بعد نحو 7 عقود من الزمن تتواصل في إسرائيل محاولات إيقاظ الضمير والإقرار بوجود حقائق لم يعد بالإمكان الاستمرار في طمسها وإخفائها عن الرأي العام الإسرائيلي. ويتمثل جديد "صحوة الضمير" في جهود ونشاطات جمعية "زوخروت"(ذاكرات) التي ظهرت نواتها الأولى في عام 2002 ، على يد مجموعة من الناشطين اليهود، من أبرزهم إيتان برونشتاين.
&وقامت "ذاكرات" لهدف جلب معرفة النكبة إلى الجمهور اليهوديّ في إسرائيل.. معرفة النكبة هي شرط حتميّ للاعتراف بمسؤولية اليهود عن حصتهم في النكبة الفلسطينية، وهو شرط أساس للمصالحة مع الفلسطينيين مستقبلاً. والاعتراف بالمسؤولية معناه الاعتراف بدين اليهود الأخلاقيّ عن عمليات الطرد والتخريب عام 1948، وكذلك اعتراف وتحقيق لحقّ اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى بلادهم وفقاً لقرار الأمم المتّحدة رقم 194.. والنشاط الذي يقوم به يهود في "ذاكرات" يعكس رغبة لدى يهود في إسرائيل بتغيير تعاطيهم بشكل أساسيّ مع المأساة التي حلّت بالفلسطينيين، وأنشأت الأساس لإقامة الدولة اليهودية في البلاد. هؤلاء اليهود يسعون لمعرفة المأساة التي حلّت بالفلسطينيين، والإصغاء إلى معاناة اللاجئين الفلسطينيين وذرّيتهم. إنهم يسعون لفهم النكبة أيضاً كتاريخ لهم أنفسهم. اليهود(الصهيونيون) طردوا الفلسطينيين ومنعوا عودتهم، لذلك فإنّ هذه القصّة أيضاً هي "قصة يهودية". ولا يمكن فهم (وتحدّي) هوية اليهود في البلاد دون التطرّق إلى التطهير العرقي الذي أتاح لهم الحياة في دولة تمّت إقامتها لليهود فقط. وإن معرفة النكبة تجعلنا نلتقي مع قصص أخرى حول علاقات يهود وعرب في البلاد قبل النكبة وخلالها، منها حول الجيرة الحسنة ومحاولات المعارضة من قبل يهود للفظائع ضد فلسطينيين، التي تتحدّى الرواية المهيمنة. هذه القصص "المقاومة" تذكّر دائماً أنه كانت هناك إمكانيات أخرى في كل لحظة زمنية، وأنه كان يمكن دائماً للتاريخ أن يسير بشكل مختلف.. التاريخ ليس سيرورة سببية معروفة النهاية سلفاً.. التواريخ الأخرى هامة لغرض إدراك الحاضر، لكنها أهم بما يفوق ذلك من أجل تحدّي إدراك الماضي الذاتي للمجموع اليهودي في إسرائيل.. هكذا يجب فهم التاريخ أيضاً، كأمر غير مفروض سلفاً.. النكبة هي نوع من نقطة صفر للصراع، لكن التاريخ منذ تلك اللحظة صنعه أشخاص بواسطة قرارات سياسية حاسمة.. فتح هذه القرارات للجدل والقراءة المجدّدة يشكّل رافعة هامة لتغيير مستقبليّ في العلاقات مع الفلسطينيين. وتذكّر النكبة باللغة العبرية معناه خلق لغة جديدة تقلقل اللغة السائدة في الجمهور اليهودي. ولغة عبرية مع نكبة في داخلها لا يمكن أن تظل لغة يهودية طاهرة، ولو بفعل المصطلح العربي نفسه الذي يشير إلى المأساة. ومقابل قصص النكبة يجب أن يقف اليهود بوصفهم عنواناً لها. واللغة الجديدة التي تُكتب هي لغة ممزّقة تعي الفجوات غير القابلة للجسر فيها. إنّها لغة أغنى، مثلنا نحن كبشر.
&وتعتقد " ذاكرات": إنّ أهمية الحفاظ على ذكرى النكبة لا تتعلّق بالتغيّرات السياسية والثقافية، بل إنه يتلاءم مع حالة الصراع اليوم، وربما ستكون له أهمية أكبر في استقرار حالة السلام مستقبلاً. فالسلام سيسود في البلاد فقط بعد أن يتمكّن كافة أهلها ولاجئيها من العيش دون تهديد بالطرد أو منع العودة بالقوّة. لذلك، إنّ الاعتراف بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم هو شرط حتميّ لتأسيس سلام ونظام ديمقراطي حقيقي في البلاد. ويجب ألا يكون حق العودة متعلقاً بطابع التسوية السياسية النهائية في البلاد (دولتان، دولة واحدة، أو كونفدرالية)، بل إنّه شرط سابق لتلك كلّها.&
وأطلقت جمعية "زوخروت"(ذاكرات) في ذكرى يوم النكبة الخامس الستين "وثيقة يافا"، التي تقترح تخطيط عودة الفلسطينيين إلى منطقة تل أبيب ويافا، ووزعت في اليوم نفسه أيضاً أول خارطة عن النكبة باللغة العبرية.
وأشار إيتان برونشتاين، معد خارطة النكبة باللغة العبرية والمدير العام لجمعية "زوخروت"، إلى أنه يمكن الاستعانة بهذه الخارطة خلال عملية التخطيط للعودة. ويقول: "أطلقنا عليها اسم "خارطة النكبة"، وهي تضم كافة البلدات التي دمرتها الحركة الصهيونية. وما يميز هذه الخارطة أنها توضح باللون الرمادي كافة البلدات القائمة حالياً، ومن ناحية ثانية علّمنا كافة البلدات العربية التي دمرتها الحركة الصهيونية بلون بارز. وهذه الخارطة مفيدة جداً في سياق تخطيط العودة".
&وتستعرض الخارطة جميع البلدات التي هدمت في البلاد منذ بدء ممارسات الحركة الصهيونية. فهناك بلدات دمرت قبل النكبة، وهي قرى فلسطينية صغيرة قامت الحركة الصهيونية بشراء أراضيها من إقطاعيين كبار وقامت بطرد السكان منها، وهي نحو 62 قرية. ووضعنا أيضاً علامات على قرى يهودية هدمت عام 1948 وهي 22 قرية، ونجد قرى يهودية هدمت قبل عام 1948 وهي ثلاث قرى. وتطلعنا "خارطة النكبة" على كافة البلدات الفلسطينية التي دمرتها إسرائيل. ووضعنا علامات على 678 بلدة مهجرة. وذلك بثلاث طرق مختلفة وفق حجمها، قرى صغيرة قطن كل منها 100 شخص. وبلدات متوسطة قطن كل منها 100 - 3000 شخص. وبلدات كبيرة (مدن) قطن كل منها أكثر من 3000 شخص. ونجد في الخارطة 127 قرية في الجولان دمرت خلال حرب 1967.&
&وتستعرض الخارطة ثلاث قرى فلسطينية في الضفة (قرى اللطرون) التي هدمت في حرب العام 1967. وهناك إشارة خاصة في الخارطة إلى 14 بلدة عربية قائمة تعرضت إلى طرد جزئي أو مؤقت خلال النكبة مثل عيلبون، ترشيحا، عيلوط، نحف وغيرها.. وقد اقتصرت الخارطة فقط على القرى التي دمرتها الحركة الصهيونية خلال الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني. وعلى سبيل المثال لم تتطرق الخارطة إلى القرى الألمانية (تمبرليم) العشر التي دمرها البريطانيون في نهاية الحرب العالمية الثانية وطردوا سكانها إلى أستراليا بعد أن تضامنوا مع الحركة النازية. ولم تتطرق إلى البلدات اليهودية التي هجرها سكانها لأنهم لم يستطيعوا التأقلم والعيش في البلاد.
بالمقابل، تلعب المؤسستان الأكاديمية والإعلامية في إسرائيل دوراً مهماً وخطيراً في عملية التضليل وطمس الحقائق وقلبها رأساً على عقب. وعلى سبيل المثال ولتبرير ضرورة ما يسمى "قانون النكبة" الذي يمنع الفلسطينيين داخل ما يدعى "الخط الأخضر" من إحياء &هذه الذكرى-المأساة، أفاد الصحفي بن درور يميني أنه تم تضخيم النكبة حتى باتت حدثا عملاقا، إلى درجة أنها تحول دون حل النزاع. وخلال الأربعينات من القرن الماضي كان التبادل السكاني وعمليات التهجير في سبيل إيجاد دولة قومية هي نهجا مألوفا، حيث مر بمثل هذه التجربة عشرات الملايين من البشر. ولكن الفلسطينيين وحدهم، يضخمون أسطورة النكبة يوما بعد يوم. بمعنى أن "الترانسفير" بأشكاله المختلفة كان أمراً مألوفاً.
&وزعم وجود نكبة أخرى، دعاها "النكبة اليهودية" هي أكثر خطورة من النكبة الفلسطينية، والفرق الوحيد بينهما، حسب يميني، هو أن اليهود لم يحوّلوا نكبتهم إلى روايتهم المؤسِسة، بل عكس ذلك هو الصحيح، مشيراً إلى سلسلة كبيرة من "المجازر"! وأعمال النهب والسلب ومصادرة الأملاك والتهجير بحق يهود البلدان العربية الذين لم يعلنوا الحرب على أي من البلدان التي كانوا يقيمون فها، بل كانوا "مواطنين أوفياء"!!.
&كما زعم بن درور يميني أن يهود الدول العربية &تعرضوا ل"محرقة صغرى" و ذكر أنه حتى في العصر الذهبي الذي يعد من البراهين التي يؤتى بها لإثبات التعايش بين اليهود والمسلمين هو الازدهار الذي عرفه اليهود تحت حكم المسلمين في إسبانيا، تخللته سلسلة من اعتداءات تعرض لها اليهود.
&ويسوق يميني نظرية تفيد أن الفلسطينيين هم أعداء أنفسهم فنكبتهم هي من صنع قيادتهم، ويتناسى عمداً أن النشاط الصهيوني في البلاد العربية هو الذي نقل يهود تلك البلاد من مواطنين مشكوك بولائهم نتيجة الأعمال التخريبية الصهيونية والموسادية في العراق ومصر، على سبيل المثال لا الحصر، (حادثة الفرهود، وفضيحة لافون) وإلى محتلين في فلسطين.
&