&

ليس غريبا أن يصوت الناخبون البريطانيون لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فمنذ بداية التسعينات وحين انفرط عقد الاتحاد السوفيتي وتفتت الدول الاشتراكية في شرق أوروبا، عبرت بريطانيا مرارا عن امتعاضها من انضمام الدول الناشئة إلى الاتحاد الأوروبي، وسخرت كثيرا من منح العضوية لأية دولة جديدة، ووصفت الصحف البريطانية الاتحاد الأوروبي بأنه ناد بعضوية مفتوحة للجميع. وقد زاد عدد سكان بريطانيا في العقد الأخير بما يزيد على 10 ملايين مهاجر، وهؤلاء المهاجرون يكتسبون الجنسية من خلال الزواج من البريطانيين والبريطانيات، والسبب في هذا كله قانون الاتحاد الأوروبي الذي ينص على حرية التنقل بين دول الاتحاد.

بالطبع، ليس من يعطي كمن يأخذ، وبريطانيا لا يمكن مقارنتها بتلك الدول الجديدة، فهي ذات اقتصاد ونفوذ سياسي كبيرين، فكيف تتساوى مع الأعضاء الجدد، خاصة وأن كثيرا من المهاجرين الأوروبيين قدموا إليها فارغي الجيوب، واستفادوا من الحركة الاقتصادية والتجارية النشطة فيها كما استفادوا من وجود تجمعات للمهاجرين في مناطق معينة لهم مدارسهم وأسواقهم ويستطيعون أن يعيشوا برواتب منخفضة جدا وهذا يعني عمليا الاستفادة من البنية التحتية البريطانية والعلاج والتعليم المجاني دون أن يقدموا شيئا بالمقابل.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الأعمال التجارية الصغيرة للمهاجرين وجدت بيئة استثمارية مناسبة وصارت تستورد المنتجات الرخيصة تاركة منتجات بريطانيا مما جعل التجارة البريطانية تواجه عجزا حيث زادت واردتها عن صادراتها، وإذا ما تركنا الصناعات الثقيلة كالأسلحة فإن بقية الصناعات قابلة للمنافسة الشديدة وبالتالي خفض الأسعار بصرف النظر عن الجودة. وعلى أية حال، فبريطانيا لا تنسق نشاطاتها كثيرا مع أوروبا وهي تخوض الحروب وتدخل في التحالفات البعيدة عن أوروبا دون تنسيق معها، كما أنها لم تعتمد اليورو في تعاملاتها أصلا وتمسكت بالجنيه الاسترليني، وبالإضافة إلى ذلك، فهناك حس الاستعلاء القومي الذي ربما يكون له دور في هذه النزعة الانفصالية عن بقية القوميات الأوروبية.

إن بريطانيا لا تستفيد الكثير من عضويتها في الاتحاد الأوروبي ومصلحتها ليس مع دول الاتحاد بل مع دول الكومنويلث، حيث تغرق أسواقها بمنتجاتها وتبيع أسلحتها لها وتنسق سياساتها معها، وهذه الدول متعاونة إلى حد كبير مع بريطانيا، وهذا يجعل تدفق الهجرة من دول شرق أوروبا عائقا أمامها، فهم يستولون على الوظائف الجيدة (على العكس من الآسيويين الذين يقبلون برواتب متدنية) كما يستفيد المهاجرون الأوروبيون من البنى التحتية ويتعلمون في جامعاتها ويتزوجون بسهولة من البريطانيين ويكتسبون الجنسية ويصبحون بريطانيين لهم كافة حقوق البريطانيين.

لا شك أن البريطانيين حسبوا المكاسب والخسائر جيدا قبل أن يقرروا، خاصة وأن عهدهم بالترف الاقتصادي ليس بالبعيد، أي قبل التسعينات حين كانت الهجرة من دول شرق أوروبا مستحيلة. وذلك الجيل هو الذي يوجه الرأي العام ويقنع البريطانيين بوجهات نظرهم. كما أن الشيء الوحيد الذي يخسرونه هو زيادة كلفة السياحة في أوروبا، وهذا ليس بالأمر الجوهري. أما الاتحاد الأوروبي فقد يتضرر جراء خروج&بريطانيا كونها شريكا تجاريا ومستقبلا للصادرات والهجرة والبنوك الأوروبية، لذا فقد يتخذ الاتحاد موقفا صارما في مفاوضات الخروج وذلك كي لا يشجع الدول القوية الأخرى على الخروج، أسوة ببريطانيا. إذ أنه ليس فقط بريطانيا لديها اعتزاز بقوميتها، بل هناك الدول الاسكندنافية وألمانيا وفرنسا وجميعها دول عظمى لديها حس الاستعلاء القومي.