الاتحاد الاوروبي هو عبارة عن سوق موحدة تضم 28 دولة اوروبية لا تفرض رسوما على الواردات والصادرات بين دوله الاعضاء، كما ان هذه الدول الاعضاء تستفيد من الصفقات التجارية بين الاتحاد الاوروبي وغيره من القوى الاقتصادية العالمية. وكما هو معلوم، فإن الاتحاد الاوروبي يتفاوض منذ فترة مع الولايات المتحدة لإنشاء اكبر منطقة تجارة حرة في العالم، والتي من شأنها ان تكون مفيدة لكل دول الاتحاد الاوروبي.

من المقرر ان يتوجه البريطانيون ممن يحق لهم التصويت الى صناديق الاقتراع يوم الخميس، الثالث والعشرون من الشهر الحالي للمشاركة في استفتاء عام حول ما اذا كانت بريطانيا ستبقى عضوا في الاتحاد الاوروبي ام ستخرج منه.

وكان العديد من القادة السياسيين في اوروبا، وكبار رجال الاعمال، حذروا الشعب البريطاني من مخاطر التصويت لصالح الخروج من الاتحاد الاوروبي الذي انضمت اليه بريطانيا في عام 1973م، بعد ان قضت سنوات طويلة وهي تحاول الانضمام دون جدوى نتيجة اعتراض الرئيس الفرنسي الاسبق "شارل ديغول". كما حثت الكثير من الشركات التجارية الكبرى البريطانية المقترعين على التصويت لصالح البقاء للاحتفاظ بقدرة الوصول دون عوائق للسوق الاوروبية المشتركة التي تضم حوالي 500 مليون مستهلك.

اما خبراء صندوق النقد الدولي، فقد حذروا في تقويمهم السنوي المالي للاقتصاد البريطاني ان خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي سيكون له تأثير سلبي كبير على اقتصادها الذي قد يعاني من الانكماش في العام المقبل، وان ذلك سيؤدي الى فترة طويلة من عدم اليقين الذي قد يؤثر في الثقة والاستثمار، ويزيد من تقلب اسواق المال، اذ ان المفاوضات حول شروط جديدة قد تستمر سنوات.&

المؤيدون البريطانيون لخروج بلادهم من الاتحاد الاوروبي، يقولون ان بريطانيا ستوفر دفع تكاليف العضوية (اي مساهمتها في ميزانية الاتحاد) التي بلغت العام الماضي 13 مليار جنيه استرليني، وانها ستصبح حرة من القرارات التي يمليها عليها الاتحاد، وهذا بدوره يسمح لبريطانيا إعادة تأسيس نفسها كدولة مستقلة ترتبط بعلاقات ذاتية مع بقية دول العالم. اما دعاة البقاء، يقولون انه إضافة الى الخسائر الاقتصادية الكبيرة، أن بريطانيا بخروجها من الاتحاد تتخلى عن نفوذها في اوروبا، والانسحاب من تحالفات القوى العالمية التي تأسست في القرن الحالي.

حتى هذه اللحظة (اي وقت كتابة هذه المقالة المتواضعة)، اظهرت اخر الاستطلاعات بأن 52% من البريطانيين مع بقاء بلادهم ضمن الاتحاد الاوروبي، فيما 41% مع خروجها من الاتحاد، بينما 7% من البريطانيين لم يتخذوا قرارهم بعد، ويخشى المراقبون من تغير هذه المعادلة مع تقارب النسب نوعا ما.

استطلاعات الرأي السابقة كانت تشير الى تقدم انصار الانسحاب بحوالي أربع نقاط. ربما يكون لإغتيال النائبة العمالية "جو كوكس" المؤيدة لبقاء بريطانيا في الاتحاد اثرا مباشرا في تغيير المعطيات قبل موعد الاستفتاء.&

المقصود بالاستفتاء الشعبي من الناحية الاصطلاحية، هو عرض موضوع معين (أثار او يثير جدلا شعبيا بين القبول والرفض) على الشعب ليقول رأيه فيه. وعليه يعد الاستفتاء الشعبي مظهر من اهم مظاهر الديمقراطية شبه المباشرة، إذ تتجلى مشاركة الشعب في شؤون الحكم بصورة واضحة في هذا المظهر. كما ان لهذا النظام اهمية حقيقية لدى افراد الشعب، كونه يشعرهم بأهمية دورهم في رسم المنهج السياسي لدولتهم.

كما انه يعد الدافع الاساسي الذي يسهم في تنمية قدرات وكفاءات المواطنين، لأنه يتطلب ان يكون افراد الشعب المستفتي قد وصل الى درجة عالية من الوعي السياسي، إذ ان اي استفتاء لا يمكن ان يحقق الغرض الرئيسي له إلا بقيامه في جو ديمقراطي. كما ان القيمة الحقيقية للاستفتاء لا تظهر جليا إلا حين يفهم بوضوح كل من يدلي بصوته الهدف من موضوع الاستفتاء حتى يستطيع ان يقرر الرفض او القبول.&

القرار النهائي بيد البريطانيين، اصحاب اول واعرق الديمقراطيات في العالم، والاغلبية هي التي تقرر. في حال خرجت بريطانيا من الاتحاد الاوروبي تحت رغبة الاغلبية، لن تنهار بريطانيا سياسيا او اقتصاديا، والتأثير سلبا او ايجابا لن يظهر إلا بعد مرور بعض الوقت. كما ان الاتحاد الاوروبي لن يتأثر كثيرا بسبب خروجها. الاتحاد الاوروبي يتكون من دول ديمقراطية تحترم بعضها البعض، والحكومات فيه تحترم رغبات شعوبها وتعمل على تنفيذها. هذا هو جمال الديمقراطية التي نفتقرها في عالمنا العربي.&

&