مهد زعيم حركة النهضة التونسية لمؤتمرها العاشر الذي بدأ الجمعة 20 الجاري وأُعلن بيانه الختامي فجر الإثنين التالي، بحديث فياض ومتشعب مع صحيفة لوموند الفرنسية أكد من خلاله أن الحركة " حزب سياسي ديموقراطي مدني له مرجعية قيم إسلامية حضارية وحداثية " وشدد علي أنها ستهتم في المقام الأول بالأنشطة السياسية التى من شانها ان تخرجها " من الإسلام السياسي وتُدخلها في الديموقراطية ذات الصبغة الإسلامية " وكرر أكثر من مرة " نحن مسلمون ديموقراطيون ولسنا من كوادر الإسلام السياسي "..&
الغنوشي أصر علي نية العمل علي جعل النشاط الديني علي مستوي الحركة منفصلاً كلية عن نشاطها السياسي، لأن هذا الامر من وجهة نظره يُمثل إشراقة جديدة لمستقبل يسمح للسياسيين في المستقبل أن لا يوظفوا الدين لخدمة غايات سياسية " ويبعد الدين عن أن يكون حبيس السياسة أو أن يكون مُستغلا من جانب السياسيين "..&
هذه الخطوة التي لا زالت مبهمة ولم يلق عليها البيان الختامي للإجتماع الذي توج بإعادة إنتخاب الغنوشي رئيساً وزعيماً للحركة، لم يُقدم عليها القائد الإسلامي الشهير من فراغ.. فهناك الضغوط الخارجية خاصة من جانب باريس و واشنطن اللتين دئبتا علي رفض نهج النهضة الإسلامية في معالجة الشأن التونسي الداخلي وكذا موقفها من جماعة الإخوان التى تتخذ من تركيا معقلاً للعديد من قادتها ومنطلقا للكثير من توجاتها التى يشارك فيها الغنوشي بالرأي والفتوي والمشورة بصفته عضوا بارزا في تنظيمها العالمي.. يقابلها ضغوط داخلية تري أن فترة إدارة الحكم ضمن التحالف التى تشارك فيه إلي جانب أحزاب تتصف بالليبرالية آن لها ان تنتهي بتولي الحركة " كحزب مقاليد الأمور في البلاد خاصة وأن رئيس الجمهورية أبدي كثير من المرونة تجاهها.. مرة حين إعترف بدورها خلال الفترة الانتقالية إبان زيارته لبعض دول الخليج قبل فترة قصيرة، ومرة أخري حين قبل المشاركة في إفتتاح مؤتمرها العاشر هذا..&
الشارع التونسي وكافة أحزاب المعارضة لا تصدق هذا التوجه، وتري فيه..&
أولاً.. فعل إستعراضي دعوي أكثر منه نية خالصة وحسنة للإنتقال من ضيق المجال الدعوي والخيري الذي يضم " فصيل أو تيار إسلامي " إلي آفاق العمل السياسي التنموي الذي يتسع لكل التونسيين بلا مذهبية ولا فئوية أو تهميش للغير..&
ثانياً.. تعبير عن إنشقاق داخل قيادات الحركة الوسطي والعليا، بدليل أن بعضهم تفرغ كلية للعمل الدعوي والخيري ولم يقطع وشائجه مع أي منهما !! وبعضهم الآخر قاطع حضور فاعليات مؤتمرها الأخير عن قصد يريد من رواءه أن يبعث برسالة تقول أنه يقف علي خط معارض لخطوة فصل السياسة عن الدين جملة وتفصيلاً..&
ثالثاً.. نوع من التقية الدينية !! لأنها في رأيهم لن تكون قادرة بهذه السهولة علي التخلي عن المساجد والأئمة الذي يعملون في خدمة أهدافها الدينية المغلفة السياسة والذين تربوا علي أهدافها والذين شكلوا عضدها الرئيس وذراعها الجماهيرية وكونوا الأرضية التى ارتكز عليها الغنوشي عندما قرر العودة من لندن إلي تونس العاصمة أوائل عام 2011..&
رابعاً.. محاولة لطمس المصطلحات المستقرة تحت وابل من المسميات المستحدثة، وذلك حين تدعي الحركة انها ستترك ميدان الإسلام السياسي إلي مجال السياسة الإسلامية !! لأنهم يرون أن هذه المحاولة ستبوأ بالفشل لأن الحركة لن تتخلي في يوم من الأيام عن أرضيتها الإسلامية ولا عن طبيعتها التنظيمية ولا عن ديكاتورية زعامتها، ولن تعترف بالتعديدية أو بسلمية تداول السلطة إلا وفق برجماتية تعود عليها بالنفع المباشر..&
وأخيرا.. رأت جموع التوانسه العريضة في هذا التغير "حبل الإنقاذ " الذي تحتاج إليه حركة "نداء تونس" لمواجهة الملايين من المواطنين االذين يتبرمون من إرتفاع معدلات البطالة وإنخفاض قدراتهم الشرائية وتراجع الآمال في حدوث إنجازات تخفف من حالة الإحتقان التى تعاني منها الغالبية العظمي من فئات الشعب..&
لوحظ خلال الثلاثة أيام التى تواصلت فيها فاعليات المؤتمر أن الغنوشي..&
1 - لم يتطرق لما يتناول بالحديث السياسات التى تترجم علمياً تبني الحركة لخطوة " الإبتعاد بالدين عن السياسة " ولم يكشف الستار عما سيلجأ إليه من ترتيبات تعيد المساجد إلي رحابة الإسلام بعد ان ضاقت بالخصومات السياسية والتقلبات الحزبية..&
2 – لم يستعرض مع المتابعين في الداخل والخارج.. كيف تحولت الحركة التى كانت إلي الأمس القريب تتنفس مبادئ أصولية الإسلام السياسي التى لا تعترف بقواعد الفكر الليبرالي " إلي حزب ديموقراطي وطني مسلم متفرغ للعمل السياسي بمرجعية وطنية تنهل من قيم الإسلام مع الإلتزام بمقتضيات الدستور وروح العصر " علي حد قوله..&
3 – لم يُشر إلي نية تفكيك مركزية القرار علي المستوي القيادي للحركة، كما لم يضع نهاية لآلية السمع والطاعة التى تهمين علي قراراتها ولا تترك للقيادات الوسطي والدنيا إلا التنفيذ وفق رؤية الزعامة المنفردة..&
لذلك أعلن الكثير من القيادات السياسية والحزبية داخل تونس وخارجها أن حركة النهضة لم ولن تتغير.. وأن ما صدر عن مؤتمرها العاشر من قرارات لن يُغير كثيراً من جوهر ايديولوجيتها ولن يبعدها عن دائرة المساجد التى تشكل ذراعها الدعوية التى توفرها لها الحشد الجماهيري والدعم المالي..&
من هنا يمكن القول.. أن الكثرة حتى علي مستوي الرأي العام في تونس ناهيك عن الأحزاب والقوي السياسية، تري أن ما جري يمثل خطوة تكتيكية تسعي " للتمكين من مفاصل الدولة خاصة التشريعية والعسكرية " ومن ثم التدرج في الوصول إلي سدة الحكم في ضوء تعديل النظام الداخلي للحركة والذي يمنح زعيمها حق الترشح للإنتخابات الرئاسية، ورئاسة مجلس الوزراء إذا فاز الحزب بالإنتخابات البرلمانية أو لرئاسة المجلس التشريعي، وإذا عزف عن ذلك " يحق له ان يرشح من يراه مناسبا لشغل هذه المناصب ".. &
يعزز من مستوي عدم التصديق ، إصرار الحركة علي عدم الإفصاح عن مصادر تمويل مؤتمرها العاشر والذي شهد نوعاً من البذخ غير المسبوق إلي جانب الحرص علي أظهار القوة المادية والمعنوية وإلقاء الضوء الأعلامي والحزبي علي العشرات من الضيوف الأجانب الذين وجهت لهم الدعوة ، وحضروا !! الأمر الذي يتعارض كلية مع الظروف الإقتصادية الصعبة التى تعيشها البلاد ..
إذن هو الإستحقاق الرئاسي الذي تسعي اليه حركة النهضة من خلال ورقة "الحزبية" التي أصبحت أمام كافة الاطياف السياسية في الداخل والخارج برغم إستحواذ زعيمها علي معظم الصلاحيات التى كان يتشارك فيها مع آخرون، مما يؤكد مرة أخري براعته في إستخدام آليات الديموقراطية لبلوغ أهدافه..&
نقول..&
سيكون التوجس السياسي هو عنوان المرحلة القادمة علي مستوي الشارع التونسي.. البعض يرفض انفراد حركة النهضة وحزبها بالساحة.. والبعض الآخر يقاوم العودة بالحياة السياسية والمجتمعية إلي ما كانت عليه قبل ثورة الربيع التونسي.. والفريق الثالث يتخوف مقدما من أساليب الحركة الملتوية للإستحواذ علي مفاصل مؤسسات الدولة المؤثرة التى قد تفتح علي المجتمع أبواب الجحيم !!..&
إلي اين تأخذ البوصلة السياسية المجتمع التونسي ؟؟.. لا أحد يعرف عن يقين.. &
&