&

على غرار الكثير من القصص التي تنسب للملك والنبي سليمان الحكيم، التي قد تكون مثلها مثل عشرات الحكايا الأخرى لا تمت لمرحلة سليمان بصلة، وإنما قد تكون من بنات خيال الناس، إذ حكى لي عجوز من قريتنا يوماً قصة من القصص ادعى بأنها عائدة لسليمان وعلاقته بالخفاش قائلاً: "بأنه وحسب ما سمع من الذين قبله، بأن سليمان الملك أمر في أحد الأيام كل الكائنات الملتحفة بالأرياشِ بأن تصنع له مخدةً ليتكئ عليها لكي يتأمل من على شرفة قصره المنيف العالم المحيط به، وهو لم يطلب من أي طائر بأن يأتي بما يعجز عنه، إنما أمر كل نوعٍ منهم بأن يقدم فسيلةً واحدة من نسيج كسائه الجسدي، ولكنه تفاجأ يوم اجتماع الطيور وجمع المنتوج بأن رأى الخفاش عارياً من ثوبه، وبدا للحكيم فوراً بأن الخفاش من فرط الطاعة العمياء لم يفهم الأمر جيداً، ولا فَهم المغزى من تنوع جمع الأرياش أو الغاية من إشراك الكل في صناعة المخدة، وإنما بدون أدنى تفكير منه سارع إلى تعرية ذاته لإرضاء الملك بخلاف كل ذوات الأرياش"، إذ أن القصة تلك تذكرتها عندما تداولت وسائل الاعلام خبراً عن أن الرئيس المشترك لحزب الإتحاد الديمقراطي صالح مسلم قال في لقاء له مع صحيفة الصباح الجديد منذ أيام "بأن عصر بناء الدولة القومية قد ولّى وأنه لا يؤيد إقامة دولة كوردية" وقد حض موقف هذا الحزبي المتراقص كالبهلوان وفق ما تمليه عليه أوامر حكمائه في قنديل على استحضار حكاية الخفاش من جهة، ومن جهة أخرى ما كتبه الدكتور معمو علي قائلاً: " من عادة الشعوب أنها تنتقل من الدولة الدينية/العشائرية إلى الدولة القومية، ومن الدولة القومية للدولة الديمُقراطية (دولة المواطنة) لكن أُمتنا الديمُقراطية تبدو أُمَّة طوباوية كتير: بدها تجط جَط (تقفز قَفْر) من الدولة العشائرية للدولة الديمُقراطية! فارحموا بنكرياسنا قليلاً يا اولاد الحلال!"
&
أما إذا كان الاستاذ صالح مسلم يقول ذلك من باب المناورة السياسية تتبعاً لخطى جلال الطالباني أو تصريحات عبدالله أوجلان وأقواله المنثورة بين طيات الكتب التي تنسب إليه، فلربما غاب عن بال مسلم أن تلك الأقوال والتصريحات التي أطلقها في زمنٍ ما، ومرحلة تاريخية ما كل من الطالباني وأوجلان فلا تزال تعتبر كشهادات معتمدة من قِبل المفكرين العنصريين أمثال منذر موصلي وغيره، حيث تراهم يطعنون بالتاريخ والجغرافية الكردية بناءً على أقوال وكتابات الشخصين المذكورين، الذين لأسباب سياسية ومن باب إرضاء الأنظمة وتقرباً من الأسد الأب تنازلوا عن الحقوق القومية للكرد في سوريا.
&
وبما أن عصر القوميات ولى وفق تلاميذ خاقان الفلسفة الهلامية عبدالله أوجلان، أليس لكل ذي ضمير وفكر ونظر أن يتساءل لآية غاية كونية إذاً تخدع الروافد الأوجلانية الجماهير الكردية البسيطة في الأجزاء الأربعة من كردستان من خلال الأقوال والشعارات والهتافات والتطبيل&القومي؟ وهل الكرد بنظر رعيان قنديل مجرد قطعان بشرية لا وظيفة لها غير السوق الى ذلك المسلخ الأيديولوجي البارع في حياكة الأحابيل لهم؟ ومادام هذا التنظيم الجيلاتيني لا يؤمن بالدولة القومية ويعتبرها من سقط الأهداف لديه، فلماذا يقود مئات الكرد إلى جبهات الموت شهرياً طالما أن مشاريعه مخنثة لا تستأهل الفداء حتى بالبعير وليس البشر، أم أنهم مجبرون لتقديم فروض الطاعة لحاخامات طهران عبر بغداد ودمشق؟ أم أن الغاية القصوى من التضحيات الجسام وهدفها الاستراتيجي هو فقط استنزاف المجتمع الكردي من كل النواحي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والبشرية، وذلك لإيصال الناس فيما بعد الى مرحلة الانكسار الكلي والتخلي تالياً عن كل شيء اسمه قضية كردية أو كردستان؟ واقتياد الناس بعد تعاقب الهزائم إلى جرف الإحباط واليأس القاتل، ومن ثم اقتيادهم الى الهاوية بهدف تحطيم الصنم الشعاراتي الهش الذي تم صناعته بمعية الأجهزة الأمنية للدول التي تغتصب كردستان، وفي الفصل الأخير يتم القضاء على الثقافة الصنمية المتمثلة بأوجلان وفلسفته الهلامية؟ وذلك على غرار ما ذهب إليه ضابط CIA وصانع القاعده في افغانستان (بريجنسكي) بقوله: أن أفضل طريقه لهزيمة عدوك هو أن تحاربه بأفراد شعبه وبماله وتستخدم أدواته، وحينها سيكون أشبه بأن تسقط حجر الدومينو الأول ليسقط باقي الاحجار".
&
حقيقة إن مقابلة زعيم الرافد الأوجلاني في سوريا السيد صالح مسلم تذكرنا أيضاً بالمثل العفريني الدارج "ger dost wek te bın dujmın ne gerekın" أي بمعنى إذا كان الصديق مثلك فما حاجتنا للعدو، إذ أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ولأكثر من مرة قال " لن نسمح بقيام دولة كردية" كما تناولت وسائل الإعلام مؤخراً خبراً عن رغبة دمشق بفتح قناة خلفية مع أنقرة لتشكيل جبهة مشتركة ضد الكرد السوريين لمنع قيام منطقة حكم خاصة بهم على غرار اقليم كردستاتن العراق، وهو الأمر الذي تشجعة طهران وترحب به، إذ أن كل من طهران وأنقرة وبغداد ودمشق يحيكون المؤامرات للإيقاع بالحجل الكردي، بينما الحجل الكردي تراه يعيد نفس كلام ذلك الحلف المعادي لأي شيء متعلق بتطلعات الشعب الكردي، وذلك حين يقول السيد صالح مسلم "نحن ضد قيام دولة كردية" إذا فلماذا تحاربون تركيا يا سيد صالح أنت وحزبك الأم في قنديل منذ أربعين سنة؟ والعالم كله يعرف بأن الطاقم الجاثم في قنديل وبسبب حروبه المزعومة مع تركيا تحت اسم كردستان تسبب بقتل آلاف الكرد وتدمير مئات القرى.
&
وفي الختام نرى بأن خير ما قد يرسخ جوهر الموضوع في ذهن القارئ بعد قراءته لموقف صالح مسلم وخفاش سليمان الحكيم هو إيراد ما كتبه الصحفي محمود كنو بقوله: "يطلق الجنود الأتراك النار على عرب جرابلس لدى محاولتهم اجتياز الحدود، بينما تُفتح الحدود للشباب الكرد في كوباني للعبور بيسر إلى تركيا! والسؤال الذي يتمدد على الشاطئ بالمايو فهل ما يفعله الأوجلانيون يتوافق بالصدفة البحتة مع مآرب تركيا الاستراتيجية من خلال إفراغ شمال سوريا من كردها؟ وهل هي عمالة صرفة للأتراك أم هو الغباءُ الصرف؟.