&بعد أن غابت ثقافة الحوار بين بني الإنسان، وبعد أن اختفت ثقافة احترام الرأي الآخر، والقتال من أجل فرض الرأي الأوحد، وبعد أن سيطرت الأطماع على عقول الدول والبشر، والرغبة في التخلص من أنظمة فوق جثث الأوطان، سادت لغة وثقافة القتل بين أركان العالم.. وأصبحت دماء الإنسان بلا ثمن، نتيجة أفكار ظلامية هدامة، وفناعات تكفيرية لا علاقة لها بالأديان السماوية التي تدعو للخير والتسامح والتعايش واحترام الإنسان..

نعم، ظهرت تنظيمات ظلامية كارهة للإنسان، والحياة، تدعو للذبح والحرق والسطو وهتك الأعراض وقتل كل شيء جميل في المجتمعات، لتحرم البشر من الأمن الأمان... تنظيمات تنثر بذور الشر في كل مكان، تسفك دماء الأبرياء ببرود تحسد عليه، دون رحمة أو تردد، والغريب أن هذه الجرائم ترتكب باسم الإسلام، وهو منها براء، لأن هذه التنظيمات الظلامية لا علاقة لها بأي دين، وهدفها هدم الإنسان والأوطان، وتنفيذ مخططات وأجندات غربية لا تريد لنا الخير، هي تنظيمات ارتضت أن تكون مجرد أداة لهدمنا والنيل من أمننا وأموالنا ومستقبلنا، والسير بنا نحو عصور الظلام التي تتفق مع عقولها المعتمة، وأفكارها الشاذة، وأطماعها المريضة.. هي تنظيمات من المرتزقة الكارهين للتقدم والحضارة والتطور، الراكضين في مضمار الخيانة والطعن في الظهر..!
هذه التنظيمات، من القاعدة، مروراً بالجهاديين التكفيريين المتأسلمين وانتهاءً بداعش، أصبحت مصدر تهديد لكل المجتمعات، فهي تروج لثقافة القتل، الإنسان بالنسبة لها لا قيمة له، هي لا تتردد في تفجير حافلة أو محطة قطار او مطار أو طائرة، أو مسرح مكتظ بالجمهور، أو ملعب كرة قدم، أو ساحة تجمع بعض الناس للسياحة أو الترفيه.. حتى المساجد أيضاً لم تسلم من إجرامها، إنها تنظيمات تسعى لحرمان الإنسان من الحياة، تسير على الأرض بأقدام الشر، وتبث الرعب في قلوب الأبرياء..
لذلك لا أحد يستغرب قيام هذه التنظيمات بجرائمها البشعة، وإعلان مسؤوليتها عن أي عمل إرهابي خسيس، يدمي قلوب البشر، دون أن يتحرك لها ساكناً، بل وتتباهى بأنها قامت بهذا العمل المجرم أو ذاك، وتفتخر به وتدعو للمزيد من هذه الأفعال المريضة التي ترتبط بالجاهلية ضد ما يسمونهم الكفار، وتبارك لأفرادها القتلة بنيلهم الشهادة، بعد أن نجحوا في تفخيخ مؤخرتهم وتفجير أنفسهم، وهم على قناعة بأن هذا الفعل الإجرامي هو الطريق إلى الجنة، بعد أن تعرضوا لعملية غسيل مخ ممنهجة..!
من هنا، لا يستبعد الكثيرون أن يكون سقوط الطائرة المصرية فجر الخميس الماضي، نتج عن عمل إرهابي عن طريق أحد هذه التنظيمات الإرهابية الموتورة، خاصة وأن التداعيات التي تحوم حول أسباب سقوطها تشير إلى انفجارها في الأجواء على ارتفاع 33 ألف قدم، والدليل، حسبما ذكر بعض الخبراء في عالم الطيران، أنها تحطمت إلى أجزاء صغيرة، كما أن الجثث تمزقت إلى أشلاء حتى أصبح من الصعوبة جمعها أو التعرف على أصحابها، كما أن قائد الطائرة لم يبعث بأي استغاثة لأبراج المراقبة تفيد بأي خلل فني قد يكون أصاب الطائرة، إضافة إلى اختفاء الطائرة فجأة من على شاشات الرادار.. في حين رجح آخرون بأن تكون الطائرة أسقطت نتيجة إصابتها بصاروخ، أو زرع عبوة ناسفة داخلها، أو تعرضها لاختراق أمني وهي تحط فوق أرضية مطار شارل ديجول، الأمر الذي يجعل كل الخيارات مفتوحة أمام الأسباب الحقيقية التي أدت إلى سقوط هذه الطائرة، خاصة في ظل وجود تكهنات بأن هناك تنظيماً يوشك على أن يعلن مسؤوليته عن تفجير الطائرة، حسبما ذكرت بعض وكالات الأنباء العالمية..
لكن في كل الأحوال، هناك طائرة مصرية سقطت، وراح ضحيتها 66 راكباً من بينهم 10 (أفراد طاقمها)، ولا نملك سوى أن نطلب الرحمة والمغفرة لهؤلاء الشهداء، الذين لقوا حتفهم على متن هذه الطائرة المنكوبة.. والتي قد تكون سقطت لسبب أو لآخر، بعيداً عن إدعاءات أجهزة مخابرات غربية، تسعى لترويج فرضية انتحار قائد الطائرة، أو حدث خلل فني في أجهزة تحكم الطائرة، أو غياب عوامل السلامة على متنها.. وكلها فرضيات خبيثة تحاول هذه الأجهزة ترويجها لإدانة شركة مصر للطيران، في محاولة لاستبعاد تعرض الطائرة لاختراق إرهابي قبل إقلاعها من باريس، نتيجة تقصير أمن مطار شارل ديجول، رغم أن اختراق أنظمة المطارات في أوروبا ليس بالأمر الصعب، والدليل ما حدث لمطار بلجيكا الذي تعرض لتفجيرات متتالية راح ضحيتها العشرات، حتى باريس نفسها تعرضت للاختراق، حتى وصل الإرهابيون إلى أحد ملاعب كرة القدم، وكاد أحدهم أن يفجره في حضور الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند..&
لذلك كل الاحتمالات قائمة، بعيدا عن الاتهامات الغربية الخبيثة التي تلقي الكرة في ملعب مصر للطيران لتشويه سمعتها، كما أن لا أحد ينكر أن مصر مستهدفة على كافة الصعد، ومحاولات إسقاطها من جانب أمريكا أو غيرها لم تنته بعد، والتحديات التي تواجهها لا حدود أو نهاية لها، فهناك جهات أجنبية تسعى للوقوف في طريق مصر، ولا تريد أن تقوم لها قائمة، وتمنعها من النهوض من جديد.. لكن هذا لن يحدث، فإرادة مصر والمصريين لن يكسرها أحد، ومهما كانت المؤامرات الخارجية أو الداخلية من الإخوان وعملائهم، لن تثني مصر عن السير قدماً في طريقها، لتحقيق أهدافها بالقضاء على الإرهاب الأسود، واستعادة استقرارها على كافة الصعد، والانتصار لحضارتها التي تتكئ عليها في معركة البقاء التي سوف تخوضها للنهاية..!!&
&
كاتب صحفي
&