&
لقد لفت نظري على صفحة إلكترونية، لجمعية سياسية بحرينية معارضة، خطبة صلاة الجمعة لشهر مايو الماضي، ينادي فيه أحد الخطباء لحوار حول موضوع موافقة برلمان مملكة البحرين على تنظيم خطاب المنبر الديني. وقد أعجبت بجرأة ورصانة وصراحة هذا الخطيب، وحاولت أن يكون المقال بجزئيه حوار مع فضيلته، بأن يشمل الجزء الأول الخطاب بعد تقسيمه إلى ثلاثة أجزاء، مع طرح تساؤلات بعد كل جزء، ثم نكمل تفاصيل الإجابة على هذه التساؤلات في الجزء الثاني في الأسبوع القادم إنشاء الله. وأرجو من فضيلته أن يأذن لي أولا، بأن يكون هذا الحوار صريحا، بدون أن يفسد للود قضية. وأن يسمح لي فضيلته ثانيا، بعدم ذكر أسمه، لأن الأفكار التي طرحها هي أفكار سياسية عامه، يؤمن بها الكثيرون، ويختلف عليها الأخرون، ولأنها نظريات بشرية نسبية، تختلف عن حقائق العبادات والأخلاقيات والروحانيات الإلهية المطلقة، التي فضيلته متخصص فيها. وأن يغفر لي فضيلته ثالثا، إن أخطأت في حقه، وبدون قصد الإساءة.&
&
يقول فضيلته: "دعوى الخشيةِ من توظيفِ الإسلامِ للمآربِ الشخصيَّةِ لا تُبرِّرُ عزلَ الإسلامِ عن الحياة.. تعالوا نتحاور تأكَّدوا أنَّ خيرَ الطرقِ وأمثلَها وأقصرَها وأقلَّها كُلفةً وأكثرَها نفعًا لحاضرِ البلدِ ومستقبلِه وأعمَّها فائدةً لمختلفِ مكوِّناتِ الوطنِ وأقدرَها على حمايةِ أمنِ الوطنِ واستقرارِه هو الحوارُ الجادُّ والعملُ على التسويةِ والتوافقِ وازالةِ كلِّ ما يُعمِّقُ الإحتقانَ والتفهمِ لهواجسِ الناسِ وتطلعاتِهم. جدليَّةَ فصلِ الدينِ عن السياسةِ قضيَّةٌ تسرَّبت للعالمِ الإسلاميِّ من الموروثِ الثقافيِّ الذي أفرزه الصراعُ في أوربا في العصورِ الوسطى بين طبقةِ رجالِ الكنيسةِ وبين طبقةِ المثقفينَ الذين عُرفوا بعد ذلك بالعلمانيينَ، فكان شعارُ فصلِ الدينِ عن السياسةِ ردَّةَ فعلٍ مُتطرِّفةٍ تجاهَ الدينِ المسيحيِّ نشأتْ عن تطرُّفِ واستبدادِ طبقةِ من رجالِ الكنيسةِ، فبقدرِ تطرُّفِ (بعض) رجالِ الكنيسةِ واستبدادِهم والمظالمِ الشنيعةِ التي اقترفوها كان تطرُّفُ المتضرِّرين تجاهَ الدينِ المسيحيِّ. ثم إنَّ هذا الشعارَ بعد أنْ كان مؤدَّاه فصلَ الدينِ المسيحيِّ عن السياسةِ قد تمَّ تعويمُه وتعميمُه واخراجُه عن سياقِه التاريخيِّ وخلفيَّاتِه الثقافيَّة ليُصبحَ شعارًا يَحملُه كلُّ مَن يخشى على مصالحِه من الدينِ أو يرى الدينَ عائقًا أو مباينًا لرؤاه، ويحملُه كذلك المنبَهرونَ بالإنجازاتِ التي أحرزتْها دولٌ توهَّمَ هؤلاءِ أنَّ منشأَ احرازِهم لهذه المنجزاتِ هو تبنِّي هذا الشعارِ وأنَّه لا سبيلَ إلى إحرازِ ما أحرزوا إلا بتبنِّي هذا الشعارِ. وتلك مغالطةٌ تعمَّدَ البعضُ تسويقَها ووقعَ البعضُ ضحيةً لبريقِها، والواقعُ أنَّنا لسنا معنيينَ بهذا الصراعِ التاريخيِّ الذي وقعَ بينَ رجالِ الكنيسةِ ومناوئيهم، فهم ينطلقونَ من ثقافةٍ أخرى وظروفٍ مباينةٍ لظروفِنا، ومن الظلمِ والخيانةِ للأمانةِ العلميَّةِ إسقاطُ واقعِ هذا الصراعِ على واقعِنا. ولذلك فعلى من يتبنَّى شعارَ فصلِ الدينِ عن السياسةِ في واقعِنا أنْ يكونَ صريحًا ولا يتدثَّر بالموروثِ التاريخيِّ والمظالمِ التي وقعتْ فيه، فذلك الموروثُ ليس جزءً من ثقافتِنا ولا يمتُّ لنا بصلة، ولذلك فإنَّ الموضوعيَّةَ والشجاعةَ الأدبيَّةَ تقتضيانِ لمن يتبنَّى هذا الشعارَ في واقعِنا أنْ يُعلنَ ليسَ عن تبنِّه لفصلِ الدينِ بمعناه العائمِ عن السياسة بل يُعلنُ عن تبنِّية لفصلِ الإسلام عن السياسة." إنتهى.
&
وليسمح لي فضيلته أن أطرح الأسئلة التالية: هل نحن نناقش مسئوليات الخطيب حينما يصعد على المنبر الديني لكي يخطب في الناس، أم نحن نتحدث عن الإسلام؟ أم نتعبر خطيب المنبر هو الإسلام بذاته؟ أليس هناك خلط كبير وخطير؟ فكم من خطيب منبر أساء للإسلام؟ هل يجوز للبغدادي أن يعتبر نفسه الإسلام؟ هل يجوز للظواهري أن يعتبر نفسه الإسلام؟ هل يجوز للخطباء المتطرفين لأحمدي نجاد يعتبرون أنفسهم الإسلام؟ وهل البشر معصومين من الخطأ؟ هل هناك فرق بين خطأ بعض رجال الكنيسة والمعبد والمسجد؟ أليس من الممكن أن يخطأ جميع البشر بمختلف مواقعهم في المجتمع؟ أم أن بعضهم معصومين عن الخطأ، والبعض الآخر لا؟ ألسيت غريزة النفس البشرية الركض وراء المصالح؟ وهل نستطيع أن نستثني بعض خطباء المنابر من حقيقة هذه الغريزة؟ وهل حان الوقت لأن نحترم جميع الأديان والعقائد والطوائف، لكي تحترم أدياننا وعقائدنا وطوائفنا؟ ألم تشوه قلة من المتطرفين حقيقة الإسلام الخالدة؟ ألم يجمع هولاء بين وحشية دبح وحرق وغرق البشر وهم أحياء، وتعليق أعناق البشر على الرافعات الإلكترونية حتى تزهق أرورحهم؟ وهل تختلف الأنظمة الثيوقراطية للقرون الوسطى عن الأنظمة الثيوقراطية للألفية الثالثة، والتي تسجن العلماء الأفاضل، بل تبقي رؤسائها السابقيين تحت الإقامة الجبرية، وتزهق أرواح قيادات ثورتها الخضراء، وتعمل جاهدة لتصدير ثيوقراطيتها الطائفية المتخلفة لدول الجوار، لتنتهي بدمار شرق أوسطي يمتد من العراق وسوريا ولبنان وإلى اليمن وليبيا، بل ومع قتل ودبح وجرح ملايين المواطنين، وخلق إثنى عشر مليون لاجئ جديد؟ وهل فعلا يتصور فضيلتكم بأن الإنجازات الإقتصادية والإجتماعية والتكنولوجية لخطباء المنبر في إيران وتونس ومصر وليبيا واليمن ولبنان والعراق، تجاوزت إنجازات الغرب؟ وما يعني فضيلتكم بالأمانة العلمية، ففي أية مركز بحث علمي أو جامعة بحثية درس خطيب المنبر هذه الأمانة العلمية؟ وما هي أصلا مقاييس هذه الأمانة العلمية؟ ألسيت الأمانة العلمية تفرض علينا البحث العلمي للتاريخ، والإستفادة من عدم تكرار أخطاءه؟ ألم تتطور العلوم البشرية الروحانية والأخلاقية والثيولوجية منها، والعلوم الطبيعية والتكنولوجية والإجتماعية، في الإلفية الثالثة، إلى آلاف مؤلفة من الإختصاصات المتعددة والمتشعبة والمتفرعة؟ وهل يمكن أن يلم خطيب المنبر بجميع هذه الإختصاصات، أم عليه أن يتخصص في مجال ثيولوجي معين يخصه؟ ألم يحرج جميع مسلمي العالم بعض خطباء المنابر، حينما أعلنوا على منابرهم بأن الأرض مسطحة، وبأن النزول على سطح القمر ما هي إلا خرافة غربية كاذبة؟&
&
ولنكمل الجزء الثاني من الخطاب، ليقول فضيلته: "فإنَّ اصرارَ المتبنِّينَ لهذا الشعارِ على الإلتزامِ بحرفيَّتِه وهو فصلُ الدينِ بمعناه العائمِ عن السياسةِ يستهدفُ استداعاءَ الموروثِ الثقافيِّ والتاريخيِّ القاتمِ لتسويقِ هذا الشعارِ أو لرفعِ الإستيحاشِ من تداولِه في الوسطِ الإسلاميِّ، قولوا للناس صريحًا نحن نتبنَّى فصلَ الإسلامِ عن السياسةِ، قولوا للناسِ دونَ خجلٍ نحنُ نتبنَّى اقصاءَ الإسلامِ ومحاصرتَه وحشرَه في أروقةِ المساجدِ، قولوا للناسِ صريحًا نحنُ نتبنَّى أنَّ الإسلامَ صلاةٌ وصومٌ وحجٌّ، وما عدا ذلك فليسَ للإسلامِ فيه شأنٌ، قولوا للناسِ صريحًا إنَّ الإسلامَ لم يتحدَّثْ إلا عن الصلاةِ والصومِ والحجِّ والعباداتِ الشخصيَّةِ، وأما سائرُ الشئونِ العامَّةِ فهو لم يتحدَّثْ عنها ولم يتعبَّدِ الناسَ بها جملةً وتفصيلًا أو انَّه تحدَّثَ عنها وتعبَّدَ الناسَ بها ولكنَّنا لسنا معنيينَ بها ولا نرتضيها لأنفسِنا ولا لمجتمعاتِنا. حينذاكَ وحينَ تكونونَ صريحينَ في التعبيرِ عن متبنَّياتِكم نتمكنُ من مناقشتِكم ومحاورتِكم وسؤالِكم: هل الإسلامُ كذلك ؟!! ..أليسَ القرآنُ هو المعبِّرَ الصادقَ والبيِّنَ والمعصومَ عن الإسلامِ ومعالمِه وحدودِه؟ هل اقتصرَ القرآنُ فيما أمرَ به على الصلاةِ والصومِ والحجِّ؟! أليستْ أوامرُه في ذلك لا تبلغُ معشارَ ما أمرَ بِه؟ ألم يأمرِ الإسلامُ والقرآنُ بالعدلِ والمساوةِ ورعايةِ الحقوقِ والإنتصارِ للمظلومِ والحمايةِ للضعفاءِ والفئاتِ المسحوقةِ؟ ألم ينهَ عن الفحشاءِ والمنكرِ والبغيِّ والإستكبارِ في الأرضِ والمكرِ والخديعةِ والغدرِ والكذبِ والنفاقِ والغصبِ والفسادِ والغشِّ؟ ألمْ يأمرْ بالتكافلِ والتصالحِ والتسامحِ والتعايشِ والتعارفِ؟" إنتهى.
&
وليأذن لي فضيلته بأسئلة جديدة: هل فعلا طلب الشعب البحريني من البرلمان إقصاء الإسلام، أم إقصاء خطيب المنبر عن التحدث في الأمور السياسية المختلف عليها، والتي ليست من إختصاصه أصلا، ولم يدرسها في الحوزات الدينية؟ أليس في قلب إختصاصات خطيب المنبر الجزء الخاص في الإسلام بالعبادات والروحانيات والأخلاقيات، فلماذا يضيع الساعة الخاصة بذلك، للتحدث عن السياسة والصراعات السياسية وأسعار النفط والعلاقات الدولية وإلى أخره؟ هل يجوز ذلك شرعا؟ هل يحتاج المسلم أن يذهب لصلاة الجمعة لكي يستمع لخطاب سياسي، أم هذه مسئولية الصحافة والإذاعة والتلفزيون والإنترنت والأكاديميين المتخصصين والاحزاب السياسية؟ هل يجوز أن يضيع الخطيب وقت المنبر الديني، للحديث عن مواضيع سياسية نسبية مختلف عليها، ليقلل من سمو مركزه، ويخفض من درجة رصانته وحصافته وحكمته بل وإتزانه، التي هي صفات أساسية لشخصيته الروحانية السامية، بل وليترك الحديث عن عبادات وأخلاقيات الدين وروحانياته المطلقة، والتي في قلب إختصاصه، والتي نحن في أتم الحاجة إليها اليوم؟ أليست مناقشة أخلاقيات الدين وروحانياته أهم لرجل المنبر بكثير من الحديث عن صراعات السياسة الإنتهازية؟ ألا تقاس الأمم بأخلاقها؟ هل يعلم فضيلتكم بأن هناك بحث مقارن من جامعة الأمارات، يتعلق بوضع محفظة بها عدة دولارات، في عشرة مواقع مختلفة في دول الشرق الأوسط، وعشرة مواقع أخرى في المدن اليابانية، وليبين البحث بأن جميع هذه المحافظ رجعت لأصحابها في اليابان، بينما أختفت جميعها تماما خلال دقائق في دول الشرق الأوسط؟ هل ممكن أن تبنى الدول بدون القيم والأخلاق والرحانيات والعبادات الدينية؟ ومن المسؤول عن نشر هذه القيم الروحانية في المجتمع؟ وهل يجوز أن يضيع رجل المنبر الروحاني وقته في التحدث عن أمور حياتية نسبية متناقضة، بدل أن يركز على أمور روحانية أخلاقية مطلقة؟ وهل أصلا مهيئ عقل الخطيب المنبري لمناقشة الفرضيات النسبية، أم هو مدرب لعرض حقائق أخلاقيات القيم الروحانية المطلقة؟ أليس من الواجب أن تناقش الخلافات السياسة من خلال الصحافة والتلفزيون والإنترنت والجمعيات السياسية، وليس على واجهة المنبر الديني؟ وما هي الدرجة العلمية التي يملكها خطيب المنبر ليناقش الأمور السياسية والاجتماعية والإقتصادية والتكنولوجية؟ ألا يقلل من سمو المنبر الديني، تحويل نقاش الأخلاقيات والقيم والروحانيات والعبادات المطلقة، إلى نقاشات سياسية "إنتهازية" نسبية؟&
&
ولنكمل الجزء الثالث من خطاب فضيلته ليقول: "أليستْ مثلُ هذه الأوامرِ والنواهي هي جوهرَ الشأنِ السياسيِّ؟؟.. فإذا كانَ الإسلامُ كذلك يستوعبُ كلَّ شئونِ الحياةِ بتفاصيلِها وعلى رأسِها الشأنُ السياسيُّ فما معنى فصلِه واقصائِه عن السياسةِ ؟!!.. ثمةَ من يدَّعي الإنتصارَ للإسلامِ بتحييدِه والحمايةِ لقدسيَّتِه وطهارتِه عن السياسةِ التي شأنُها الدنسُ والنجاسةُ، وتلك مقولةٌ تقعُ في سياقِ المكرِ وخداعِ الصبيِّ عن اللبنِ، فهل على الإسلامِ أنْ ينكمشَ ويعتزلَ الحياةَ اذا امتهنَ الآخرونَ المكرَ والنفاقَ؟! أم على المنتمينَ للإسلامِ أن يتطهَّروا بطهارةِ الإسلامِ ويعتمدوا الصدقَ والوفاءَ والعدلَ والإنصافَ والأمانةَ وسائلَ في تدبيرِ شئونِهمُ العامِّةِ والخاصَّةِ، نعم السياسةُ بمعنى المراوغةِ والكذبِ والحيفِ والإستطالةِ.. أليسَ القرآنُ هو المعبِّرَ الصادقَ والبيِّنَ والمعصومَ عن الإسلامِ ومعالمِه وحدودِه؟ هل اقتصرَ القرآنُ فيما أمرَ به على الصلاةِ والصومِ والحجِّ ؟!.. ألم يأمرِ الإسلامُ والقرآنُ بالعدلِ والمساوةِ ورعايةِ الحقوقِ والإنتصارِ للمظلومِ والحمايةِ للضعفاءِ والفئاتِ المسحوقةِ؟ ألم ينهَ عن الفحشاءِ والمنكرِ والبغيِّ والإستكبارِ في الأرضِ والمكرِ والخديعةِ والغدرِ والكذبِ والنفاقِ والغصبِ والفسادِ والغشِّ؟ألمْ يأمرْ بالتكافلِ والتصالحِ والتسامحِ والتعايشِ والتعارفِ؟" إنتهى.
&
نعم سيدي الفاضل، أساس الإسلام والديانات الأخرى هي الأخلاق والقيم، فقد أنزل الخالق جلت عظمته الأنبياء والرسل لإتمام مكارم الأخلاق الإنسانية، وهذا ما نطالب خطيب المنبر ان يؤكده، والذي نحن في أشد الحاجة إليه في منطقة الشرق الأوسط اليوم. نعم سيدي الفاضل، لا نريد أن يضيع خطيب المنبر وقته في الكلام عن السياسة، ولن تتحول السياسة من "نجاسة كاذبة" لطهارة سامية، فقط، حينما يتحدث عنها خطيب المنبر، بل بالعكس، ألم ثبتت تجارب الشرق الأوسط بإمكانية تلوثه بنجاستها؟ ألم نستوعب الدمار الطائفي الذي يعانيه الشرق الأوسط حينما تدخل بعض خطباء المنابر في السياسة، فدمروا المنطقة بالصراعات الإنتهازية الثيوقراطية الطائفية في العراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا بل وحتى إيران؟ وهل فعلا خطيب المنبر هو القرآن والإسلام والأنبياء؟ ألم نعد نفرق بين شمولية القرآن والإسلام والرسل والأنبياء، وخصوصية خطيب المنبر؟ أليس وبالعكس، هناك بعض خطباء المنابر بريء الإسلام والقرآن منهم؟ أليس هناك مليار ونصف مسلم في العالم، يريدون أن يتفرغ الخطيب لشرح عبادات وأخلاقيات وروحانيات الإسلام؟ ألم يأتي المسلم للمسجد ليسمو بروحه بسماع حديث عن العبادات والأخلاقيات والروحانيات، لا لأن ينجس نفسه بحديث مراوغ في دهاليز الصراعات السياسية؟ وأصلا كيف يمكن أن يكون الخطيب سياسيا وهو يتشرف بلبس عمامة الدين؟ ومن أين أتت أصلا هذه البدعة في عالم العولمة التكنولوجية وفي زمن الألفية الثالثة؟ وما الذي حققته هذه النظرية خلال الأربعة عقود الماضية، غير الأيديولوجيات المتوحشة الظلامية، والصراعات الطائفية، والحروب المدمرة، وليرافقها الفقر والجهل والمرض، وزيادة أثنى عشر مليون لاجئ؟ فأرجو أن لا نخلط الحابل بالنابل، أرجو أن لا نعتبر الإسلام الحنيف والقرآن الكريم، عبارة عن خطيب منبر يتحدث في ما لا يفقهه. أرجو إلا نسمح لخلق بيئة تسمم عقول بعض شبابنا بهذه التناقضات، وأن نسمح بأن يستغل جهلهم وفقرهم ليسيطر بعض المتطرفين على مقدراتهم الحياتية. ولنسأل أيضا، وبكل صراحة، وبدون إحراج، ما الذي حققوه خطباء المنابر للشعب الإيراني خلال العقود الأربعة الماضية، حينما دخلوا في الصراعات السياسية وأستلموا السلطة؟ ألم ينشروا الحروب الطائفية، من خلال الإصرار على تصدير الثيوقراطية الطائفية لدول الجوار؟ ألم يثبت جماعة النهضة التونسية مؤخرا بأن السياسي سياسي، أن كان حمل شعار الدين، أو شعار القومية، أو شعار الإشتراكية، أو شعار الشيوعية، أو شعار الرأسمالية؟ فهل يعرف فضيلتكم بأن السياسي معروف في اليابان، بالإنتهازي المتفاءل، أي رجل ينتهز الفرصة لكي يضمن نجاحه في الإنتخابات القادمة، وينتهز أية فرصة ممكنه لكي يحقق لمنتخبيه إصلاحات مجتمعية، بالعمل التناغمي مع معارضية، ليضمن نصف الكأس المليء؟ فهل نقبل بأن يتحول خطيب المنبر من صفات الحصافة والرصانة والحكمة والأخلاقيات والروحانيات الرفيعة المطلقة، إلى صفات الإنتهازية السياسية النسبية المتقلبة؟ ولنا لقاء.
&
د. خليل حسن، سفير مملكة البحرين في اليابان