&
انقسم الشارع المصري بين مؤيد لقرار الرئيس عبدالفتاح السيسي، وأقول قرار، بالتنازل عن جزيرتي «تيران وصنافير»، اللتين تحولتا إلى حديث الشعب بفئاته المختلفة، خاصة بعد أن سادت نغمة بيع الجزيرتين للسعودية، في مقابل تقديم مساعدات مالية وإقتصادية لمصر، بعيداً عن أحقية المملكة التاريخية في امتلاك الجزيرتين..
فهناك فريق يستند إلى خطابات ومراسلات تعود إلى أوائل ومنتصف القرن الماضي، ويؤكد أن الجزيرتين سعوديتين، والطريف أن المنتمين لهذا الفريق من المسوولين المصريين، رغم أنه ليس هناك مصري واحد رأى أو اضطلع على هذه الوثائق.. أما الفريق الثاني، فيرى أن الجزيرتين مصريتين مستنداً أيضاً على وثائق، أيضاً لم يرها أو يضطلع عليها أحد، ويؤكد أن تيران وصنافير ضمن الحدود الجغرافية والتاريخية لمصر..
هذه البلبلة طفت على السطح نتيجة عدة أسباب، منها توقيت تنازل الرئيس السيسي عن هاتين الجزيرتين، والذي واكب زيارة الملك سلمان بن عبدالعزيز لمصر، وتوقيع اتفاقيات إقتصادية في ظاهرها التعاون بين الدولتين، وفي باطنها محاولة سعودية لمساعدة مصر في ظل إقتصاد مهترئ، وأحوال معيشية متدنية، وعملة تتهاوى أمام الدولار، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار، وإرهاق الطبقة الكادحة التي استلقت على ظهر العوز.. الأمر الذي استغله الكثيرون، الذين أخذوا يوجهون سهام النقد للرئيس السيسي، بل اتهمه البعض ببيع الجزيرتين للمملكة في نظير تقديم هذه المساعدات لمصر، رغم أن السيسي كمصري وكعسكري وكرئيس لا أحد يستطيع أن يشكك في وطنيته، والتزامه بالقسم على الحفاظ على سلامة الوطن ووحدة أراضيه..
من هنا كان غباء توقيت التنازل عن الجزيرتين موضع شكوك وريبة، فليس من الغريب أن يخرج البعض في تظاهرات اعتراضاً على هذا التنازل المهين، والذي لم يستند على أي وثائق تؤكد ملكيتها للسعودية، في حين هناك حق تاريخي لمصر بهما، بعد أن سالت دماء جنود مصريين عليها خلال حروب 56 و67 &و73، حتى تم استرداد الجزيرتين بعد توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، حيث عادت هاتان الجزيرتان مع الأرض التي احتلتها إسرائيل بعد نكسة 67، وطوال هذه السنوات ومصر تحرس الجزيرتين، وتدافع عنهما، وتحميهما من إسرائيل التي كانت تنوي احتلالهما، خاصة تيران التي تتحكم في مدخل خليج العقبة.. فأين كانت السعودية من كل هذا، وهل من حق مصر أن تطالب بثمن حمايتها للجزيرتين، طوال كل هذه العقود؟!
مما لا شك فيه، أن تجاهل الشعب المصري بأكمله من جانب القيادة السياسية كان سبباً آخر لتأجج مشاعر المواطنين وغضبهم من عودة الجزيرتين للسعودية، فظهر الرئيس السيسي وكأنه اتخذ قرار التنازل بشكل فردي، فلم يحترم رأي وإرادة الشعب، الذي منحه أصواته ووضعه على كرسي السلطة.. خاصة وأن المفاوضات حول الجزيرتين بين الجانب المصري والسعودي كانت تجري منذ منتصف عام 2015، ومع ذلك لا يدري بها أحد، فلا الإعلام المصري تطرق إلى قضية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، ولا اللجنة التي تتولى أمر الجزيرتين ذكرت أي شيء حولها، وكأنها مفاوضات سرية.. لذا تفاجأ الشعب بأن هناك جزيرتين اسمهما "تيران وصنافير" حصلت عليهما السعودية بعد أن تنازلت مصر عنهما، لكن ما هي القضية وما قصتهما، لم يفهم أي مصري ما جرى.. هنا كان غضب الشعب له مبرراته، والتساؤل عن سبب تنازلنا عنهما كان لابد وأن يقفز إلى الأذهان، وكأن الشعب يريد أن يوجه رسالة إلى القيادة السياسية، مفادها رفضه لهذا الإجراء الفردي الذي لا يعلم عنه شيئاً..!
وبعيداً عن انتهاز الإخوان والمعارضة العرجاء للفرصة، ومحاولة إشعال الفتن بين فئات الشعب، عبر منابرهم المشبوهة من صحف وفضائيات ومواقع، إلا أن هذا لايمنع اتهام &الرجال الذين حول السيسي بإساءة التقدير، بعد أن فشلوا في إدارة هذه الأزمة، وتعاملوا معها باستهتار شديد غير متوقعين ردة فعل الشعب المصري، الذي يرى أن "أرضه هي عرضه"، فطوال التاريخ تسيل دماء الشعب المصري من أجل الأرض والعرض، لكننا لم نرها يوماً تسيل بسبب الفقر أو الحاجة إلى مساعدات من أي طرف..
لا شك أن ما حدث هو إهانة لأي مصري شريف، فكان يجب أن يتم التعامل مع هذه الأزمة باحترافية شديدة، مثل إحالة أمر الجزيرتين إلى التحكيم الدولي، أو تكوين لجان خاصة مشتركة من الدولتين لبحث القضية، بحيث يتقدم كل طرف بالوثائق التي يمتلكها، لحين البت في أمر الجزيرتين، وفي هذه الحالة عندما يتم الإعلان عن ملكيتهما لمصر أو السعودية، يكون هذا الإعلان عن قناعة سواء من القيادة أو من الشعبين، ليكون هناك ارتياح لمبدأ التنازل.. وبذلك كنا قطعنا الطريق على الذين يستغلون الأزمات وينفخون في النار، بهدف إشعال فتيل الفوضى، والعودة بالوطن إلى الوراء..
&ما حدث في معضلة هاتين الجزيرتين، يعتبر مهزلة بكل المقاييس، وكأن الذين أداروا هذا الملف حفنة من الهواة، الذين لا علاقة لهم بعالم السياسة المعروف بدهائه، ووقاحته أيضاً..!!
&
كاتب صحفي
@sultanhaggar
&