من سمع المناظرات حول جزيرتي تيران وصنافير يدرك أن الأزمة الأخلاقية التي نحن فيها أعمق مما نتصور، فمن التحليل إلى إيراد الأدلة إلى الردح والشتم الذي يدل على كراهية مستحكمة بين العرب، وقد تفننوا بالشتم إلى درجة لا يتصورها العقل، مما يقطع الشك ياليقين بأننا نحن سبب هزائمنا وعدونا هو أنفسنا، وقد نسي هؤلاء أن السعودية تتعرض لهجمة غير مسبوقة وأنها مستهدفة، ولو صرفنا النظر عن أمن السعودية، فعلينا أن نفكر بأنفسنا، ألا يعلم هؤلاء الشتامون انه إذا تعرضت السعودية للخطر فإن ملايين العرب سيرجعون إلى بلادهم وسوف تخسر بلادهم تحويلاتهم النقدية، ويزداد وضعها الاقتصادي سوءا؟ هذا إذا صرفنا النظر عن واجب الوقوف إلى جانب السعودية دون مقابل، وفكرنا بطريقة براغماتية.&
سنبقى ننظر إلى إخواننا وهم يدمرون دولة بعد الأخرى، وننأى بأنفسنا، وسوف نظل نلمز بعضنا البعض ونتنابز بالألقاب، فهذا بدوي جاهل قادم من الصحراء، وهذا دجال مراوغ وذاك فلسطيني مشرد تخلى عن أرضه وذاك حرامي وذاك لئيم وذاك غبي وذاك كسول وكل مواطن في الدول العربية له لقب جاهز لديهم وعندما تحل مصيبة في بلد، يظنون أنهم في منأى عن المصائب ويحمدون الله "الذي عافاهم مما ابتلى به غيرهم". فقط عندما نتساوى بالمحن والمصائب والدمار سنكف عن "قلة الأدب" وندرك أننا ظلمنا أنفسنا وحينئذ نقتنع بفكرة التضامن والتعاون والتوافق والتعايش والاحترام المتبادل.&
قالت لي سيدة ذات مرة "إننا نبتلى بالمصائب بسبب الإباحية التي في بلادنا" فقلت "هذه إسرائيل أم الإباحية ونجدها أقوى يوما بعد يوم فلماذا لا يبتليها الله مثلما يبتلينا؟" فردت "ألم تسمعي الآية التي تقول "ونمدهم في طغيانهم يعمهون". أي أن الذي يفهم من هذا الحوار هو أننا نعاقب على الإباحية بينما إسرائيل أمدها الله بطغيانها لكي يعاقبها يوم القيامة. هل ترون المغالطات التي نعيش فيها؟&
غاب عن عقل السيدة أن إلإسرائيليين يحترمون بعضا ولا يتغولون على بعض، وبينهم تضامن وتآلف عز نظيره، ولا يحلم العرب أن يصبحوا مثلهم ذات يوم، لأنهم ببساطة يعانون من أزمة أخلاقية أظنها فريدة من نوعها في العالم. وعندما نقرأ مقدمة ابن خلدون وتحليله للشخصية العربية، نقول أنه أمازيغي حاقد، علما أنه ليس أمازيغي، ويجمع الكثير من العلماء على أنه عربي، لكنه شاهد سلوك العربي، وتلونه وانحرافه عن جادة الصواب وأنانيته وقصر نظره، فعبر عما شاهده، ولا يزال القراء حتى يومنا هذا يوافقونه الرأي.&
ليست المشكلة الجزر ومصر والسعودية، بل المشكلة هي أننا نقيم الأمور من منظور إقليمي ضيق، وننسى أننا أمة واحدة وسوف يأتي الدور علينا جميعا، فلا تستعجلوا.&
&