كلمة عزرائيل يبدو بأنها أتت من اللغة العبرية، وتعني حسب الوكيبيديا، ملك الموت في كل من اليهودية والإسلام، وكذلك السيخية. والسيخية ديانة بدأت في شمال الهند في القرن السادس عشر، وتدعو للتوحيد، ووحدة الوجود إلى طريق الخير والصلاح، كما تحرم الرهبنة، بل تدعو للعمل وطلب الرزق، والمحافظة على الإلتزام بالقواعد الخمس، وهي المساواة بين الرجل والمرأة في المعاملات والمواريث، والمساواة بين أعراق وألوان العالم، كما لا تؤمن بأن هناك شعب مفضل عند الله دون الأخرين. ولم يرد في القرآن الكريم إسم عزرائيل، بل عوضا عن ذلك تمت الإشارة إليه ب "ملك الموت"، ويعني الإسم باللغة العبرية "الذي يساعد الله" أي الملك الموكل من قبل الله، جلت عظمته، بقبض الأرواح، وهو آخر المخلوقات والملائكة موتا يوم القيامة.&
&
وكما إرتبط عزائيل كثيرا بالسياسة، فمثلا حينما قتل الزعيم الأمريكي مارتن لوثر كينج، في عام 1968، وزهق عزرائيل روحه، تعرضت حركة حقوق الإنسان المدافعة عن السود الأمريكيين، لصدمة كبيرة، ولكنها إستمرت في نضالها، لنجد اليوم بأن رئيس الولايات المتحدة أمريكي، وبه عروق أفريقية. كما زهق عزرائيل روح الرئيس الأمريكي، جون فتزجرالد كندي، بعد قتله بالرصاص في عام 1963، لينصدم العالم بفقد زعيم كان يعتقد بأنه سيلعب دورا مهما في سلام وإزدهار العالم. فقد عرف عن كندي فكره الإصلاحي، فمثلا في عام 1960، حينما خطب في إحتفالية الحزب الديمقراطي قال: "فالتحديات، لا يمكن حلها جميعا، والمعارك، لا يمكن النصر فيها جميعا، ونحن نقف اليوم على حافة حدود جديدة، ولكن الحدود الجديدة التي أتحدث عنها ليست مجموعة من الوعود، بل ماهي إلا مجموعة من التحديات، وليست مجموع ما أنوي أن أقدمه للشعب الأمريكي، بل مجموع ما سأطلب منه القيام بتحقيقه." كما علق عن خوف البعض بأن يؤثر خلفيته الكاثوليكية على قرارته القومية، فقال: "أنا لست المرشح الكاثوليكي للرئاسة الأمريكية، بل أنا المرشح الديمقراطي للرئاسة، الذي صدف أن يكون كاثوليكي، فأنا لا أتحدث عن كنيستي في الأمور العامة، وفي نفس الوقت لا تتحدث الكنيسة بإسمي."&
وحينما نجح جون كندي في الإنتخابات، ونصب رئيسا للولايات المتحدة في عام 1961، طالب الأمريكيين بأن يكونوا مواطنين فعالين فقال: " لا تسأل ما يمكن أن تقدم بلدك لك، بل إسأل نفسك ما يمكن أن تقدمه أنت لبلدك." كما طالب من مواطني العالم أن: "يتحدوا جميعا لمحاربة العدو المشترك للبشرية، الإستبداد، والفقر، والمرض، والحرب نفسها. ولن ينتهي كل ذلك خلال المائة يوم الأولى، لا، ولا حتى في الألف يوم الأولى، ولا حتى طيلة عمر الإدارة الحالية، ولا حتى خلال دورة حياتنا، على سطح هذا الكوكب. ولكن دعونا نبدأ معا." وأنهى كلمته بالقول: "وأخيرا، أن كنت موطن أمريكي أو كنت مواطن من هذا العالم، طالبنا هنا بنفس المستوى والتضحية، التي نطالبك بها." كما جمع في إدارته خلطة من الخبرات التقليدية والكفاءات الشابه، وقال: "يمكن أن نتعلم مسئولياتنا معا. كما أني عندي الإستعداد أن أصدر قرارت سريعة، حينما تفرض الظروف ذلك." كما إقترح علية مستشاره الإقتصادي بخفض الضرائب، فوافق بسرعة على ميزانية متوازنة، والتي كانت مهمة لكسب رضى اللجنة القانونية في الكونجرس، ليكسب حزبه الديمقراطي الأكثرية لوضع الأجندة التشريعية. كما وعد بدعم الرعاية التعليمية والصحية لكبار السن، والدعم الإقتصادي للمناطق الريفية، والتدخل الحكومي لوقف الكساد الإقتصادي، وإنهاء التفرقة العنصرية، كما وعد بخفض ضريبة الدخل من نسبة تتراوح بين 20-90% إلى نسبة تتراوح بين 14-65%، كما خفض ضريبة ربحية الشركات من 52% إلى 47%. فتلاحظ عزيزي القارئ كيف كانت الإدارة الأمريكية متفتحة ومنتجة في ذلك الوقت، وكيف كان الرئيس الديمقراطي ينفذ الكثير من الاصلاحات المشتركة للحزبين الجمهوري والديمقراطي، بالتعاون مع الُإثين.
&
ولو قارنا الإنتخابات الأمريكية لعام 1960 مع إنتخابات عام 2016، نجد هناك كثير من التحديات في عالم العولمة وبتكنولوجيتها المتغيرة، كما برزت صدمة كبيرة في الشهر الماضي، حينما زهق عزرائيل روح قاضي المحكمة العليا الأمريكية، أنتون سكاليا، وهو في عمق نومه في فندق، بمزرعة بولاية تكسس، لإحد الأثرياء الأمريكيين. وقد عرف القاضي سكاليا، الكاثوليكي المحافظ، بمعارضته للإجهاض، وتأيده لحكم الإعدام، وتوفى عن عمر 79 عاما، والذي عين قبل ثلاثين سنة في عهد الرئيس رونالد ريغن. وقد كان القاضي سكاليا أكثر المحافظين فصاحة في المحكمة الأمريكية العليا، "ويتهم" من الديمقراطيين بأنه لعب دورا في ضمان المحافظين الأكثرية لتحرير الدعم المالي للإنتخابات من القيود، وخفض حقوق التصويت، &وخفض الرعاية الإجتماعية، وتحرير السوق من الإنظمة والقوانين، والتي كانت سببا رئيسيا لتباين الثراء، وإنخفاض نسب الطبقة المتوسطة الأمريكية اليوم. &&
وقد تعهد الرئيس الأمريكي بارك أوباما بتعيين عضو جديد في المحكمة العليا خلفا للقاضي الراحل أنتون سكاليا، مما أطلق معركة بين الرئيس الديمقراطي والكونجرس الجمهوري، الذي طالب بترك هذه المهمة للرئيس المقبل. وقد أعلن الرئيس أوباما بقوله: " أعتزم تحمل مسؤولياتي الدستورية، بتعيين خلف في الوقت المحدد، وسآخذ كل وقتي للقيام بذلك، ولمجلس الشيوخ أن يتحمل مسؤولياته بالإستماع إلى هذا الشخص كما ينبغي، والتصويت على تعينه ضمن المهل." وقد دعا جميع المرشحيين لتمثيل الحزب الجمهوري في السباق إلى البيت الأبيض في مناظرة تلفزيونية، مجلس الشيوخ، بعرقلة أي تعيين يقدم عليه أوباما لقاضي جديد للمحكمة العليا الأمريكية. فقد أنعكست وفاة القاضي سكاليا على الحملة المحتدمة للإنتخابات الرئاسية في الثامن من نوفمبر القادم، قبل أقل من عام من إنتهاء ولاية أوباما في 20 يناير 2017. وتعتبر المحكمة العليا، الهيئة القضائية العليا في الولايات المتحدة، وهي من عمادات المؤسسات الأمريكية، مع السلطة التنفيذية، والكونغرس، وهي تتألف من تسعة قضاة، يعينون مدى الحياة، بطرح الأسم من الرئيس، والموافقة عليه من الكونغرس. وكان يميل ميزان القوى لصالح المحافظين، قبل وفاة القاضي أنتون سكاليا، حيث هناك خمسة قضاة من المحافظين، مقابل أربعة قضاة يعتبرون تقدميين.
وستضعف وفاة القاضي أنطون سكاليا قدرة المحكمة العليا في الولايات المتحدة على اتخاذ قرار في بعض القضايا الوطنية الاكثر اثارة للجدل، والتي هي قيد الانتظار في المحكمة العليا، بالاضافة الى ذلك فان موته سيدفع أعلى محكمة في البلاد إلى الاضواء الساطعة في الإنتخابات الرئاسية لهذا العام ، ويمهد الطريق لمواجهة مستمرة على مدار العام بين الرئيس الديمقراطي اوباما والجمهوريين في مجلس الشيوخ، ليس فقط حول من سيشغل المقعد الشاغر في المحكمة العليا، ولكن أيضا حول مدى التأكيد، وسرعة المضي &في عملية الترشيح .كما يشير الخبراء القانونيون إلى أن القرارات في القضايا التي سبق وإن سمعت في المرافعات الشفوية في المحكمة العليا، والتي لم يتم الإعلان عنها، ربما تتغير بفقدان صوت سكاليا، وخاصة قضايا اختبارالنزاع حول ما اذا كانت النقابات، التي تمثل موظفي القطاع العام، تستطيع ان تطلب من غير الاعضاء دفع رسوم عادلة للنقابة كمساومة جماعية، فقد توقع سابقا بعض المحللين، بأن المحكمة يمكن ان تصدر حكما بتصويت خمسة إلى اربعة ضد النقابات، والنتيجة الآن غير محتملة. &إضافة الى ذلك كانت المحكمة تعد قرارا في قضية تثير سؤالا جوهريا حول معنى "شخص واحد، صوت واحد" &وكيف يتم رسم الدوائر الإنتخابية في تكساس، ونتائج هذه القضية هي الآن ايضا في موضع شك. كما ستنظر بعين الإعتبار المحكمة العليا قضية بارزة مرتقبة، وهي دراسة الإعتماد على العرق في خطة العمل الإيجابية في جامعة تكساس في اوستن.
ومع بدايات سبيعينيات القرن الماضي، بدأت تقوى نظريات قوى السوق الحرة المنفلتة من الانظمة والقوانين، مع التخلص من القطاع العام، بخصخصته. وقد لعب الرئيس الأمريكي رونالد ريجن دورا مهما في ذلك، كما ساعد تعينه قضاة للمحكمة العليا أمثال، أنتون سكاليا، للدفع بقوانين تحرر السوق من الأنظمة، وخفض الضرائب على أرباح الشركات، وخفض نفقات الرعاية الإجتماعية. وفي نفس هذه المرحلة من ثماننيات القرن الماضي، بدأت تتطور تكنولوجية الإتصالات والمواصلات، مع عولمة السوق الحرة، لتبدأ مرحلة جديدة من التطور للشركات الغربية العملاقة، ولتبدأ العمل على مستوى العالم بأكمله، ولتفتح لها مشاريع ومصانع وخدمات في كل رقعة على كوكبنا الأرضي. وبذلك فقدت دول الغرب السيطرة على شركاتها العملاقة، كما تهربت بعض هذه الشركات من الضرائب، لتزداد أرباحها بشكل غير مسبوق، وليزداد ثراء المساهمين، ولتبدأ فرص للثراء المبالغ فيه، فمثلا 10% من مواطني الأمريكيين يملكون 80% من الثراء الأمريكي، بينما 68% يملكون 3% من هذا الثراء، وفي الوقت الذي تزداد فيه نسب الفقر بين البيض الأمريكيين. ولتبدأ مرحلة جديدة من تباين الثراء العالمي، حيث أن 63 ملياردير في العالم، يملكون ما يملكه 3.5 مليار شخص من سكانه.
وقد نادى أحد أبرز المنافسين في الحزب الديمقراطي، برني سندريز، بضرورة وقف زيادة الثراء والسلطة عن يد القلة في القمة، في الوقت الذي كان يدافع الجمهوريين عن تباين الثراء بأنه ظاهرة طبيعية في النظام الرأسمالي، للمحافظة على المنافسة والإبداع، وإبتكار الإخترعات التكنولوجية الجديدة. وقد درس البروفيسور روبرت ريش ظاهرة تباين الثراء الجديدة، فقال: &"ليس هناك ما سمي بالسوق الحرة في النظام الرأسمالي، بل القانون هو أساس هذه الرأسمالية، وخاصة أنظمة الملكية، والاحتكار، والعقود، والأفلاس، والتي تم التلاعب بها من قبل لوبيات الشركات العملاقة، بفضل المشرعين في الكونجرس، وقضاة المحكمة العليا، لتكون السبب في بروز تباين الثراء. ونحن في الولايات المتحدة وقعنا في شباك فكرة أن علينا الإختيار بين السوق الحرة أو الحكومة، ولكن في الحقيقة لن تكون هناك سوق حرة إن لم تكن هناك حكومة تنفذ القوانين، وبرلمان يشرعها. كما ان عبارة السوق الحرة، هي عبارة إلهاء كاذبة ومضرة، والتي تدفع بنا لإختيار ليس أساسي. فنظامنا الرأسمالي به سوق مرتبطة بأنظمة، وضعت من الإداريين والمشرعيين والوكالات والقضاة، ويتطور هذا النظام يوميا بالممارسة، وبآلاف مؤلفة من الطرق. والموضوع الحقيقي الذي يجب أن نتدارسه هو مراقبة من يستفيذ من هذه الإنظمة والقوانين، ومن هم أٌقوى المؤثريين في تشريع هذه القوانين؟ فيجب علينا اليوم بناء قوانين متطورة للرأسمالية، تتناسب مع تحديات العولمة، مع التركيز على أنظمة العقود والإفلاس، وقوانين الملكية، والتي تغيرت الكثير من أنظمتها خلال الثلاثة العقود الماضية، بسبب قوة اللوبيات التي تعمل لخدمة رؤس الأموال الكبيرة، والتي نجحت في تحسين أرباح الشركات العلاقة، بينما تؤدي في نفس الوقت لتردي الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية لباقي المواطنين."
وقد بدأت اليوم جميع الدول تركز على موضوع تباين الثراء، بل وحتى اليمين الأمريكي بدأ يشكو منه. ويبقى السؤال: ما الذي يمكن القيام به لوقف هذه الظاهرة الخطيرة وإصلاحها؟ ويقترح برني ساندرز، المرشح الديمقراطي المنافس للإنتخابات الرئاسة الأمريكية، "بضرورة رفع الضرائب على أرباح الشركات العملاقة، وزيادة الاستثمارات الحكومية، ورفع الحد الأدنى للأجور، وتطوير أنظمة أخرى تحمي القوى العاملة، وخلق شبكة إجتماعية في الصحة والتعليم وتأمين البطالة والتقاعد." وباختصار شديد تلاحظ عزيزي القارئ مدى تشابك العملية السياسية في الديمقراطيات الغربية، بين قوة رأس المال، والسلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، بل وتعرضت مؤخرا لإستقطابات القوى المحافظة وااللبرالية. ويبقى السؤال: هل ممكن أن تتم أحلام إصلاح النظام الأمريكي في إنتخابات عام 2016 الرئاسية، بدون تناغم العمل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية الراغبة في الإصلاح؟ وهل ممكن أن يقبل الشعب الأمريكي الخطة الإشتراكية للمرشح برني ساندرز؟ بل السؤال الأهم: هل يمكن تطبيقها؟ وهل ستنجح لو طبقت؟ ولنا لقاء.
&
د. خليل حسن، سفير مملكة البحرين في اليابان
&