عندما قرأت الخبر المنقول عن وزارة الخارجية الأمريكية بأن روسيا لعبت دوراً مهماً في الإفراج عن مواطنٍ أمريكي يُدعى كيفن دوز، الذي كان يعمل مصوراً حراً في سوريا ومحتجزاً لدى أفرع السُلطان القابع في قاسيون، جعلني الخبر مشدوهاً ليس إلى الخبر نفسه، إنما لِما يجلبه الخبر من الغصات لكل من يعمل بحقول المقارنات بين مجمل الأوادم على وجه هذه البسيطة، فحرية كيفن دوز من جهة، والضجة التي أحدثتها الحكومة الايطالية اثر مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني في مصر من جهةٍ أخرى، مقارنة بما يحدث في ربوعنا هو ما يُشغل بال كل مَن يبحث عن التفضيلات والتمايزات الواضحة بين بني البشر.
فمن فرط أهمية المواطن الامريكي لدى حكومة بلاده وحرصها على سلامته، تذكرت على الفور مصير مئات المعتقلين السوريين بوجهٍ عام والكرد على وجه الخصوص الذين يقبعون في سجون طاغية دمشق، وفوقها القرابين اليومية التي يقدمها حزب الاتحاد الديمقراطي على طول تخوم المناطق الكردية في سوريا وكذلك في مدينة حلب دون مقابل أو فلنقل دون معرفة الأهداف التي سيحققها الحزب المذكور من وراء التضحية بأنصاره والمدنيين معهم &في أكثر من بقعة جغرافية من مساحة سوريا.
إذ وحسب النشطاء أن هنالك العشرات من الشباب الكرد يقبعون في معتقلات النظام السوري، من دون أن يتحرى الحزب المذكور عن مصيرهم، أو يسعى لتحريرهم من قبضة أجهزة أمن النظام السوري النتن على غرار المواطن الأمريكي كيفن دوز، وذلك باعتبار أن الحزب المذكور لم يقطع حبل سرته مع حاخامات طاغية دمشق الى هذه الساعة.
ومن جهة أخرى فمعلوم أنه بالرغم من &كل الضحايا التي قدمها ويقدمها ذلك التنظيم المحسوب على الكرد السوريين، وشوقه المحراق للافتداء بالمئات من مريديه على مذبح علاقته الشائكة مع المحاور الدولية بما فيها النظام السوري الذي تخلى عن عبدالله أوجلان يوماً بجرة تهديد مِن النظام التركي للأسد الأب عام1999، ومع ذلك يبدو أن قادة الحزب يحلو لهم اللدغ من نفس الجحر البعثي عشرات المرات، باعتبار أنه لا وجود لأية ضمانات دولية ولا وثائق موقعة من قِبل حاكم دمشق و نظامه تقر بأن دماءهم لن تذهب أدراج الرياح، وذلك باعتبار أن النظام الاسدي إلى هذه الساعىة لم يوقع على أية وثيقة تقر أو تعترف من خلالها بسيادة الاتحاد الديمقراطي على المناطق التي يُقتل أنصاره بسببها، سواءً في حروبهم مع داعش أو مع باقي الفصائل المتطرفة من المعارضة المسلحة وقبلها في بعض المواقع مع بعض زبانية النظام نفسه.
والأنكى من ذلك كله أن قادة هذا الحزب وبدلاً من تقديم الأسباب التي تقنع الرعية بجدوى التضحيات التي يقدمونها هنا وهناك منذ خمس سنوات، تراهم يختلقون بين الفينة والأخرى مشاكل وهمية مع المجلس الوطني الكردي للتهرب من التساؤلات الجوهرية للناس وضحاياهم، وهو ما يذكرنا بكتاب نعوم تشومسكي (أسلحة &صامتة للحروب الهادئة) وتحديداً استراتيجيّة الإلهاء والتي "تتمثل في تحوير انتباه الرّأي العام عن المشاكل الهامّة وتحويلها الى أماكن أخرى لا أهمية لها، حيث يتمّ ذلك عبر وابل متواصل من الإلهاءات والمعلومات التافهة، وذلك لمنع العامة من الاهتمام بالمعارف الضروريّة وتشتيت اهتماماتهم، بعيداً عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية، وجعل الشعب منشغلاً دون أن يكون له أي وقت للتفكير، وحتى يعود للضيعة مع بقيّة البهائم"، وهو ربما ما يسعى لمحاكاته حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يختلق مشاكل سطحية مع المجلس الوطني الكردي للتغطية حيناً على خسائره الدبلوماسية، وحيناً للتغطية على أعداد أنصاره الذين يتم الافتداء بهم في أكثر من مكان ودون مقابل يُذكر وكمثال: الحملة السخيفة لأنصار الحزب على كل من إبراهيم برو رئيس المجلس الوطني السوري وفؤاد عليكو عضو الهيئة السياسية للائتلاف الوطني وكذلك التشهير بنائب رئيس الائتلاف الوطني السوري عبدالحكيم بشار في ندواتهم ومختلف وسائل إعلامهم وخاصة عبر القناة الحزبوية روناهي، تلك الفضائية الفالحة في إثارة كل أشكال التحريض واتهام الخصوم السياسيين بالخيانة والعمالة، وقد وصلت تلك التهديدات ذروتها قبل بضعة أيام حين قامت المنظمة الشبابية التابعة للاتحاد الديمقراطي والتي تعرف اختصارا بـ: &YCR بكتابة شعارات وعبارات تحريضية على جدران المئات من المنازل في مدينة القامشلي، تقول فيها الموت للخائن عبدالحكيم بشار، ثم تلتها بعد يومين قيام تلك المنظمة بمظاهرة &في شوارع &مدينة عامودا مسقط رأس عبدالحكيم رافعين لافتات مكتوب عليها الموت للخائن عبدالحكيم بشار، واللجوء كل فترة للانتقام من المجلس الوطني الكردي، وآخرها قيام عناصر حزب الاتحاد الديمقراطي ليلة 10 / 4 / 2016 بمهاجمة مكتب المجلس المحلي للمجلس الوطني الكردي في الدرباسية بعبوات مولوتوف حارقة، والاعتداء على العلم الكردستاني من خلال إنزاله وكتابة شعارات عدائية استفزازية تخوينية على الجدران.
وهي على العموم ليست المرة الاولى التي يلجأ فيها أنصار هذا الحزب للاعتداء أو التهجم على المقربين من المجلس الوطني الكردي، كما أنها ليست المرة الاولى التي يقتدي فيها أسايش هذا الحزب بممارسات أفرع المخابرات الأسدية بكل نذالتها في المناطق الكردية، والاعتداء كالعادة على العلم الكردي الذي على ما يبدو يظل مصدر إزعاجٍ دائم للأسايش ومَن معهم ومن يشد على أياديهم مِن حزب صالح مسلم وكذلك مَن وراءهم من النظام البعثي النتن.
عموماً فكل هذه الالهاءات والاستراتيجيات الاستباقية لا تجدي نفعاً مع كل من يملك البصر والبصيرة، وعلى هذا الحزب الذي ينقل حروبه الى جبهة المجلس الوطني الكردي لأسبابٍ تافهة، أن يثبت للناس ما الذي حققه بعد كل خسائره للمئات من خيرة الشباب والصبايا في صفوفه، بسبب علاقته المشبوهة مع النظام البعثي المجرم؟ وماهي الوثائق التي استطاع أن ينتزعها الحزب المذكور من ذلك النظام السوري مقابل تقديم كل تلك القرابين كرمى طاغيته ؟ والسؤال الآخر والأكثر إلحاحاً بعد الذي جرى ويجري في الشيخ مقصود، فأين هم حلفاء الحزب التكتيكيين من الأمريكان والروس وغيرهم للمساهمة في تخليص المدنيين من براثن الموت المحدّق بهم جراء ما تمطره الكتائب المتطرفة على الحي مِن صواريخ الغراد وجرات الغاز بذريعتهم منذ اسبوع، حيث راح ضحية تلك الهجمات ما يقارب المئة شخصٍ ما بين قتيلٍ وجريح؟
&