&
ليسمح لي عزيزي القارئ أن أناقش مقاليين نشرا في الشهر الماضي، أحدهما في الصحافة اليابانية، والآخر في الصحافة البحرينية. فقد كتبت ستناني وايت، في صحيفة اليابان تايمز، تحليلا عن "الكاروشي" اليابانية فقالت: "تعيش اليابان تعويضات غير مسبوقة لحوادث الموت المتعلقة بالإفراط في العمل، والمسماة، بالكاروشي، والمرتبطة بالمعانة الطولية الأمد، من رجال رواتب الوظيفة، والتي ازدادت نسبها بين الشباب والنساء. فمع إرتفاع الطلب على العمالة، بوجود 1.28 وظيفة لكل طالب للعمل، والتي هي الأعلى منذ 1991، والذي سيساعد رئيس الوزراء الياباني بالدفع لعدد أكبر من المواطنين للعمل، لمعالجة الإنكماش الديموغرافي، بإنخفاض عدد الشباب. وقد أدت رخاوة أنظمة العمل، بالدفع ببعض الشركات لزيادة ساعات العمل بشكل غير مسبوق، لتؤدي لنتائج عكسية مأساوية خطيرة. فقد سبب ذلك ضغوط خطيرة نتج منها أمراض نفسية وجسمية مزمنة، كانت في بعض الأحيان نتيجتها الإنتحار، مما زاد طلبات التعويضات للكاروشي، لتصل إلى 1456 حالة لعام &2015، ولتتركز الحالات في قطاع الصحة والخدمات الاجتماعية والبناء والشحن، وهي المهن التي تعاني من نقص مزمن في العمالة. ويعتقد الأمين العام لمجلس الدفاع عن ضحايا الكاروشي، بأن العدد الحقيقي هو عشرة أضعاف هذا العدد، بسبب تردد الحكومة، بضغط الشركات، القبول بهذه الإصابات. والتحدي الحقيقي هو معالجة هذه المعضلة بخفض ساعات العمل. وقد تغيرت طبيعة هذه الإصابات، حيث كانت 85% منها في ثمانينيات القرن الماضي بين القيادات والفئات المتوسطة من الرجال في العمل، بينما إنتشرت اليوم أيضا بين النساء، حيث أن 20% من النساء العاملات تصاب بهذا الداء الخطير. ولا يوجد في اليابان قانون يحدد ساعات العمل، ولكن تعترف وزارة العمل اليابانية بنوعين من إصابات الكروشي، الأول، الموت من اصابة قلبية، بسبب الإفراط في العمل، وذلك بالعمل مائة ساعة إضافية في الشهر بعد ساعات العمل الرسمية قبل الوفاة، والثاني، الموت من إصابة قلبية بسبب ثمانين ساعة إضافية بعد ساعات العمل الرسمية خلال شهرين أو أكثر قبل ستة شهور سابقة للوفاة. كما يعتبر أيضا الانتحار نوع آخر من الكاروشي، لو أنه حدث بعد 160 ساعة عمل اضافية بعد ساعات العمل الرسمية، خلال شهر واحد، أو أكثر من 100 ساعة إضافية شهريا خلال ثلاثة شهور. وقد ارتفعت نسب الانتحار المتعلقة بالعمل الاضافي 45%، خلال الأربع سنوات الماضية، في من هم أعمارهم 29 سنة أو أقل، بينما أرتفع 39% بين النساء. وقد أصبحت مؤخرا هذه المعضلة حادة، بعد أن إنقسمت القوى العاملة لمجموعتين، العمالة المنتظمة، والعمالة المؤقتة التي أنتشرت بين النساء والشباب، حيث أرتفعت نسبة العمالة المؤقتة في عام 2015 إلى 38%، بينما كانت 20% في عام 1990، كما أرتفعت بنسبة 68% بين النساء العاملات.&
&
تصور عزيزي القارئ، يعرض المواطن الياباني حياته للموت بإخلاصة وإفراطه في العمل، بسبب حبه لوطنه، واحترامه لمؤسساسته الحكومية والتشريعية والقضائية، وإلتزامه بدستوره ودولته وإمبراطوره، وتناغم أخلاقيات سلوكه وروحانياته مع باقي مواطني بلده. ولذلك تحولت اليابان خلال عقدين من الزمن، بعد إنتهاء دمار الحرب العالمية الثانية إلى ثاني إقتصاد عالمي. وطبعا زيادة العمل هي نتيجة توفر الوظائف، حيث أن هناك 1.28 وظيفة لكل طالب عمل، وتوفر الوظائف هي نتيجة الصناعات والخدمات المتميزة والمتوفرة. كما أن توفر الصناعات والخدمات المتميزة هي نتيجة للإبداعات التجارية والثقافية والصناعية التي حققها المواطن الياباني، بسبب إهتمامه بالتعليم، وكمال الإتقان والإخلاص للعمل، وتقديسه للوقت، بالإضافة لأخلاقيات سلوك العمل اليابانية وروحانياته، وإلتزامه بعقائد واقعية وبرغماتية متناغمة ومنتجة، مع تجنبه العقائد النظرية المفرقة والحالمة. ولنتساءل هنا: ما الدور الذي لعبته "المعارضة الثيوقراطية البحرينية" لخفض نسب البطالة، وزيادة نسب الإبداع والإنتاجية، لخلق خدمات ومنتجات صناعية يثق بها العالم ويشتاق لشرائها؟ بل ما الدور الذي لعبته في تشجيع الشباب على العلم والمعرفة، والإبتعاد عن الطائفية والخرافات المفرقة، والتوجهه للعمل المخلص والمبدع والمنتج، مع الإلتزام بالإنضباط، وأحترام قدسية الوقت، والإيمان بأخلاقيات سلوك عمل متميزة؟&
&
فلنراجع معا عزيزي القارئ ما حققته هذه المعارضة، التي تحمل أجندات من خارج إطار الوطن، لتركز على احلام غير واقعية، وأيديولوجيات مفرقة، ولتبتعد عن البرغماتية، لتحاول تعطيل تحقيق التنمية المستدامه. فالجدير بالذكر بأن عقلية المواطن الياباني السياسية تركز على البرغماتية الوطنية الواقعية، وتحقيق اقتصاديات ملموسة للمواطن، عكس ما نجده في عقليتنا السياسية، فهي عقلية حالمة، بين توحيد العرب في نظام قومي، أو توحيد المسلمين في نظام خلافة دينية، أو توحيد العالم في نظام شيوعي، وبين محاربة الغرب والقضاء على إسرائيل، مع تناسي لقمة العيش والوظيفة والأكل والسكن التي يحتاجها المواطن، بل لنتناسى التنمية المستدامه تماما، بل ولنتفرغ لصراعات حزبية سياسية داخلية، وحروب مدمرة خارجية. ولنلاحظ بأن جميع هذه الأطروحات أطروحات خيالية، أرهقت المنطقة، وعرضتها لخلافات وصراعات وحروب مدمرة، وبدون أية نتائج إيجابية، بينما زاد المواطن العربي جهلا وفقرا ومرضا ومعاناة، بل ليتحول أكثر من أثنى عشر مليون مواطن، للاجئين مشردين &هم وعوائلهم من أطفال ونساء وشيوخ. بل ولتزيد الطين بلة "المعارضة البحرينية الثيوقراطية" بتطرف اطروحاتها، وبعنف وسائلها، وبتخلف نظرياتها، بالإضافة بأنها منشغلة بصراعاتها الداخلية النظرية والشخصية، والتي سببت إفشال المحاولة البرلمانية البحرينية الأولى بعد الاستقلال، في بدايات سبعينيات القرن الماضي، ليؤدي ذلك بتجميد هذه المحاولة الفتية منذ ولادتها، مع ذلك أصرت الدولة بحزم وحكمة الإستمرار في خططها في التنمية المستدامة، وبكفاءات قيادية بحرينية متخصصة ومتميزة، لتحول البحرين من قرية تاريخية صغيرة، إلى مركز مالي عالمي، ببنية تحتية متميزة، وقوى بشرية مؤهلة، ورعاية صحية وتعلمية واسكانية مجانية متطورة، مع تأمين للتقاعد والتعطل للجميع. ومع الأسف يتكرر تطرف وعنف هذه المعارضة مرة أخرى في عام 2001 حينما طالب جلالة الملك الشاب في بداية عهده، بتشكيل مجلس من خيرة خبرات البلاد لوضع ميثاق وطني، والذي وافق عليه أكثر من 98% من شعب البحرين، مما نتج عنه وضع دستور لمملكة دستورية بنظام ديمقراطي، يفصل السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية. وقد رفضت هذه المعارضة مرة أخرى هذه التجربة الديمقراطية الجديدة، بل وقاطعت الإنتخابات التشريعية، بسبب إستعجالها ومطالبها النظرية الحالمة الغير مسئولة، بل وأستمرت في تعنتها حتى مرحلة ما سمي، بطوفان الربيع العربي، والذي وصل إلى مملكة البحرين في شهر فبراير من عام 2011، ولتحاول فاشلة، وبمساعدة الثيوقراطية الإيرانية، ووكلائها في المنطقة، لقلب نظام الحكم، إلى نظام "جمهوري ثيوقراطي".&
&
وبعد خمس سنوات من المحاولة الإنقلابية الفاشلة للمعارضة الثيوقراطية البحرينية المتطرفة، ليسمح لي عزيزي القارئ أن نناقش المقال الثاني الذي يتعلق بخبر نشرته الصحافة البحرينية عن ندوة عقدتها قوى المعارضة البحرينية، والتي شرح فيها قيادي "المعارضة الوطنية" الأستاذ محمود القصاب الوضع السياسي البحريني فقال: "إن كل الأطراف المشتبكة في النزاعات المتفجرة في المنطقة، تجد اليوم نفسها مضطرة إلى الجلوس على طاولة المفاوضات مهما بلغت الخسائر، والشيء الوحيد الذي ينقذ الوطن ويقلل الخسائر، هو البحث عن تسوية سياسية، المهم فسح المجال للعقل والحكمة. كلما تأخرت خطوط المعالجة الصحيحة فإن ذلك يفتح مساحة أكبر لحالة الاستقطاب، لذلك نحن ندعو إلى تقديم التنازلات المتبادلة حتى ولو كانت مؤلمة، ونحن نرى أن أبواب الحلول لم توصد حتى الآن، فلنبادر جميعا لصعود قطار الحوار الوطني للوصول إلى محطات الديمقراطية والعدالة، فهذا هو أقصر الطرق وأقلها كلفة." بينما تحدث عن "المعارضة الثيوقراطية"، الأستاذ خليل المرزوق يقول: "غياب التوافق والشراكة والحلول السلمية أوصل البلدان الأخرى إلى العنف، خلاف البحرين التي حافظت على حراكها السلمي. والبحرينيون يجب أن يفتخروا بأنهم لم يلجأوا إلى الخيارات العنيفة، كما أنهم لم يرتهنوا لإرادات خارجية. وإن البحرين قطرة في محيط من الأزمات، وهناك خياران لدينا، إما أن نترك تأثير الأزمات الإقليمية أن يأتي لنا بكل الأمور السلبية، أو عزل البحرين عن الاستقطابات الإقليمية وتقليل التأثيرات السلبية لكل أزمات هذا الإقليم، وذلك يتم عبر الحوار. وهل هذا الشعب المتنور يحتاج إلى إيران أو غيرها لكي يعرف أن العهد الدولي ينص على قيم الحرية والعدالة والمساواة؟ علينا أن نعترف بأن هذه الأزمة بحرينية، ونذهب بخارطة طريق، لبناء ثقة، وعملية سياسية، وضمانات للعملية السياسية، قوامها نصوص دستورية، وقوانين تحترم حقوق الإنسان".
&
تلاحظ عزيزي القارئ التحدي الياباني هو الكاروشي، وهو الموت نتيجة الإفراط في العمل، بينما التحدي الشرق أوسطي إشغال المعارضة الثيوقراطية الشباب بإوهام طائفية بائده، لا تسمن ولا تغني من جوع، بل وتحتاج زعامة هذ المعارضة الثيوقراطية المتطرفة، مرة أخرى، "بمبادرة جريئة من قبل الجانب الرسمي" ليس بمبادرة جريئة من طرفها. بل وتتحدث بأسم شعب مملكة البحرين، وتطالبه "بأن يفتخر لأنه لم يلجأ، ولم يرتهن لإرادات خارجية." ويبدو بأنه تناسى أعمال العنف التي قامت بها المعارضة الثيوقراطية في البلاد، لإرهاب المواطننين، ومحاولة تدمير الاقتصاد الوطني، وإضعاف التجربة الإصلاحية المباركة، وتعطيل الرؤية الإقتصادية لعام 2030، ومحاولة إعاقة الإنتخابات النيابية. بل وتسائل أيضا وبكل فخر، وبأسم الشعب البحريني بأنه "هل يحتاج إلى إيران لكي يعرف أن العهد الدولي ينص على قيم الحرية والعدالة والمساواة؟" وهنا يبدو بأن أستاذنا الفاضل يحاول التهرب من علاقة تنظيمه بالنظام الثيوقراطي الإيراني، ووكلاءه في المنطقة. وليسمح لي طرح الأسئلة الصريحة التالية: هل فعلا جمعيته تمثل الشعب البحريني ليتحدث بإسم هذا الشعب الأبي؟ ألا تمثل هذه الجمعية قلة من طائفة معينة؟ أليست هي جمعية سياسية طائفية، تؤمن بمبادئ الثيوقراطية الإيرانية؟ إليس سكان مملكة البحرين مليون وثلاثمائة ألف، ونصف هؤلاء مقيمين، والنصف الآخر مواطنين من أصول وأديان وطوائف مختلفة، من مسلمين بطوائفهم المتعددة ومسيحيين ويهود وهندوس وبوذيين وعقائد أخرى متعددة؟ فهل جمعية الوفاق تمثل جميع هذه الفئات من سكان البحرين، ليتحدث الأستاذ بأسمائهم؟ بل هل تمثل هذه الجمعية حتى 1% من طائفة معينة؟ بل ألم تتفتت هذه الجمعية بخلافاتها المتطرفة إلى جمعيات أصغر وأصغر؟ ألم تقوم هذه الفئات المتحاربة باستغلال طوفان الربيع العربي للإنقلاب على المملكة الدستورية؟ ألم تطالب للإعلان عن "جمهورية طائفية ثيوقراطية" على النمط الإيرني الفاشل في مملكة البحرين الدستورية؟ ألم يطبل ويزمر الإعلام الثيوقراطي الإيراني لهذه الفئة الإنقلابية؟ ألم تظهر هذه الفئة الانقلابية في الإعلام الثيوقراطي الإيراني لتطالب بجمهورية ثيوقراطية؟ ألم تراجع قيادات هذه الفئة على شاشات التلفزيون في شهر فبراير الماضي أخطائها، وتعتذر عن رفضها الحوار وأتجهها نحو العنف، للإنقلاب على المملكة الدستورية؟ ألم يؤكدوا في حديثهم بأنهم كانوا يعملون مع وكلاء النظام الثيوقراطي الإيراني في المنطقة؟ وهل مستعد أستاذنا الفاضل أن يعترف بأن هذه الأزمة بحرينية، ويرفض التدخلات الثيوقراطية الإيرانية ووكلائها في المنطقة، ويمنع عناصره من إستخدام الإعلام الثيوقراطي الإيراني للإضرار بإقتصاد وأمن مملكة البحرين؟ وهل مستعد للإخلاص لوطنه، ليلتحق بقطار الحزم والتنمية المستدامة لمملكة البحرين الدستورية؟ وهل ستتخلص جمعيته من أطروحاتها الطائفية، وتمنع الفكر الثيوقراطي الطائفي المدمر، وتتصدى لإستغلال المنبر الديني الروحي الأخلاقي، لمصالح إنتهازية حزبية سياسية دنيوية زائلة؟ وهل ستغير هذه المعارضة بوصلتها، لتعمل مع باقي شعب مملكة البحرين وقياداته، ومن &خلال النظام والدستور، لتحقيق اصلاحات التنمية المستدامه المرجوه؟ والسؤال الأخير: هل يتصور أستاذنا الفاضل مدى الدمار الذي سببته قيادات جمعيته بتطرفها وتعنتها وجهلها وخرافاتها وطائفيتها، بل وبتعاونها مع نظام معادي لمملكة البحرين الدستورية والعرب، لشابات ولشباب طائفته، نفسيا وعقليا وجسميا واقتصاديا؟ ورحم الله إمرءا عرف قدر نفسه. ولنا لقاء.
&
د. خليل حسن، سفير مملكة البحرين في اليابان
&