& &نواصل الفكرة، ونتمم الوارد في الجزء السابق، بإن تلك السلطات، وعلى مدى العقود الماضية، لم تقدم أية خدمة إنسانية أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية لنقل المفهوم الوطني إلى الواقع العملي، وبالعكس، حاولت القضاء على لغات الشعوب الأخرى، بالحظر المطلق عليهم، كاللغة الكردية والأمازيغية والقبطية والشعوب السورية الأصلية وغيرهم، وعتمت أو شوهت تاريخهم، ونهبت خيراتهم، ولم تكتفي بذلك، بل هجرت أعداد هائلة من الشعب الكردي والمسيحيين من مناطقهم ودولهم (الموصوفة بالوطن) وكرهوهم بها بطرق ملتوية، واجبروهم على تبني نفس المفاهيم المطروحة من قبلهم لأحزابهم القومية، ليتهموهم على خلفيتها بالخيانة، كل هذه الأفعال تندرج ضمن خانة القضاء على مفاهيم الوطن، وهدم الأسس التي تبنى عليها الدولة الوطنية. ولا يخفى في هذا المنحى المدمر لمعاني الوطن، عمليات الاستيطان والاستيلاء على جغرافية كردستان والشعوب الأخرى المستعمرة من قبل العرب، تحت صفة الوطن العربي أو التركي أو الفارسي، وغيرها من القوانين والأفعال التي قضت على البنية التحتية لمفهوم الدولة الوطنية المزمع إقامتها.

& ساندت مجموعات من الشرائح الثقافية والسياسية من المجتمع التركي والفارسي، هذا المفهوم وبنفس الطرق التي اتبعتها سلطاتهم، وسخروا لها أحزابهم التي لم تكن أقل عنصرية، من العربية، في إدراج المصطلحات الطنانة، للتغطية على انحيازاتهم العرقية، وتفضيل انتماءاتهم القومية، بشكل فاضح بحيث لم يكن من السهل إخفاؤها تحت الشعارات الوطنية المخادعة، والتي دفعت بالشعوب المتآذية، سلوك دروب مماثلة، فشكلوا أحزاب قومية، مستخدمين الأفكار المطروحة على منصة الوطنية، وهو ما كانت تخطط له السلطات الشمولية الاستبدادية، فأصبحت الحجة بيدهم، لتصعيد سوية الاضطهاد، والتمييز العرقي، واتهامهم بالتعصب العنصري، والتهرب من الخيمة الوطنية. ولديمومة هيمنتهم المطلقة، وتثبيت الثقافة المهترئة، ذات الفكر المطلق، حرفوا بالأوطان وأغرقوها في كل الأوبئة الفكرية، والاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، وأصبحت الدول المأمولة "وطنياً" مستنقعات مليئة بالأوساخ. ولا غرابة في المجموعات التي تسمي ذاتها بالمعارضة، كالمعارضة السورية، وشرائح معارضي صدام حسين في العراق، من تبنيهم لنفس المفاهيم، واتباع نفس الطرق في التعامل وعرض المفاهيم الوطنية، إلى الحد الذي يستخدمون فيها الكلمة بين كل صاعدة وهابطة، وضمن المؤتمرات، لكنها تصدر منهم مزيفة ومشوهة، لأنها تحتضن النفاق في ذاتها وتستخدم بانتهازية فاضحة، وتتبين من خلال تعاملهم وتصريحاتهم، ونتائج المؤتمرات التي يقيمونها وبياناتهم المعروضة، بأنهم لا يقلون نفاقا وحقدا على الشعوب الأخرى، من السلطات التي خرجتهم من مراكزها الأمنية أو التعليمية. والصراعات الدموية، والكوارث البشرية، هي النتائج المرئية للنفاق الذي اتبعوه في قيادة هذه الدول القومية، المسمى ب “الوطنية" أو المعارضة " الوطنية" الغارقة في العصبية الجاهلية، والإسلام السياسي العروبي المتطرف، وفشلهما المذري من ضمن حتميات هذه الخدع الفكرية، والسياسات الملتوية.&
& &وما يجري اليوم في شرقنا، تأكيد على أن مفاهيم الوطنية لم تكن سوى نفاق على الشعوب لاستغلالها وصهرها، وتغطية على ما كانت تنوي فعله القوى العرقية المسيطرة والمتخلفة، والأنظمة الفاسدة التي نجمت عنهم، إلى درجة أنها أغرقت شعوبها في أوهام طوباوية، وخدعتهم بقدر ما خدعت الشعوب الأخرى، بسردها لأفكار وحجج منها: بأنها تطمح إلى تطبيق تجربة المجتمعات الحضارية، والتي كانت قد اخترقت تجربة قرون من الصراع الفكري، وبدأت تولج عصر التنوير. واللحاق بالدول التي أصبحت وطنية في بعضه ولا تزال تعاني الكثير والظاهرة ضمن تلك المجتمعات الحضارية، وذات الخلفيات الثقافية المتطورة والتي تحكمها أحزاب وقوى سياسية تعي النسبية وتنفي المطلق والسيادة الفردية، بعكس الجغرافيات المتشكلة بالقوة، والمشوهة خلقياً، والمسيطرة عليها القوى السياسية العروبية والإسلام السياسي أو العنصريين الترك والفرس، الغارقين في المطلق الثقافي والأوبئة الفكرية. وتسخيرهم مفهوم "الوطن" لخدمة غاياتهم وأجنداتهم العرقية المذهبية، وهيمنة سياسية انفرادية، وتشكيل أوطان ذات سيادة قومية فاضحة ك (الوطن العربي) ذات الكلمتين المتنافرتين إلى حد الغثيان، وكذلك(إيران) ومثلها (الجمهورية التركية) أدت إلى النتائج الكارثية. وفضحت أكثر عندما فرضت على القوميات المغلوبة على أمرها، والطوائف غير المسلمة بأساليبهم، أو تقبلوها تحت تأثير الشعارات الرنانة المزيفة، أو آملين بمساوات في الحقوق والواجبات، متناسين في هذا البعد، الجدلية الأخلاقية والفكرية المتضاربة، بين القوى الاستبدادية المسيطرة المتخلفة والعنصرية، والتي تعيش البداوة أو العتق المطلق الثقافي، حيث السيادة والموالي، والشعوب المقهورة والمفروضة عليهم تقبل الموجود كرهاً.
&العربي والتركي والفارسي، يغوص في أوحال هذه المعضلة، تأذى إلى درجة ما، من المفهوم وخلفيات تحميله لهم، ولا يزال يعاني الويلات، فقد استخدمه سلطاته الاستبدادية، في حروبها مع المجتمعات والشعوب التي استولت على جغرافياتهم، بعد أن نقلتهم من مفاهيم الفتوحات الإسلامية إلى شعارات "الوطن" وزجت بهم في صراعات فكرية وسياسية وعسكرية متواصلة مع الكرد والأمازيغ والقبط، والأراميين بكل طوائفها، وأدرجتهم في حيرة فكرية، ما بين السبب والمسبب في ظهور هذه الصراعات، وخلفيات هذا المفهوم الخاطئ، والثقافة المشوهة؟ ومن كون من؟ وهل الأوبئة من الأنظمة العربية أم من المجتمع العربي الإسلامي السياسي؟ وهل الأنظمة خلقت الثقافة وسيرتهم كمجتمعات تؤمن بالمطلق والطغيان الفردي، ومفهوم السيادة والموالي؟ أم السلطات العربية الاستبدادية تعكس نواة المجتمع المولد لهذه الأنظمة، وتعكس ثقافته؟ وهل الثقافة المبنية على تراكمات قرون من المفاهيم الخاطئة، والمسيطرة على المجتمع هي المنتجة لكل هذه التشوهات؟ هل هي دورة تكاملية تنتج بعضها، فمن المجتمع العربي تظهر الأنظمة الاستبدادية العربية، وبدورها تشكل السلطات الفاسدة، كالبعث والأسدين والقذافي وصدام وغيرهم، المستندة على الصراعات للبقاء، أم بالعكس، وفي الحالتين، يظل الوباء الثقافي مدمراً، ونتائج الصراع يتحمل تبعاته المجتمعات الموجودة ضمن تلك الجغرافيات السياسية، المسماة جدلاً ب “الدول الوطنية" هذه الأسئلة وغيرها تفرض ذاتها، وتفضح النهاية، وهي أن (الدولة الوطنية) فشلت في الشرق الأوسط، وبشكل بشع، فعناصرها تعادي بعضها، إلى حد كارثي، ولا حلول لها إلا بتقبل الأنظمة الفيدرالية أو الكونفدرالية واللامركزية السياسية، لتشكيل &الجغرافيات (الوطنية) الحقيقية والصادقة، كالتي خلفتها الاستعمار الكلاسيكي رغم الكيان المتنافر، ولغاية ما، وأفرزت ضمنها السلطات اللاحقة عوامل الصراعات فيما بعد، لتتلاءم ومصالحها ومصالح السلطات الاستبدادية اللاحقة.

الولايات المتحدة الأمريكية