كتبت عند تكليف حيدر العبادي بتشكيل الحكومة وإستبشار العراقيين خيرا به، إنه لن يستطيع أن يغير شيئا مادامت أسس العملية السياسية مغلوطة وما دام هناك من يتحدث بلغة "المكونات" بديلا عن الخطاب الوطني، ومادامت هناك أحزاب وكتل تعتقد إن الوزارات التي يتربع عليها وزراء تابعين لها، هي إقطاعيات تابعة لها تفعل بها ما تشاء، بحيث لا يكون بوسع أحد محاسبة احد الوزراء الفاسدين دون إتهامه ب"التهميش" و"الإقصاء" و"التفرد" وغيرها من الإتهامات التي لا تعني أكثرمن إن في تلك الوزارة ثمة باب فساد كبير لا يمكن السماح لأحد بإغلاقه الأمرالذي حدا ببعض زعماء "المافيات السياسية" الى التهديد بالإنسحاب من "العملية السياسية" بل باللجوء الى العنف لتحقيق ماربه. والحال الان لا يختلف كثيرا عما ذكرت، فمافيات الفساد الكبيرة لا تريد التخلي عن مصادرتمويلها من "حصتها" من وزارات الحكومة، وإن حاول رئيس مجلس الوزراء الإستجابة لمطالب المتظاهرين فلن يستطيع ما لم تقبل مافيات الفساد بذلك لأن تلك "المافيات السياسية" لها أذرع عسكرية وباتت متغلغلة في كل مفاصل الدولة ولا يمكن للعبادي ولا لغيره سوى محاولة تغييررأيها بالقبول بصيغة تستجيب لمطالب المتظاهرين وهذا لن يحدث أبدا لأنه يتعارض مع مصالحها مما يدفعنا للتفكير بطريقة أخرى تكون "منتجة" أكثرمن مجرد الضغط على رئيس مجلس الوزراء المحدود القدرة بحكم مواد الدستوروبحكم "التوافقات السياسية".
كمرحلة أولى من خطة العمل لغرض الإصلاح هو توجيه الضغط على الأحزاب والكتل السياسية بأن تتم محاصرة مقراتها جميعا في بغداد والمحافظات بالمعتصمين أو المتظاهرين وعدم تركها لحين الإستجابة لمطاليبها التي ستتخلص –وفق هذه الخطة- بثلاث مطالب رئيسية هي: (الدعوة الى إنتخابات مبكرة ونشكيل مفوضية إنتخابات مستقلة فعلا بإشراف مكتب الأمم المتحدة في العراق حصرا أو إعادة تشكيل مجلسها الأول في إنتخابات 2005 بإستثناء من إرتبط منهم بحزب مثل السيدة حمدية الحسيني، وسن قانون إنتخابات جديد يضمن ذهاب صوت الناخب لمن إنتخبه حصرا وعدم إجازة إحتسابه للكتلة أو الحزب)
يترافق مع الخطوة أعلاه تشكيل قيادة سياسية للتيار المدني من قادة الحراك الشعبي المدني في بغداد والمحافظات ويضم التياركل المشاركين في التظاهرات الداعية للإصلاحات على أن لا يسمح لأي مسؤول حكومي او عضو مجلس نواب أو عضو مجلس محافظة الإنتماء لهذا الكيان لأن ذلك يضعفه أكثر مما يقويه، وعلى هذا الكيان توضيح وإعلان أهدافه التي هي نفسها أهداف المتظاهرين والتي منها (تشكيل حكومة تكنوقراط حقيقية تشمل جميع مفاصل الوزارات والهيئات المستقلة، ومحاسبة كل الفاسدين في الحكومات السابقة ومصادرة أموالهم وإرجاعها لخزينة الدولة،إصلاح القضاء،تعديل الدستور من قبل لجنة من رجال القانون والإختصاص في الإدارة والإقتصاد،إصلاح التعليم، تقليل رواتب ومخصصات الرئاسات الثلاث والنواب والوزراء وأعضاء مجالس المحافظات بما يماثل نظيراتها في دول الجواروتقليل حمايات الجميع وإقتصارالعدد على الحاجة الفعلية لكل منهم) هذه المطالب لاغيرها هي ما يجعل المواطن يستجيب لها ويؤمن بإمكانية هذا الكيان على التغيير. وفق هذه الشروط سيكون لهذا الكيان عدد كبيرا من النواب في مجلس النواب وقد لا يستطيع تشكيل حكومة لوحده، لكن يمكن تشكيل حكومة بإئتلافه مع كيانات أخرى تجمعه وإياها نفس الأهداف والرؤى، مثل التيار الصدري، والتحالف المدني، وغيرهما ويمكن عند ذاك تحقيق أهداف المتظاهرين وإخراج العراق من المستنقع الطائفي الفاسد الذي أوقعنا به أصحاب مشروع "إقتسام الكعكة"
عرضت الخطة أعلاه على بعض قادة الحراك الجماهيري منذ بداياتها لكنهم كانوا يرون إمكانية إستجابة رئيس مجلس الوزراء لمطالبهم التي لم يستجب لها منذ إعلانها في تموز الماضي ولغاية الأن، ورغم إتساع نظاق التظاهرات وبلوغها مرحلة الإعتصامات فإن مطالبة الكتل والأحزاب المتهمة الرئيسية بالمسؤولية عن الفشل والفساد بإصلاح الخلل الذي أنتجته طيلة الأعوام السابقة هو كالطلب الى طفل لا يجيد التحدث بلغته الأم بأن يلقي خطابا بلغة أخرى.