كان يا مكان وما زال إلى الآن... مملكة اسكندنافية بعيدة عنا تقع في شمال القارة العجوز، تُدعى السويد. ومما يُحكى أنه حدث هناك في قديم الزمان وسالف العصر والأوان - تحديدا سنة 1973 - قصة حُب حيرت الأفهام وباتت على لسان كل أخصائي نفسي وإنسان عامي؛ وفيها أن مجموعة من الموظفين ممن كانوا يعملون في مصرف "كريديت بانكن Kreditbanken"، قد تعرضوا في يوم من الأيام إلى عملية سطو وتم احتجازهم كرهائن. بالطبع هذا اختصار ما جرى، أما التفاصيل الصادمة للوَرى، فهي أن علاقة عاطفية بدأت تلوح في أفق ستوكهولم، ما بين المُختطَفين والخاطفين للمال.. وللقلوب أيضاً، على ما ثبتَ لاحقاً!
ستة أيام كانت كافية لكي يقع الرهائن في حب من باتوا مرتهنين لهم. والمثير أنه حتى وبعد تحريرهم رفضوا أن يشهدوا ضدهم أثناء المحاكمة ودافعوا عنهم بشدة منقطعة النظير، بل أن أحد أفراد العصابة تزوّج من امرأة كان يحتجزها ضمن الرهائن بعد أن خرج من السجن!!!
حكاية "العشق الأسوَد" تلك، بَدَت كمن يُضيف على الرف نسخة جديدة من "ليلى والذئب" إلى جانب النسخة الفرنسية الأصلية، والنسخة الألمانية الأشهر التي كتبها "الأخوان غْريم Brothers Grimm"، مع تباين أساسي في النسخة السويدية "المفترضة" وهو؛ أن ليلى وقفت في وجه الحطاب الذي أراد مساعدتها لتدافع عن الذئب، متناسية أنه هاجم بيت جدتها وعراّها وافترسها ومن ثم لبس ثياب نومها وتجشأ على سريرها!
بالفعل إنها قصة عجيبة، عن كلاسيكيات الغرام غريبة. الأمر الذي استدعى دراستها وإجراء البحوث عليها من قبل العديد من الباحثين والأخصائيين الذين استخلصوا التالي، وهو بيت القصيد: "عندما يكون الضحية تحت ضغط نفسي كبير، فإن نفسه تبدأ لا إرادياً بصنع آلية سيكولوجية للدفاع عن الذات، وذلك من خلال الاطمئنان للجاني والشعور معه بالأمان، خاصة إذا أبدى الجاني حركة تنم عن الحنان أو الاهتمام حتى لو كانت صغيرة جداً فإن الضحية يقوم بتضخيمها وتبدو له كالجبل. و في بعض الأحيان يفكر الضحية في خطورة إنقاذه، وأنه من الممكن أن يتأذى إذا حاول أحد مساعدته، لذا يتعلق بالجاني (فعلياً وليس آنياً فقط)...". وبناء عليه فقد يعتاد الضحايا سواء أكانوا أفرادا أم مجتمعات على الظلم والفساد إلى حد تجعلهم يخافون من التحول ولو للأحسن، ويصرون على الدفاع عن الفاسدين من خلال ذكر إيجابيتهم النادرة مع تجاهل سلبياتهم الكثيرة جداً. أي بطريقة أوضح وأكثر مرورة فإن البعض يميل للبقاء على الشر الذي اعتاده وعرفه بدلا من الانقلاب للخير الذي جهله!
خلاصة الموضوع، أنني كنت أود القول لكم "تنذكر ما تنعاد" أو "توتَة توتَة..." ولكن "الحدوتَة ما خلصت"، &فما اصُطلح على تسميته بـ"ستوكهولم سيندروم Stockholm syndrome"، للأسف "انعادت" في مكان ثان مع فارق أن "البنك" هذه المرة كان أكبر بـ 10452 كيلومتر مربع! أما عملية السطو فقد طالت جميع المقتنيات، وليس خزنة المال وخزان البترول وتوصيلات الكهرباء والإنترنت فقط، بل تعدت ذلك لتطال أيضاً مستقبل الأجيال وباقي الثروات، حتى سلة القمامة وحاوية القذارات لم تسلم من نهمهم!.. ومع ذلك كله نجد بأن الكثيرين "دايبين بدباديب" خاطفيهم ويروْنهم كالمنقذ "سوبرمان" صاحب العضلات المفتولة والعيون المكحولة!
على العموم يا سادة أختم لكم بالعبارة الشهيرة المعتادة، الخالية في هذه المرة من السعادة: "هيدي حكايتي حكتيها وبعِبَّك... يا أيها الولهان اللبناني خبيتها!".