان ونتاج خبراته وعذاباته الطويلة. بل هم لا يؤمنون بأي شيء آخر سوى بريق الذهب الرنّان الذي يُعمي البصيرة قبل الأبصار. الساحر المُتبختر على خشبة المسرح في منتهى النشوة. الإرادات الثلاث تلتقي في إحتقار البشر. أدعياء السماء وأبالسة الأرض والشيطان الأكبر. الجحيم هنا ولم يعد هناك. والفردوس في الأرصدة والبنوك الخارجية. يوم الحساب سنتركه للتكنوقراط العجيب حبيس القمقم. أمّا الآن، فالسماء لا تزال تمطر دما ودموعا على فقراء العراق وعلى خيام النازحين المُمزّقة. العبث لا يكترث بالمظلّات الواقية. غلمان الشيطان تحالفوا مع الرياح العاتية. هنا عاصمة جهنم.
أيّة معركة هذه التي فيها الخصام وفيها الخصم والحكم؟. &نخوض غمارها بحيرة "المتنبي" وبلوعة الأنبياء. العراق الذي سيخرج من هذه المحنة سيكون مغسولا بماء الآلهة. والعراقيون الذين تحمّلوا طغاتهم القدامى والجدد سيكونون آخر القديسين.
&
باريس
&&