إن التركي يستغرب من أنّ يكون هناك أحد في العالم يتجرأ على توجيه تهمة جنائية أو أخلاقية إليه، و يدعو لِ مقاضاته أمام العدالة و القانون، و بتهمة إبادة الجنس الأرمني!! إنه لا يستوعب مسألة محاكمته لأنه كان الحاكم المطلق، والحياة كانت مستباحة لِ أهوائه و شهواته دون حسيب و رقيب، و سَ أترك السبب العقيدي جانبا، علما بِ أنه يلعب الدور الأهم في رفضه الاعتراف بِ الإبادة و بِ التالي المثول أمام القضاء لِ المحاكمة لأن المجني عليه هو الآخر،( هو برّاني )، فَ الأتراك انساقوا بسهولة وراء بدعة التفوّق العرقي، و بدأت الكذبة تتحول إلى حقيقة في نفوسهم و عقولهم. إن مهزلة التفوّق العرقي كانت تُبَثّ فيهم من قِبَل الألمان و الصهاينة، فَ الألمان ساهموا بِ شكلٍ صريح في المجزرة، أمّا الصهيونية فَ قد وجدت فرصتها لِ استرضاء العثمانيين و حَمْلهم على السماح لِ اليهود بِ الهجرة إلى فلسطين، و قد أثبتت الوثائق التاريخية أنّ / 22 / مستعمرة يهودية أُقيمت في فلسطين في عهد السلطان عبد الحميد و الحكومة الاتحادية بين عامي ( 1882-1913)، فَ نزعة التفوق العرقي و التي تحولت فيما بعد إلى الحركة الطورانية، جاءت من الكتَّاب و المفكرين الأجانب و اليهود؛ فَ هذا قسطنطين بروجتسكي مفكِّر يهودي بولوني نشَرَ كتابا عام/ 1889/ بعنوان ( الأتراك القدامى و الجدد) و بِ إسمٍ مستعار( مصطفى جلال الدين باشا) يروي أساطير حول أمجاد العرق التركي في التاريخ القديم، و يحرِّض الأتراك العثمانيين الجدد و يدفعهم إلى استرداد الأمجاد الضائعة...إلخ

&
كذلك حدَّدَ اليهودي الألماني( فرانز فون فرنر) مهمات الأتراك الجدد و برنامجهم السياسي عبْر نشرة فيها تحضير لِ ميثاق تركيا الفتاة تحت اسم مستعار أيضا( مراد أفندي). و كان أكثر المحرضين على فكرة التفوق التركي( ألبرت كوهين) من سالونيك و اسمه المستعار( تكين ألب) إذْ ألَّفَ كتابا بِ اللغة الألمانية عنوانه/ تركيا و البانتركية/ يدعو فيه إلى وجوب توحيد الشعوب المنحدرة من أصل تركي و تتريك الشعوب غير التركية. فَ الأتراك عبْر تاريخهم لم يعرفوا القانون، و القانون الوحيد لِ الرحل هو الارتجال، و كل تاريخهم هو تاريخ شفاهي، لذلك ما استطاعوا معرفة ذاتهم و الدخول إلى حرمة التاريخ بِ شخصية متميزة مستقرة، هذه الحالة أدَّتْ بهم إلى فقدانهم لِ النبتة التي كان من المفترض أن يزرعوها ليضيفوا زهرة إلى بستان الكرة الأرضية، و لكونهم دخلوا حرمة التاريخ بِ حالتهم تلك، بِ عقلية الإنسان البدائي الرافض للقانون، واجهتهم مصيبة كبرى. الجديد الذي كان يولد في الغرب و يكبر بسرعة، بحيث لم يكن لديهم متسع من الوقت لاستيعابه، و هكذا بدأت فكرة الانحطاط الحضاري لديهم تكبر بِ موازاة التطور الحضاري في الطرف الآخر، لذلك ظلّوا يرفضون الاعتراف بِ أن ما يرونه في المرآة هو صورهم.
&
إن مشكلة التركي تكمن في اعتبار أنَّ ما كُتِبَ عنهم في الشرق و الغرب إنْ هو إلاَّ موقف عدائي تجاه الأتراك، و يعتبرون كل ما كُتِبَ عنهم بِ أنه محض افتراء و ليس حقيقة، و الأنكى من ذلك هو أنَّ مثقَّفيهم المعارضين للسلطات التركية و الذين لا يجدون في نفسهم القدرة على إنكار مجزرة الإبادة، هؤلاء المثقفين أنفسهم تراهم يصدِّقون خرافة الحضارة التركية و تأثيرها في الحضارة العالمية، فَ مثلا الكاتب تانير آكجام / الباحث في معهد العلوم الاجتماعية في هامبورغ / يحاول إيهام القارىء في كتابه ( الهوية القومية التركية و القضية الأرمنية) بِ أن أحد أسباب المجزرة هو في ردِّة فعل الأتراك تجاه نظرة الذلّ و الاحتقار التي تنظر بها أوروبة إليهم ( و كأن الأرمن هم السبب في ذلك). إن الكاتب قد حرَّرَ التركي من الخجل أمام صورته و ذلك بِ إيراد نماذج مما كُتِبَ عنهم في الغرب و على لسان أدباء و شعراء كبار و رؤساء و وزراء و سفراء...إلخ و كأنه بهذه اللعبة الثقافية يقف أمام الغرب معاتبا إيَّاه على هذا التحقير للتركي. هذه واحدة من المحاولات التي يقوم بها الأتراك في الغرب من خلال استغلالهم للمفردات المدنية و الحضارة المنتشرة هناك لإقناعهم بِ أنَّ ما كُتِبَ و يُكْتَبُ عنهم لا يليق بِ المدنية، و أنهم الجانب المجني عليه. فَ أنا أرى بِ أننا لسنا بِ حاجة لِ أن نقتبس مما كُتِب عنهم في الشرق و الغرب، و لا أن نقحم أنفسنا ب إظهار الوثائق التاريخية التي تدلّل على حقيقة حصول الإبادة، فَ أرشيفات حماة و حلفاء الدولة التركية مليئة بِ الأوامر و البرقيات و التوصيات السلطانية و الحكومية الصريحة و المشفّرة الواضحة لدى الخبراء و الباحثين في هذه المسألة، و تكفي شهادة المخطِّط و الوصي على عرش الامبراطورية العثمانية و حافظ أسرارها / حليفها و حاميها وقتذاك ألمانيا /. و اعتراف البوندستاغ هذا إنما هو دعوة صريحة لِ إنهاء البانتركية توأم النازية.
&