فلسفة الحروب &غالبا ما تكون &مرتبطة بعوامل أساسية &تؤخذ بعين الاعتبار؛ لتحديد موازين القوى بدقة، ووضع الاستراتيجيات &والخطط قبل المواجهة العسكرية . فقوة &الفضيلة والطقس والمناخ و الطوبوغرافيا ،و القيادة ،و التنظيم المحكم، كل هذه العوامل مجتمعة تؤخذ بالحسبان في التحضير لأية حرب .والقائد العسكري المحنك &الذي لا يستحضرها ،أو يتجاهلها لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يضمن &النصر في معركة من المعارك العسكرية. نسوق هذه التوطئة حتى يتسنى لنا طرح السؤال الجامع المانع ،هل فكر السيد حسن نصر الله أمين عام حزب الله اللبناني في كل هذه العوامل قبل الدخول في أتون الحرب السورية؟

على امتداد عقود من الزمن لعب حزب الله أدوارا طلائعية على مستوى الساحة السياسية الرسمية للبنان وخصوصا في فترة الانهيار الذي تسببت فيها الحرب الأهلية ،وبعدها الاجتياح الإسرائيلي في فبراير 1985 .حقيقة استطاع الحزب أن ينجح في تحوله من حركة مقاومة إسلامية مسلحة إلى حزب سياسي قوي لا يمكن لأحد أن يستبعده أو يتجاهله كرقم مهم في المعادلة السياسية بلبنان ،لكنه اليوم أصبح في مفترق طرق ومن الصعب عليه الخروج من المأزق السوري سالما .فداخليا الأصوات المعارضة في أكثر من مرة عبرت عن معارضتها لتدخل الحزب في سوريا ،فعندما يصرح الأمين العام السابق صبحي الطفيلي "أن الشيعة في لبنان غاضبون من القتال في سوريا، وإن الجثث التي تصل إلى الجنوب أفرزت وضعاً مأساوياً ومقهوراً، وإن الناس هناك تشتم وتلعن من أخذوا أولادهم للقتال في سوريا".
و"أن حزب الله اليوم في وضع مأساوي وأنه في قبضة إيران، وأحيط به من كل جانب»، مضيفا أن &" النظام السوري والإيرانيين يجلسون في بيوتهم ينتظرون الأوامر الروسية الأمريكية، وهم جزء من معركة الموت".وتابع "سندفع ثمن دخولنا إلى سوريا شئنا أم أبينا عبر عقود من الزمن وقد يكون عبر قرون، لقد فتحنا جرحاً لن يندمل بسهولة، وهذه مسألة خطرة، نحن جزء من فتنة ونحن جزء ممن قتل المسلمين في سوريا".
لقد فهم الطفيلي أن اللعبة القذرة التي يلعبها الحزب خطرة وأن محاولة جره إلى خارج قواعده قد نجحت نوعا ما ،بمعنى آخر حزب الله في نظر الإيرانيين لا يعدو كونه درعا من أدرعها، وسوريا خط إمدادها الوحيد في المنطقة وسقوط النظام السوري يعني سقوط الرهانات الإستراتيجية للمحور بكامله &.كل هذه &المؤشرات تدل أن أحلافا قد تعقد هنا وهناك في غضون الأشهر القادمة، أحلاف تخرج الدبلوماسية السرية إلى العلن خصوصا بين البلدان العربية بالخليج وإسرائيل، توجه سياسي سيحاصر حزب الله لا محالة، بل وقد يقضي عليه ويرجعه إلى عرينه اللبناني .&
العرب اليوم وخصوصا الخليجيون أصبحوا على قناعة تامة أنه كلما كبرت الهوة بينهم وبين إيران التي تحاربهم بطرق غير مباشرة ازداد اقترابهم من إسرائيل وفق قاعدة عدو عدوي صديقي. وما يؤكد &على أن الأحداث تسير وفق لعبة المصالح الجيوسياسية هو المؤتمر الدولي الذي تسعى فرنسا إلى عقده بشتى الوسائل من أجل إحياء عملية السلام بين العرب والإسرائيليين &.وزير خارجية فرنسا أعلن صراحة أنه وفي حالة فشل المؤتمر الدولي حول حل الدولتين فإن بلده ستكون مضطرة إلى الاعتراف بدولة فلسطين ،هذا المؤشر لا يمكن إلا أن يكون له ثمن كبير ...
لعل المؤشرات في ميدان المعركة بسوريا تؤكد أن الضربات التي تلقاها مقاتلو ايران والحزب في ما سمي بمعركة خان طومان ،وقتل القادة العسكريين يظهر بجلاء أن عدا عكسيا قد بدأ بالفعل .وحتى تصريحات رئيس الدبلوماسية الأمريكية هي الأخرى تؤشر &أن &وقت المفاوضات إذا ما نفذ بدون نتائج على الأرض فإن ذلك قد يغير مسار &الصراع بشكل جذري .
حزب الله قد يجد في ملايين الدولارات التي تصرفها إيران دعما لحماسة مقاتليه وسياسييه ، ولكن قانون العقوبات المصرفية الجديد الذي فرضته أمريكا عليه، وعلى تيارات لبنانية &متعاطفة معه يؤشر إلى أن القادم أسوء. و من يقرأ التاريخ يعرف أن العرب عندما يرقصون الدحة أو العرضة من خلال مناورات "رعد الشمال" وغيرها، فإن لذلك دلالة كبرى على أن حربا مدمرة تطل برأسها على الجميع &هذا الصيف &أو نهاية العام على أقصى تقدير.
حزب الله هذه المرة ورط نفسه بتدخله في سوريا. فالأرض ليست أرضه والمناخ السياسي ليس مناخه فإن كان قد حقق مكتسبات خلال الحرب ضد إسرائيل لكون معرفته الجيدة بالأرض، وتعاطف الشارع العربي معه والمجتمع الدولي باعتبار لبنان تعرض لاحتلال خارجي والدفاع عنه كان شرعيا. أما الآن فالحزب يستدرج إلى معركة خارج الحلبة التي درب عليها & نفسه.
كل ما هو خارج الحدود مخالف لسيادة لبنان وللقانون الدولي،وليس صحيحا انه لولا ذهاب حزب الله إلى سوريا لما نعم اللبنانيون بالأمن والاستقرار، فلولا ذهاب &حزب الله إلى سوريا لسقط بشار الأسد ولما كان هناك لا نصرة ولا داعش، ولكان الشعب السوري انتصر والأزمة السورية انتهت دون دمار كل مدن سوريا، ولما تفجرت الأزمات الأخرى.
اليوم لنكن واقعيين فتدخل حزب الله في سوريا فشل في حماية الأسد فتدخلت الميليشيات العراقية التي لم تكف للمهمة، فأتت الميليشيات الأفغانية وقطاعات من الحرس الثوري الإيراني والتي لم تكف أيضا هي الأخرى، &فأتى التدخل الروسي حتى وصل الصراع &اليوم إلى ما وصل إليه.
لم يستفد قادة الحزب من يوميات الحرب اللبنانية التي استمرت أكثر من 15 سنة ،حيث كان هناك في كل منقلب سياسي أو إقليمي ينتصر فريق على آخر، ثم يعود هذا الفريق لينهزم ،ثم تأتي تطورات أخرى وتغير المعادلة، فحرب سوريا على وشك الحسم، والحزب يتعرض لاستنزاف مستمر، والحكمة تقضي بأن ينسحب اليوم وليس غدا، وفي ذلك مصلحة &للحزب وللبنان وللعرب جميعا.
لم يعد الله مع حزب السيد &في لبنان لأن الأهداف &السياسية &التي ناضل من أجلها تم نقضها &وإضاعة مكتسباتها عندما رهن نفسه بنظام دكتاتوري آيل للسقوط .وكما يقال من يأبى اليوم قبول النصيحة التي لا تكلفه شيئا,فسيضطر غدا لشراء الأسف بأغلى سعر…
&
باحث في مركز الصراعات المقارنة للشرق الأوسط وشمال أفريقيا
&